كيف أعترف

كيف لي أن أعترف وأنا التي أخاف الورقة وأرتعب من صراحتها وانفتاحها على الأفق والحرف بكل تشكيلاته وتمدداته، وتعرجات الكلام وقدرة اللغة على التلاعب والتورية بذريعة البلاغة!
ظننتُ في بادئ الأمر أن كتابة الاعترافات جزء من حديث النفس الذي لا ينقطع عندي إلا في سويعات انشغالي بعمل آخر أكثر أو أقل أهمية، هو ذاته ما يتحول لاحقا إلى حلم مرتبك متقطع على ليال متتالية.
حينما أكون مضطرة إلى إيقاف تدوير أفكاري والتحقق منها، أو أقرر بكامل قدراتي العقلية الهرب منها في قراءة كتاب أو مجالسة أصدقاء، أكتشف أن كتابة الاعترافات بهذه الصورة المباشرة غير المخادعة لنفسي وللقارئ هي أشبه بمواجهة حادة لا تليق بالمرحلة في الوقت الراهن، حيث أحتاج إلى غرفة موصدة النوافذ ومبطّنة الجدران بطبقات سميكة من الفلين والإسفنج حتى أتيقن من أن لا أحد يسمعني.
كلما ثار حنيني للكتابة تبعثرتُ بين حافتين. أتمدد كجسر مرن وتتمطط عضلاتي بين شرفتي سطحين، وأتردد بين القلم الذي لم تعد الورقة حليفته اللصيقة، والكي بورد الذي لم يجذبني يوما!
ما الذي يهم الآخرين باعترافاتي أنا التي لا تميل إلى النهار ولا إلى الأماكن المكتظة بالوجوه الغريبة، أنا التي تضيع معظم وقتها في سبر غور الروابط بين الناس والأشياء والأصوات الخفية والصمت وبين الناس وبعضهم البعض.
لم أستطع في ظل ازدحام الاتصالات إلا أن أحافظ برباطة جأش على بعض الخصوصية لتبقى لي مساحة من الحرية أتنفسها.. ولو كانت وهما.
أما حين تتحول مساحتي الخاصة إلى ساحة انتظار فذلك قد يبدو موجعا، ولن يجد له أحد غيري حلا إلا بقرار مني.
وهكذا ربما ننتظر ما لا نود الاعتراف به، لأن الاعتراف به يمنحه سلطة تعيق سير مخطط الكذبات! بل تقطع مسلسلا مسليا عنوانه “مشغولة جدا” باللاشيء.
أن تعترف يعني أن تقرّ بعمل ما تنكره في العلن.. ولا ترغب في الجهر به، في حين أقلّص المسافة بين قناعي ووجهي قدر المستطاع لأتطابق مع ذاتي، أكاد ألمح سؤالك “لماذا؟” وسأريحك بالحقيقة أو جزء منها، كي ترحمني رحاب من حساباتها الدقيقة، رغم تمردي وانعدام مصداقيتي.. لكنني أخشى ثورتها حين تثور.