كي لا نكون صدى للأخبار

الكتابة كما قلت مكابدة لأنك تلعب في منطقة الرأي العام وتقاطعات السياسة وتباينات الوعي، بين أجنحة طيران المصالح والإيماءات للأطراف القريبة حينا والبعيدة أحيانا.
الجمعة 2019/04/05
الكتابة للصحافة ليست كالكتابة لوسائط التواصل الاجتماعي التي تمنحك حرية

لعلّها المهنة الممتحنة يوميا بأسئلة الآخرين وعدم رضاهم، فليست كل الموضوعات تُسعد أصحاب القرار في النشر، وليست كل المعالجات تروق لهم في النتيجة عند الكتابة للصحافة.

فقد سعيت أن أكون متفائلا هاشا باشا حين أكتب عن حياة أخرى تفرض عليّ أن أضع مشاعري في أفريز كي لا تفلت مني مشاعر الأسى، وتخدش مشاعرهم الوردية، ولا تنهال الأحزان وأنا أرى أو أتحرى عن موضوع فيه ألف علامة استفهام وأسباب ومتسببون.

وتمرنت على أن أدير ظهري لمرايا الواقع لأني أعرف أنهم لا ينظرون لفداحة الضرر الذي قد يحفز آخرين لقراءة وجهات نظر خطرة .

تذكرت نصيحة أستاذي حول الأخبار وما قيمة أن يتحول خبر ما إلى قصة خبرية بمقولة (ليس الخبر أن يعض الكلب إنسانا، وإنما الخبر حين يعض إنسان كلبا).

 مقولة صارت بالية لأن الكلاب صارت لها جمعيات تدافع عنها وحقوق توازي حقوق الإنسان.

من أين تأتي بموضوع حتى لا تكون مجرد صدى للأخبار ومعلقا عليها أو مقتبسا لها؟

تساؤل هو أشبه بامتحان بل امتحان يومي لكتّاب الأعمدة الصحافية الذين يحتمون بالأخبار ملاذات أو مخرجات لأزمة اختيار الموضوع، التي باتت صنعة محترفين حاذقين بالتعليق والتحليل والتجميل في اللغة والأسلوب للهروب من مشقة الكتابة اليومية، أو الأسبوعية وشتان ما بين هذه وتلك في الاختيار والمهارة وعدم الوقوع بالتكرار.

الكتابة للصحافة ليست كالكتابة لوسائط التواصل الاجتماعي التي تمنحك حرية غير عادية شبه مطلقة في الاختيار والرضا الشخصي، لأن الأولى تحتاج لمهارة المرور من بوابة التحرير أو التحريك أحيانا وهي مكابدة في قراءة مزاج الناشر، وإدراك قناعاته ومحركات تفكيره وهي أيضا مكابدة في نيل رضاه.

وتأتي المسافات لتزيد الأمر مشقة بفكرة يعجبني أو لا يعحبني لأنك بعيد عن شرب القهوة في مكتب صاحب القرار في النشر وتدرك مرغما:

لا توجد حرية مطلقة أو نسبية في النشر أو الاختيار عند الكتابة في صحافتنا العربية إلا لعدد محدد من الكتاب الذين لهم مهارة فرض قناعتهم على حارس البوابة الذي يتساهلون معه لاعتبارات كثيرة أولها قربه من أصحاب القرار.

أما قوة الموضوع وأهميته ودلالاته ومعرفة محركاته فقد تذهب ضحية الأمزجة والقناعات المسبقة بل من تباين الثقافات وتقاطع الرؤى بين الكاتب والناشر.

الكتابة كما قلت مكابدة لأنك تلعب في منطقة الرأي العام وتقاطعات السياسة وتباينات الوعي، بين أجنحة طيران المصالح والإيماءات للأطراف القريبة حينا والبعيدة أحيانا.

 وهي كالسير بين الألغام واختراق السواتر والمصالح واسترضاءات جهات نافذة وموالين وحاكمين وأتباع وجيوش والسير على الجمر أحيانا، لقد حرقت أقدامنا بما يكفي.

من أين تأتي بموضوع حتى لا تكون مجرد صدى للأخبار ومعلقا عليها أو مقتبسا لها؟

18