لا أحد يهتم بخطر المتشددين في موزمبيق

تعوّل موزمبيق المصنفة أمميا ضمن أفقر عشر دول في العالم على استغلال الغاز الطبيعي المكتشف حديثا للخروج من دائرة الفقر، لكن سيطرة الجماعات المتشددة على أجزاء واسعة شمال البلاد تهدد ليس فقط طموحات حكومة موزمبيق بل أيضا الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات التي تستثمر في المنطقة. ورغم التهديد الكبير الذي تمثله الجماعات المتشددة، إلا أن التدخل الدولي لمساعدة الحكومة على مواجهته ظل محدودا.
مابوتو (موزمبيق) - يواصل المسلحون في موزمبيق محاولات السيطرة على الأرض بالقرب من منطقة الغاز الطبيعي المسال قيد الإنشاء في شمال البلاد حتى تعتبر الحكومة أن التهديد الاقتصادي والسياسي كبير بشكل يستوجب تبرير الدعم الأجنبي.
وفي الأول من يناير الماضي قامت شركة توتال الفرنسية العملاقة بإجلاء بعض موظفيها من مشروع الغاز الطبيعي المسال الذي تبلغ تكلفته 20 مليار دولار والذي يجري بناؤه في شبه جزيرة أفونجي في أقصى شمال موزمبيق في مقاطعة كابو ديلغادو، مما أدى إلى تعليق العمل في الموقع.
وجاء القرار بعد أن هاجمت جماعة أهل السنة والجماعة التابعة لتنظيم داعش في موزمبيق -وهي أيضًا جزء من ولاية وسط أفريقيا التابعة لتنظيم داعش- قرية على بعد أقل من كيلومتر واحد من مهبط الطائرات التابع للمنشأة.
واكتسبت جماعة أهل السنة والجماعة قوة كبيرة على مدار عام 2020، وتضخمت بطريقة جعلت شبه جزيرة أفونجي قريبة من منطقة عملياتها. وقد شاركت الجماعة -التي أصبحت فرعًا لتنظيم داعش عام 2020- في أكثر من 400 حادث أمني خلال عام 2020، أي أكثر من ضعف العدد الذي شوهد في عام 2019.
وفي أكتوبر أعلنت هذه الجماعة عن هجومها الأول في تنزانيا عبر نهر روفوما الذي يمتد بجوار حدود البلاد مع موزمبيق، فيما أثبتت قوات الأمن الموزمبيقية التي تقاوم جماعة أهل السنة والجماعة حتى الآن أنها غير مجهزة للحد من نمو وصعود الجماعة.
وتكافح الحكومة الموزمبيقية التي تعاني من ضائقة مالية شديدة لتعزيز قدرات قوات الدفاع المسلحة من أجل مجابهة التهديد دون تعريض قدرة الجيش للخطر. لكن القوات المسلحة الموزمبيقية أخفقت إلى حد كبير في عرقلة سيطرة جماعة أهل السنة والجماعة على مدينة موسيمبوا دي برايا الساحلية الشمالية التي استولت عليها الجماعة في أغسطس.
حسابات سياسية
جماعة أهل السنة والجماعة أصبحت أكثر فتكاً من حيث نطاق وحجم هجماتها خلال الأشهر الأخيرة
سمحت سيطرة جماعة أهل السنة والجماعة على المدينة الإستراتيجية بالمزيد من الوصول غير المقيد إلى الإمدادات، وكذلك الطرق المؤدية إلى شبه جزيرة أفونجي. لكن على الرغم من هذا التهديد المتزايد استمر الرئيس فيليب نيوسي في السعي للحصول على مساعدة عسكرية محدودة بسبب التخوّف من التعدي على السيادة.
وواجهت حكومة موزمبيق ضغوطًا متزايدة لقبول الدعم الخارجي، بما في ذلك التدخل العسكري المحتمل بقيادة مجموعة تنمية دول جنوب أفريقيا (سادك).
ووقّع نيوسي على صفقات مع دول منفردة تتعلق بزيادة تدريب القوات المسلحة الدفاعية الموزمبيقية وتمويلها، بل إنه ابتهج بالإعلان عن إمكانية الانتشار الأجنبي المحدود الذي ستكون مابوتو قادرة على التحكم فيه بشكل أفضل.
لكنه استمر في رفض عرض “سادك” الذي يقضي بتقديم دعم كبير متعدد الأطراف خوفًا من أنه قد يمكّن ذلك المقاطعات من التدخل لتقديم مطالب سياسية لا ترغب موزمبيق في قبولها، مثل وضع ترتيب أكثر إنصافًا لتقاسم السلطة مع قوى المعارضة.
ويتخوّف حزب جبهة تحرير موزمبيق الحاكم بزعامة نيوسي أيضًا من أن التدخل في مكافحة الإرهاب قد يهدد وجوده في السلطة من خلال تفاقم التحديات الأمنية وتوازن القوى العرقية في شمال موزمبيق.
وتدخلت “سادك” والدول المجاورة بشكل مكثف خلال الحرب الأهلية في موزمبيق خلال فترة السبعينات التي شهدت وصول نيوسي إلى السلطة لأول مرة. وخلال هذا التدخل دعمت روديسيا وجنوب أفريقيا حركة المقاومة الوطنية الموزمبيقية المتشددة، والتي تواصل حكومة موزمبيق بقيادة نيوسي محاربتها باعتبارها جماعة متمردة في وسط موزمبيق.
كما تفكر “سادك” جدياً في نشر قواتها الاحتياطية للمساعدة على احتواء التهديد المتشدد والمتزايد في موزمبيق، والذي واصلت مابوتو معارضته.
