كيف يستفيد النظام السوري من التصعيد في المنطقة

الأوضاع الحالية في الشرق الأوسط بارومتر الاختبار الحقيقي الذي يراهن عليه الأسد من أجل تأكيد استقلالية القرار السوري.
السبت 2024/10/19
علاقة تنافسية

كشفت إحدى الصحف الإلكترونية المختصة في مجال الاستخبارات والذكاء التنافسي في تقرير لها عن تصاعد التوتر داخل النظام السوري على خلفية محاولات التأثير الإيراني والضغط على قائد الفرقة الرابعة اللواء ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، بغية حثه على إسناد حزب الله اللبناني في حربه المندلعة ضد إسرائيل.

 يأتي هذا في الوقت التي تواردت فيه أنباء أخرى عن إجراءات اتخدها ماهر الأسد لتجنب الاستهدافات الإسرائيلية لقواته وإصدار تعليمات بعدم استهداف الوجود الأميركي أو الإسرائيلي في الجولان.

ويشير التقرير إلى وقوع تسريبات من داخل النظام السوري ساهمت في تسهيل الاستهداف الإسرائيلي لشخصيات وقيادات عسكرية محسوبة على الحرس الثوري الإيراني داخل سوريا ولديها علاقة مباشرة مع ماهر الأسد الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف نفوذه ومعه نفوذ إيران. معنى هذا الكلام أن العلاقة ما بين الشقيقين بشار وماهر باتت تنافسية وقد تهدد بنية النظام الذي خرج من حرب أهلية طاحنة وتمكن من الحفاظ على حكم عائلة الأسد لسوريا. لكن وخلافا لهذه الفرضية فمن المنطقي أن تتقاطع مصالحهما من أجل تعزيز بنية الحكم في سوريا وليس العكس. ومن المؤكد أن ماهر الأسد يعي تماما أن روسيا باعتبارها اللاعب الأقوى في سوريا لن تقف مكتوفة الأيدي وتسمح لإيران بتغيير قواعد اللعبة على حساب حليفها بشار.

سوريا التي تقع في قلب العاصفة وعلى تماس مباشر مع إسرائيل اختارت منذ بداية الأحداث سياسة النأي بالنفس عن التصعيد الذي كان واضحا منذ البداية أنه يجر المنطقة إلى حرب إقليمية.

وقد يفهم تعاطي النظام السوري بحيادية مع حرب غزة على أنه انعكاس لطبيعة العلاقة الفاترة ما بين حماس ودمشق. ومن هنا نفهم أن الموقف السوري لم يتغير من حماس رغم الضغوط الإيرانية التي رافقت محاولات الحركة لإعادة المياه إلى مجاريها والاتصالات التي سعى من خلالها قادة حماس لإعادة التطبيع مع دمشق أسوة بما فعلته دول عربية عديدة.

الموقف السوري لم يتغير من حماس رغم الضغوط الإيرانية التي رافقت محاولات الحركة لإعادة المياه إلى مجاريها

 أما بالنسبة إلى جبهة لبنان وعلى عكس ما حصل في حرب تموز 2006 عندما شكلت سوريا جبهة إسناد فاعلة لحزب الله وحلقة وصل تربط ما بين بيروت وطهران، فإن عدم انسياقه إلى دائرة التصعيد في لبنان قد أثار العديد من التساؤلات بين المحللين والمراقبين وبالتحديد حول مصير العلاقة ما بين دمشق وطهران وعلاقة موسكو بهذا الخيار السوري.

ثمة مصلحة روسية من عدم انزلاق سوريا إلى الحرب الإقليمية لأن ذلك يعني بشكل أو بآخر تهديد المصالح الحيوية الروسية في الشرق الأوسط في خضم صراع لا يزال مفتوحا في أوكرانيا، ويحتاج إلى تهدئة الأجواء لفتح مسارات التفاوض، وهو بمثابة إلقاء حجر ضخم في المياه الراكدة ما بين موسكو وتل أبيب وقد ينعكس ذلك سلبا على مسار الحلول التفاوضية ما بين الولايات المتحدة وروسيا المحتمل في حال تحرك اللوبي اليهودي داخل مراكز القرار الغربي وبالتالي فلا فائدة لروسيا من الاستثمار في أحداث الشرق الأوسط بغية التأثير على حرب أوكرانيا.

ولا ننسى أن دخول روسيا على خط التصعيد في الشرق الأوسط يضرب في العمق مصداقية الخطاب الروسي المنادي بحل سياسي في أزمة أوكرانيا. لهذا فإن حفاظ سوريا على مسافة الأمان في ظل موجة التصعيد الحالية وهو أمر يستند إلى حسابات روسية أقوى من حسابات إيران في المنطقة.

النظام السوري يدرك أن المناطق الخاضعة لسلطته ليست بمعزل عن الضربات الإسرائيلية لكنه وعلى خلاف التحذيرات التركية الخطيرة لا يعطيها أكثر من حجمها معتبرا أنها مهمات محدودة ومجرد بالونات اختبار للجبهة السورية على غرار المعلومات التي تداولتها بعض وسائل الإعلام حول وجود عملية توغل بري إسرائيلي محدودة في ريف القنيطرة السورية، وما دامت تقلص من النفوذ الإيراني في سوريا فهي تؤدي الغرض ولا مانع منها، وقد تكون أقرب لوصفها بعملية تطهير ذاتية من شوائب إيران داخل بنية النظام وهو ما يحقق مكاسب للأسد ويقوّي نفوذه.

يمكن اعتبار الأوضاع الحالية في منطقة الشرق الأوسط وفي لبنان تحديدا على أنها بارومتر الاختبار الحقيقي الذي يراهن عليه الأسد من أجل تأكيد استقلالية القرار السوري عن القرار الإيراني، وهو ما سيعطي جرعة دعم قوية لانفتاح أكبر في علاقاته مع دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والإمارات والاستفادة من ثقلهما الإقليمي والدولي لينهي حالة العزلة الدولية ومعها إمكانية الإفلات من العقوبات الأميركية التي تعطل مسار إعادة الإعمار والانفتاح الاقتصادي.

7