كيف يؤثر تغيير الوجهة الاقتصادية للصين على دول الخليج العربي

المتابعون لمجريات الأحداث على الساحة الدولية يعتقدون أن تغيير الوجهة الاقتصادية للصين حاليا لم يكن له تأثير واضح على دول الخليج العربي، ولكنهم يرون أنه ليس من المضمون إذا كان هذا الأمر الواقع سيظل كما هو في المستقبل. ومع ذلك ستظل دول المنطقة تسجل النقاط لصالحها مستفيدة من عوامل الصراع بين القوى العظمى.
بكين- لا يترك الصينيون شيئا للصدفة فهم يعملون على بسط نفوذهم في كل الاتجاهات متسلحين بالعلاقات الدبلوماسية، التي أنشأوها طيلة سنوات لتحقيق أهدافهم الاقتصادية بالدرجة الأولى، ويتضح ذلك من خلال تفاعلات تحركاتهم على منطقة الشرق الأوسط وخاصة تأثيرات ذلك على دول الخليج العربي، في خضم المتغيرات في الواقع السياسي الأميركي.
وقام الحزب الشيوعي الصيني، مدفوعا بردود الأفعال العدائية من الغرب وكذلك الاختلافات التي كشفت عنها جائحة كورونا فضلا عن النزاعات حول التجارة ووضع هونغ كونغ، بتغيير الوجهة الاستراتيجية خلال الأشهر الستة الماضية ممّا أثر على مبادرة الحزام والطريق، وهي مبادرة الأهداف السياسية والاقتصادية للصين، التي أثرت على منطقة الخليج العربي منذ أن أطلقها الرئيس شي جين بينغ في عام 2013.
وتعمل كل من بكين ودول الخليج العربي على إقامة علاقات شراكة مجدية. ولطالما كان الصينيون يتعاملون ببراغماتية في هذا الأمر، حيث لا تواجه التجارة في تلك الدول العقبات المحتملة التي قد تنطوي عليها التجارة مع إيران، التي خفضت معها توريد النفط بسبب العقوبات الأميركية، وقد انخفضت التجارة الثنائية بمقدار الثلث في 2019 وبنحو 60 في المئة في العام الماضي.
وخلال السنوات الأربع الماضية، رفعت الصين بالفعل من علاقاتها مع كل من السعودية والإمارات إلى مستوى عال إلى درجة أنه حتى لو تم إبرام الاتفاقية التي تم الكشف عنها في منتصف العام الماضي مع إيران، والتي ستمتد لقرابة ربع قرن من الزمن، فإنها لن تخلّ بتوازن القوى في المنطقة.
وأشار روبرت موغيلنيكي، الكاتب والمحلل في مؤسسة “وورلد بوليتكس ريفيو”، إلى الدور المهم الذي تلعبه الصين في شراء النفط والغاز في الخليج، وكذلك إلى استثماراتها في الشركات الحكومية لهذه الدول مثل حصة الـ49 في المئة التي يمتلكها صندوق طريق الحرير في شركة أكوا باور السعودية، وأيضا إلى نجاحها في الأسواق الرقمية في هذه المنطقة.
ويقول موغيلنيكي إن جائحة كورونا وكذلك انخفاض أسعار النفط في أوائل العام الماضي، يمنحان الصين الفرصة لتعميق وتوسيع أبعاد نفوذها الاقتصادي، خاصة على المدى المتوسط والطويل.
ولكن في ظاهر الأمر، يرى الخبير جوناثان كامبل جيمس، في تقرير نشرته مؤسسة “عرب دايجست” الاستشارية أنه لم يتغير شيء يذكر. فقد أعلن وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، في ديسمبر الماضي، أن استثمارات بلاده المباشرة في مبادرة الحزام والطريق ازدادت بنسبة 30 في المئة في العام الماضي مقارنة بعام 2019.
ومن خلال التركيز على المبادرة ضمن مشروعات طريق الحرير الرقمي، وقّعت شركة هواوي الصينية، التي ضيقت عليها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من خلال فرض عقوبات عليها، وحث حلفاء الولايات المتحدة على عدم التعامل معها لأنها تعمل كأداة تجسس لبكين، على مشاريع بنية تحتية للجيل الخامس مع كل دول الخليج ما عدا قطر في عام 2020.
كما تنفذ شركة تشاينا ستيت كونستركشن إنجنيرنغ كوربوريشن مشاريع المنطقة التجارية المركزية الجديدة شرق القاهرة والتي لم تتأثر سوى قليلا بفعل جائحة كورونا. وكانت شركة شينهوا أويل كمباني الصينية الحكومية قد وقعت اتفاقية مع الحكومة العراقية لتوريد واستكشاف النفط بقيمة ملياري دولار نقدا، فضلا عن انتشار لقاح كورونا “سينوفارم” الصيني في دول الخليج.
لكن وفي الوقت الذي تستعيد فيه مبادرة الحزام والطريق زخمها، بدعم اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية مع كل من مصر والسعودية والإمارات، يؤكد جيمس أن الأذرع السياسية للحزب الشيوعي الصيني استجابت للديناميكية الجيوسياسية الجديدة عبر تقديم مفهوم “التداول المزدوج”، الذي يقلل من اعتماد الصين على التكنولوجيا الخارجية والأسواق الخارجية مع توجيه تركيز مبادرة الحزام والطريق الآن نحو منطقة شرق آسيا.
ومن الجدير بالذكر أنه تم تعليق المفاوضات حول مسودة الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع إيران، بسبب مخاوف الصين من السياسية الأميركية في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، وكذلك بسبب المخاوف بشأن الخلافات داخل إيران نفسها بشأن الشروط المعروضة، مما يدل على اتباع بكين لنهج أكثر حذرا في المنطقة.
وقد تم منع الكيانات والشركات الحكومية الاستثمارية من القيام باستثمارات خارجية خارج نطاقها الرئيسي الذي يركز مصالحه التجارية الآن على السوق المحلية وشرق آسيا، تمشيا مع السياسة الجديدة.
جائحة كورونا وكذلك انخفاض أسعار النفط في أوائل العام الماضي، يمنحان الصين الفرصة لتعميق وتوسيع أبعاد نفوذها الاقتصادي، خاصة على المدى المتوسط والطويل
وهذا النهج تم تبنيه في العام 2016 في أعقاب المخاوف بشأن هروب رأس المال الذي اتضح من خلال بعض الاستثمارات مثل شراء شركة استثمار صينية لحانة “ذا بلو”، والتي تعد إحدى أشهر الحانات في المملكة المتحدة، وهي تقع في قرية كادسدن، وكان قد اصطحب رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون الرئيس الصيني إليها خلال زيارته إلى لندن في العام 2015.
ومع ذلك، يشير يو جي، كبير الباحثين الصينيين في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، إلى أن الشركات الصينية الخاصة قد تكون مقاومة لتقييد استثماراتها الخارجية، والتي تحقق عوائد جذابة ومربحة، وبالتالي قد يكون هناك تأخير في تطبيق سياسة “التداول المزدوج”، والتي لم تلحظ آثارها في الخليج إلا بعد فترة.
ويؤكد جي أن دول الخليج نفسها ستستمر في الترحيب بوجود الشركات الصينية في السوق، وجني الفوائد المترتبة عن ذلك من المنافسة بينها وبين القوى العظمى الأخرى.