وقالت دولتا ملاوي وزيمبابوي غير الساحليتين -اللتان تعتمدان كثيرا على موزمبيق للوصول إلى البحر- أيضًا إنهما على استعداد للمساهمة بشكل مباشر في الصراع.
ومن غير المرجح أن تقبل موزمبيق المساعدة متعددة الأطراف حتى تبدأ جماعة أهل السنة والجماعة بتهديد وجود نيوسي في السلطة أو أنشطة توتال في شبه جزيرة أفونجي.
وبسبب إهمال الحكومة الفيدرالية لا تمتلك كابو ديلغادو سلطة كبيرة في النظام السياسي الموزمبيقي. وبالرغم من أن أعمال العنف التي تقوم به جماعة أهل السنة والجماعة في المقاطعة الشمالية مميتة ومدمرة لصورة موزمبيق إلا أنها لا تمثل وحدها تهديدًا إستراتيجيًا لحكومة موزمبيق. ومع ذلك تبقى مشاريع الغاز الطبيعي المسال في شبه جزيرة أفونجي المستقبل المالي للاقتصاد الموزمبيقي.
ومن المتوقع أن تحقق مشاريع الغاز الطبيعي المسال الثلاثة الجارية حالياً في موزمبيق إيرادات للحكومة تصل إلى 100 مليار دولار وتضيف 300 مليار دولار إلى اقتصاد البلاد على مدى عمر المشاريع.
ويجري بناء مرافق التصدير لأكبر مشروعين للغاز الطبيعي المسال في شبه جزيرة أفونجي. وسيحدث ذلك في الأشهر المقبلة تأثيراً كبيرا سواء في شبه الجزيرة نفسها أو على مستوى الخدمات اللوجستية لنقل المعدات من موقع البناء وإليه، وهو ما سيكون هدفا محتملا لجماعة أهل السنة والجماعة.
وتدرس شركة إكسون موبيل أيضاً مشروع بناء محطة برية في شبه جزيرة أفونجي في نفس موقع توتال، ولكن لم تتخذ بعد قراراً استثمارياً نهائياً بشأن المشروع.
وفي الوقت الحالي لا يبدو أن جماعة أهل السنة والجماعة تشكل تهديداً قوياً للمنطقة المحيطة بشبه جزيرة أفونجي. لكن إذا تُركت دون رادع ستصبح لديها قدرة على توسيع وتيرة عملياتها في المنطقة وتصبح أكثر تهديداً بشكل مستدام.
خطر متنام
في الأشهر الأخيرة أصبحت جماعة أهل السنة والجماعة أكثر فتكاً من حيث نطاق وحجم هجماتها (بشكل أساسي الهجمات المسلحة التي تستهدف قوات الأمن أو المدنيين) على الرغم من أنها لم تظهر بعد قدرتها على ضرب أهداف مادية بشكل نسبي، بما في ذلك مشروع توتال للغاز الطبيعي المسال، كما أنها لم تستخدم المتفجرات بشكل متكرر مثل العبوات الناسفة.
ومع ذلك شنت الجماعة هجمات على جزر قبالة ساحل البر الرئيسي لموزمبيق. وبالتالي من الممكن أن يتم استهداف السفن البحرية التابعة لمشروع الغاز الطبيعي المسال.
وفي الواقع يظهر قرار توتال الأخير أن الشركة قلقة جدّا بسبب زيادة الهجمات حول المنشأة، ما دفعها إلى تأخير المشروع والتخلي عن الموظفين.
واستخدمت شركة توتال وشركات النفط الأخرى التي تعمل على تطوير منشأة الغاز الطبيعي المسال في كابو ديلغادو مقاولين عسكريين خاصين -وهم بشكل عام أفضل، من ناحية قدراتهم التدريبية والتجهيزية، من القوات المسلحة الموزمبيقية- للمساعدة على حماية الأصول.
وإلى جانب القيود اللوجستية تم جعل المرفق أصعب وأكثر تكلفة كي لا يتم استهدافه من قبل جماعة أهل السنة والجماعة. ومن المرجح أن تقبل مابوتو في نهاية المطاف المزيد من المساعدة من الدول الأخرى، لكن العملية ستكون بطيئة، مما يجعل جماعة أهل السنة والجماعة خطراً أمنياً أكبر على مشاريع الغاز الطبيعي المسال في عام 2021.
وأي نوع من الدعم المادي، سواء كان تدخلا أجنبياً أو تزويد القوات المسلحة الموزمبيقية بالمزيد من وسائل التدريب والتمويل، سيستغرق شهورا -إن لم نقل سنوات- للتنظيم والنشر الفعلي.
ومن المحتمل أن تحاول حكومة موزمبيق تعطيل توسع جماعة أهل السنة والجماعة في غضون ذلك، مع التركيز على نزع فتيل أي تهديدات تشكلها مشاريع الغاز الطبيعي المسال في البلاد. ولكن دون مساعدة خارجية لن تتمكن مابوتو من احتواء عمليات الجماعة بشكل كبير خارج المنطقة المباشرة لتلك المشاريع.
وبالنسبة إلى توتال وشركائها يعني هذا أنهم سيواجهون تهديداً متزايداً على المدى القصير، وهو ما سيجبرهم على تأخير البناء أو تطوير أجزاء من المشاريع بشكل مؤقت، فضلاً عن تخصيص المزيد من الموارد لاحتواء التهديد الذي تسببه جماعة أهل السنة والجماعة.
ولن تدفع المخاطر الأمنية شركتي توتال وإكسون موبيل إلى التخلي عن مشاريعهما المربحة في موزمبيق، لكن التمرد المتنامي سيعوق عملياتهما.