كيف يكون السائح مبجلا في عطلته

المسافرون إلى وجهات تختلف ثقافاتها عما يعرفونه لا يجب أن تكون رحلتهم على حساب خصوصية السكان.
الأحد 2019/06/02
الفوضى تعد على الخصوصية

تنوعت السياحة وكثر عدد السياح حتى أصبح الأمر مزعجا للسكان المحليين، فأصبحت الرحلات السياحية كابوسا للمحليين والسياح على حد سواء، لذلك يتوجب على من يقصد بلدا آخر أن يكون ذكيا في تعامله مع الذين سيزورهم، محترما عاداتهم وتقاليدهم، ومحافظا على مواقعهم السياحية.

ميليسا رايوورث

 في باريس، أُغلق متحف اللوفر يوما واحدا بعد أن أضرب الموظفون هذا الأسبوع احتجاجا على أن أعدادهم لم تعد كافية للتعامل مع نسبة الزوار المتزايدة. في جبال الهيمالايا، يشعر المتسلقون في جبل إيفرست بقلق من ازدحام القمة الذي يساهم في زيادة عدد القتلى في “منطقة الموت”.

في مدن العالم وخاصة في الوجهات التي تستقطب عددا هائلا من السياح، من برشلونة إلى جزيرة بالي، أصبحت زحمة السياحة مشكلة تمتد على مدار العام.

عندما اجتاح السياح الراغبون في التقاط “الصورة المثالية” في حقول الزهور البرية في بحيرة إلزينور بولاية كاليفورنيا، كسرت المدينة صمتها خلال فصل الربيع، وتوجهت إلى تويتر أين تحدثت بصراحة عن تأثيرات الاختناقات المرورية والدوس على الحقول، مشيرة إلى المصاعب غير الضرورية التي يواجهها المجتمع بسبب كثرة السياح.

في الصيف الماضي، سُحِق حقل خارج تورنتو يضمّ زهور عباد الشمس بعد أن أصبح موقعا مشهورا في إنستغرام.

جلبت التخفيضات التي روجت لها شركات الطيران والغرف ذات الإيجار الرخيص التي يعلن عنها موقع “آير بي.أن.بي”، والصور المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي نعمة الدولارات السياحية للمستثمرين في القطاع، لكنها حملت لعنة الحشود الصاخبة التي تهدد سحر الأماكن المعروفة بهدوئها.

يقول جويل ديشمان، الأستاذ المختص في الدراسات العالمية بجامعة بنتلي في ماساتشوستس، “إن السياح يدمرون الجاذبية التي قدموا للبحث عنها”.

بدأت بعض المجتمعات في العمل على الحد من الهمجية عبر وضع قوانين وإعلانات عامة توجه السياح وتقيدهم ضمن نظام معين حتى يحافظوا على المواقع السياحية ويحافظوا على حياة سكان تلك المناطق التي يزورونها. لكن كيف يمكن أن يزور السائح هذه الأماكن دون أن يزعج السكان؟

يمكن أن تمنح المغامرة البعيدة عن أرض الوطن والتجول في أحضان ثقافة غير مألوفة شعورا بالحرية والمتعة التي تكسر روتين الحياة وتغيرها، لكن يجب أن يتذكر السائح أنه يكتشف ثقافة شخص آخر وموطنه.

لذلك، يجب أن يمتد بحثك من اختيار الفندق إلى دراسة المكان الذي تريد زيارته.

الاكتظاظ يزعج سكان المنطقة
الاكتظاظ يزعج سكان المنطقة

وإذا قررت حجز رحلتك عبر وكالة السفر، فلا عيب في أن تستفسر عن وجهتك استفسارا ضافيا.

وتوكد راشيل دودز، المختصة في إدارة السياحة ومؤسسة شركة السياحة المستدامة، أن على السياح عدم التصرف وكأنهم في أحد ملاهي ديزني.

تُذكّر بافيا روساتي، مؤسسة خدمة فاذوم للأسفار والمؤلفة المشاركة لكتاب “سافر حيث شئت”، السياح المسافرين إلى وجهات تختلف ثقافاتها عما يعرفونه بأن رحلتهم يجب ألا تكون على حساب السكان المحليين وألا تتسبب في التعدي على خصوصياتهم.

قد يبدو ارتداء قميص بلا أكمام مع سروال قصير أمرا منطقيا في تايلاند ذات درجات الحرارة المرتفعة، لكن هذا الهندام لا يناسب المعابد البوذية، ويعتبر علامة على عدم احترام المقدسات.

تشير روساتي إلى ضرورة ارتداء الملابس المحتشمة عند زيارة الأماكن المقدسة، حتى يحافظ السائح على مشاعر  المواطنين ودياناتهم ومعتقداتهم.

