كيف يمكن للإدارة الأميركية أن تتعلم من إسرائيل لمواجهة إيران

واشنطن - في مواجهة الاندفاعة الإيرانية، تبدو الولايات المتحدة بحاجة إلى إيجاد طرق أكثر فعالية لحماية مصالحها ومواجهة بدائل إيران ووكلائها بينما تتجنّب الحرب الشاملة. ويقترح الخبير إيلان غولدنبرغ، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز واشنطن، أن تستفيد واشنطن من تجربة “الحملة الإسرائيلية ضد إيران في سوريا”، والتي اعتبرها “واحدة من أنجح الجهود العسكرية للرد على إيران في المنطقة الرمادية”.
ويقول غولدنبرغ “درس العسكريون الأميركيون الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 للتحضير لحرب تقليدية محتملة مع الاتحاد السوفييتي. اليوم، يمكن للجيش الأميركي أخذ الدروس المستفادة من حملة إسرائيل في سوريا وتطبيقها على صراع المنطقة الرمادية مع إيران”.
ويشرح الخبير الأمني في تحليل نشرته مجلة “ديفانس نيوز” ما يعتبره “نقاط تفوق” الإستراتيجية الإسرائيلية ضد إيران، لافتا إلى أن الإسرائيليين ركّزوا على هدف عملي محدّد للحدّ من تدفّق الذخائر الموجّهة إلى سوريا والتي يمكن أن تجهد نظام القبة الحديدية. وسمح هذا لهم بتطوير مجموعة أهداف ضيقة وإرسال رسائل ردع واضحة لإيران مباشرة. في المقابل، يعتمد النهج الأميركي الحالي على 12 هدفا واسعا وشاملا للقضاء على كل النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، مما يصعّب التركيز على خطوات عسكرية محدودة وفعالة.
وتابعت إسرائيل هذه الحملة في مسارح أين أمكنها أن تحتفظ بتفوقها العسكري. على هذا النحو، لم تسفر المئات من الضربات الإسرائيلية إلا عن محاولات إيرانية غير فعّالة للانتقام.
من جهتها، تعدّ الولايات المتحدة قادرة على تطوير هذا النوع من التفوّق العسكري والاستخباري، ولكنه يبقى مكلفا وصعبا بالنسبة لقوة عظمى تمتد التزاماتها إلى جميع أنحاء العالم، مما يعني أن عليها أن تخفف من نشر قواتها لتوظفها عندما تكون مصالحها الوطنية الرئيسية على المحك.
ولتقليل خطر التصعيد أكثر، عملت إسرائيل على الحدّ من الخسائر البشرية والمدنية. وفي بعض الحالات، أطلقت طلقات تحذيرية عمدا لتفريق المقاتلين الإيرانيين قبل تدمير الأنظمة والأسلحة.
وأثارت العملية الأميركية في أواخر ديسمبر، والتي أودت بحياة 25 مقاتلا من كتائب حزب الله ردا على مقتل مقاول أميركي في العراق، دورة تصعيدية خطيرة. وأثارت العملية اقتحام سفارتها في بغداد، مما انجر عنه الضربة اللاحقة على سليماني وإطلاق الصواريخ البالستية الإيرانية الانتقامية على القوات الأميركية.
كما يلفت غولدنبرغ إلى سياسة تطوير حملة الرسائل المضمّنة، حيث امتنعت إسرائيل عن إحراج إيران علنا، وهو ما يقع في تناقض قوي مع تغريدة الرئيس دونالد ترامب لصورة علم أميركي بعد قتل سليماني. ومع ذلك، ومن خلال التسريبات الإستراتيجية، أوضح الإسرائيليون لإيران تكاليف مواصلة إرسال أسلحة إلى سوريا.
ويشير الباحث إلى أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على تنفيذ مثل هذه الحملة، حيث يعتمد الإسرائيليون رقابة عسكرية. لكن الحملات الأميركية السابقة ضد القاعدة في باكستان واليمن استخدمت رسائل عامة مماثلة. مع ذلك، كانت إسرائيل على استعداد لتحمّل المخاطر المحسوبة مع الاعتراف بوجود خيارات عديدة بين غياب العمل العسكري الحركي والحرب واسعة النطاق. وفي كثير من الأحيان، لا ترى الولايات المتحدة هذه المنطقة الرمادية. ويخشى القادة اتخاذ أيّ إجراء خوفا من آثاره السلبية مثلما امتنع الرئيس السابق باراك أوباما عن الرد عسكريا على استخدام الرئيس السوري بشار الأسد للأسلحة الكيميائية في 2013. ويقرر بعض القادة الارتقاء فوق سلّم التصعيد، مثل الرئيس دونالد ترامب عندما أمر بتصفية قاسم سليماني.
استخدمت إسرائيل نهجا غير تقليدي بالفعل في التخطيط العسكري. فبدلا من البدء بتحديد أهدافها النهائية المرغوبة، وهي الطريقة التي يتم بها التخطيط العسكري الأميركي، اتبعت إسرائيل نهجا تدريجيا للتخطيط، والذي بدأ باختبار ضربات محدودة. وعندما فشلت إيران في الانتقام، عدّلت إجراءاتها وفقا لذلك.
وتعدّ متابعة الدبلوماسية التكميلية لوضع مساحة للعمل العسكري أمرا أساسيا أيضا. ونظمت إسرائيل معظم هذه العمليات في المجال الجوي الذي تسيطر عليه روسيا. ومن خلال الاستفادة من اهتمام روسيا المحدود بالدخول في منتصف المواجهة بين إسرائيل وإيران، أدى الترابط المستمر بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تجنّب الصراع.
هنا، يشير غولدنبرغ إلى أن على الإدارة الأميركية إتباع نهج مماثل مع حكومة عراقية تخشى الوقوع في خضم مواجهتها مع إيران، لكنها لا تريد أن تغادر القوات الأميركية أراضيها بالكامل. ويخلص بقوله إن حرب الظل بين إسرائيل وإيران مستمرة على عدّة جبهات، وتتأقلم إيران مع هذه الانتكاسة في سوريا. ومع اختلاف المسؤوليات والقدرات والمصالح، لا يمكن للولايات المتحدة أن تكرر النهج الإسرائيلي بدقة. لكن التجربة الإسرائيلية في سوريا تشير إلى خيارات الولايات المتحدة في المنطقة الرمادية إذا كان صنّاع السياسة الأميركيون مستعدين وقادرين على تكرار بعض العناصر التي شكّلت النموذج الإسرائيلي.