كيف ينعكس ما حدث في سوريا على القضية الفلسطينية

سقوط نظام الأسد يحمل لإسرائيل رسائل متناقضة: قد تتنفس تل أبيب الصعداء إذا ضعفت علاقة إيران وحزب الله بسوريا أو تقلقها احتمالية ظهور نظام جديد أكثر عداء لإسرائيل.
السبت 2024/12/14
في انتظار أن تتضح الرؤية

التوازنات الإقليمية والسياسية الجديدة في المنطقة، والتي أفرزها تغير المشهد السوري وسقوط نظام بشار الأسد، لها من التأثيرات ما يستدعي الوقوف عندها وقراءة أبعادها ومتغيّراتها. وإذا كان النظام السوري قد اختار قبل سقوطه بسنة ونيف البقاء على مسافة بعيدة من طوفان الأقصى، إلا أن طبيعة تحالفاته مع إيران وحزب الله كانت تستدعي أن تكون سوريا جسر عبور وإسناد للجبهات مع إسرائيل. ورغم أن النظام السوري قد اتخذ موقفًا واضحًا من حماس ومن طوفان الأقصى، إلا أنه أراد توظيف خدماته لإيران في الترويج لموقف سوريا الداعم للقضية الفلسطينية، ربما لكسب التعاطف العربي وتحسين صورة النظام بعد كل الأحداث التي عرفتها سوريا منذ 2011. وبما أن سقوط النظام السوري قد أفرز معادلة جديدة أنهت النفوذ الإيراني في سوريا، فإن تأثير ذلك لا بد أن تكون له انعكاساته على محور إيران التي تعد فاعلًا في المشهد الفلسطيني.

لا بد أن تكون السلطة الفلسطينية قد وضعت في اعتباراتها حاجة السلطة الجديدة في سوريا إلى تعزيز مكانتها الإقليمية من خلال القضية الفلسطينية، وحاجة النظام الجديد إلى تأكيد العلاقة التي تجمع السوريين بفلسطين. بالمقابل، تبحث هذه السلطة عن تطوير علاقتها بالنظام الجديد حتى تقطع الطريق أمام الحركات الأخرى الطامحة في زيادة نفوذها السياسي في المخيمات الفلسطينية المتواجدة في سوريا.

بالنسبة إلى السلطة، هناك عاملان أساسيان يحددان مستوى العلاقة الجديدة مع سوريا: العامل الأول هو موقف النظام الجديد في سوريا من المشهد السياسي الفلسطيني بمختلف أطيافه. وهنا تحتاج السلطة إلى مواقف واضحة ومحددة من النظام الجديد فيما يخص شرعية التمثيل الفلسطيني ومستقبل قطاع غزة وعلاقة النظام الجديد بالفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حماس.

تجنبًا لإساءة مواقفها من ملفات حساسة، من الطبيعي أن تتجنب هيئة تحرير الشام اتخاذ مواقف تصعيدية أو تبني سياسات لا تتوافق مع توجهات اللاعبين الإقليميين الذين قد تكون لديهم مصالح مختلفة تجاه فلسطين

العامل الثاني مرتبط بالمواقف الإقليمية والعربية من التغيير في سوريا. فالسلطة الفلسطينية تدرك بأنها لا بد أن تسير على نحو متوافق مع وجهات نظر الدول الفاعلة في المنطقة، وإلى أن تتضح الرؤية والخطوط العريضة لليوم التالي لما بعد سقوط الأسد، لذلك سيبقى الخطاب الرسمي الفلسطيني على أسلوب الدبلوماسية الحذرة مع المتغير الجديد في سوريا.

أما الفصائل الفلسطينية المعروفة بقربها من النظام السوري كالجبهة الشعبية، فقد تواجه صعوبات في التأقلم مع المشهد الجديد، بالنظر إلى طبيعة علاقتها مع النظام القديم الذي وفر لها الدعم منذ أيام الرئيس حافظ الأسد، وهو ما قد لا يحمّس النظام الجديد في التعاطي مع هذا الفصيل الفلسطيني.

حركة حماس تقرأ التغيير في المشهد السوري بدقة شديدة وتحاول الخروج برؤية تجمع ما بين جناحيها العسكري والسياسي. بالنسبة إلى الجناح العسكري، هذا التحول الجديد في المشهد السوري يؤثر بشكل مباشر على المصالح الإيرانية في سوريا وينعكس بشكل غير مباشر على مصالح الحركة. أما بالنسبة إلى الجناح السياسي، فإن الحاجة لترميم العلاقة مع سوريا تمليها الحاجة لإعادة موطئ قدمها فيها بعد سنوات طوال من الانسحاب منها، قد تدفع إلى خيار اليد الممدودة التي تبحث عن تقوية أواصر التقارب مع القوى الجديدة في سوريا في انتظار الرد من الطرف السوري.

قد تفتح مرحلة ما بعد الأسد الباب أمام إعادة ترتيب أوضاع المخيمات وتحسين أوضاع اللاجئين إذا تمكنت الحكومة الجديدة من ضمان الاستقرار الأمني في البلاد بشكل عام. وبطبيعة الحال، فإن تخلص سوريا من سلسلة العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على النظام السوري منذ 2011 بسبب الأحداث الدموية التي رافقتها، قد يساهم في رفع مستوى الأداء الاقتصادي للبلاد وينعكس هذا بشكل عام على السوريين والفلسطينيين على حد سواء.

سقوط نظام الأسد قد يحمل لإسرائيل رسائل متناقضة: فمن جهة، قد تتنفس تل أبيب الصعداء إذا ضعفت علاقة إيران وحزب الله بسوريا، ومن جهة أخرى، قد تقلقها احتمالية ظهور نظام جديد أكثر عداء لإسرائيل، خاصة إذا كان مدعوما من تيارات إسلامية أو قومية، وإذا كان سيعزز من حضور الفصائل الفلسطينية المسلحة على الأراضي السورية.

التحديات الداخلية التي تفرضها المرحلة الجديدة على هيئة تحرير الشام وهي تباشر المرحلة الانتقالية في سوريا قد تجعلها تنكفئ على نفسها في محاولة للنأي بالنفس عمّا من شأنه أن يشوش عليها، وتجنبًا لإساءة مواقفها من ملفات حساسة من الطبيعي أن تتجنب اتخاذ مواقف تصعيدية أو تبني سياسات لا تتوافق مع توجهات اللاعبين الإقليميين الذين قد تكون لديهم مصالح مختلفة تجاه فلسطين.

9