وينصح ديشمان طلابه الذين يسافر معهم كثيرا باحترام خصوصية السكان المحليين وبعدم إزعاجهم، من ذلك مثلا أن المواطنين الأوروبيين اعتادوا الجلوس والقراءة بهدوء أثناء سفراتهم في المترو أو الحافلة، لذلك من الضروري احترام هذه العادة وتوفير سبل الراحة للسكان المحليين إذا شاركهم السائح ركوب عربات النقل العمومي.

ويقول الأستاذ ديشمان، إن على السياح فهم تلك الممارسات واحترامها عبر تجنب المحادثات بصوت عال أو سماع الموسيقى بصوت مرتفع أو إحداث البلبلة خلال التقاط الصور.

وينطبق الأمر نفسه على الحفلات التي تقام في أوقات متأخرة من الليل، فإذا كان السائح في منتجع مغلق فليحتفل كما يحلو له، لكن إذا كان يقيم في شقة مستأجرة في حي سكني للمواطنين المحليين، فعليه أن يدرك أن جاره يحتاج إلى النوم حتى يتمكن من الاستيقاظ مبكرا للعمل.

بفضل كاميرات الهواتف الجوالة اعتدنا على التقاط الصور باستمرار، لكن إقحام الأشخاص وأطفالهم ومنازلهم في صورنا غير مقبول، لذلك على السائح أن يحترم البيئة المادية والمعنوية، ويلتزم بالممارسات المعقولة؛ على سبيل المثال، لا يجب على السائح أن يدوس على الزهور البرية لالتقاط الصورة المرجوّة. كما عليه أن يحتاط من المخاطر، إذ سجّلت شلالات كاترسكيل التي تبعد ساعتين عن مدينة نيويورك أربع وفيات في السنوات الأخيرة، نتجت عن محاولات التقاط صور سيلفي.

على السائح أن يحترم البيئة المادية والمعنوية، ويلتزم بالممارسات المعقولة
على السائح أن يحترم البيئة المادية والمعنوية، ويلتزم بالممارسات المعقولة

تقول جيا نارديني، الأستاذة المساعدة بجامعة دنفر والمؤلفة المشاركة في دراسة حول هذا الموضوع، إن السياح سيستمتعون بتجربتهم أكثر إذا قرروا قضاء وقت أقل في التقاط الصور، كما يمكن أن يساعد ضبط النفس على حماية المكان الذي يزوره السائح من عواقب الاكتظاظ. وبإمكان السائح أن يدرج التفاعل مع السكان المحليين ضمن برنامجه السياحي، فعندما كانت روساتي تخطط لرحلة بحرية على طول نهر الأمازون عرفت أنها ستتوقف في قرى يحتاج أطفالها إلى ضروريات الدراسة مثل أقلام الرصاص وأقلام التلوين والورق، فشكّلت اللوازم المدرسية ثلث حقيبتها.

حالما وصلت تبرعت بتلك اللوازم وملأت المساحة الفارغة في حقيبة سفرها بالتحف المحلية التي اشترتها، مثل هذه المبادرات البسيطة ستفتح قنوات التواصل بين السائح والسكان وتجعله يغوص أكثر في ثقافة وحياة ذلك المجتمع، حيث لا يمكن للسائح أن يزور مكانا ما وليس له استعداد لأن يكون صديقا للذين يسكنون هناك.

على السياح أن يحاولوا إنفاق أموالهم في الاقتصاد المحلي بدلا من حصرها في سلاسل الفنادق الدولية، ويمكنهم مساعدة السكان المحليين عندما يتوجهون إلى المطاعم أو محلات الهدايا التي يملكونها. لا يكفي ذلك بل عليهم أيضا المساعدة في الحفاظ على البيئة في المنطقة التي يزورونها، كألّا يترك السائح فضلاته ملقاة على الرصيف أو يشتري هدايا أو ملابس مصنوعة من جلود الحيوانات المهددة بالانقراض، وعليه أيضا أن يستخدم وسائل النقل العمومية كلما توفر الخيار، فذلك يضيف إليه تجربة ويجعل الرحلة السياحية أفضل، كما تؤكد دودز.

تقول دودز، التي ألفت كتابا جديدا يتناول الزحمة السياحية، إن والدها اعتاد أن يطلب منها تعلم بعض الجمل القصيرة مثل “كيف يمكنني الحصول على فنجان من القهوة” باللغة المحلية.

حتى في الأماكن التي يتحدث فيها العديد من السكان المحليين اللغة الإنكليزية، يُمكِّنُ تعلّم بعض كلمات اللهجة المحلية -مثل “من فضلك” و”شكرا لك” و”نعم” و”لا”- السائح من إجراء محادثات أكثر وِدًّا، وسيساهم في إضفاء طابع واقعي على تجربته.

يجب أن يتحلى الزائرون بالصبر ويظهروا احترامهم لأولئك الذين يحاولون تنظيم الحشود، ففي متحف اللوفر اشتكى ممثلو النقابات من أن أعمال التجديد حول لوحة الموناليزا خلقت مشاكل تنظيمية وصفوفا طويلة ضايق فيها السياح الموظفين.

16