كيث إليسون رمز جديد للمسلمين الأميركيين يصعد بقوة إلى الأعلى

واشنطن - بدون تورية يُصرح كيث إليسون أمام وسائل الإعلام بالقول “نعم أنا مسلم وأنتظر شهر رمضان على أحرِّ من الجمر وأحزن لانتهائه وأصلي التراويح وأقرأ القرآن”.
إليسون ليس شخصاً عادياً غيّرَ دينه إلى الإسلام مثل آخرين دون أن يُحدث ضجة بل هو شخصية سياسية معروفة بعدما صار عضوا في البرلمان الأميركي، وهو الذي كاد يصبح رئيساً للحزب الديمقراطي كخطوةٍ على الطريق إلى البيت الأبيض.
بضعة أصوات منعته من ذلك لكنها لم تستطع منعه من الوصول إلى منصب نائب رئيس الحزب الديمقراطي. هذا المنصب يعني الكثير لمن كانَ كاثوليكياً وتحوّل للإسلام، ولمن خُلقَ بلون أكثر سواداً من الرئيس السابق أوباما. وهو يعني أنه ناضل مثل أوباما ليصبح أول حاكم ولاية مسلم أسود وأول عضو مسلم أسود في الكونغرس. الفرق بين الرجلين أن إليسون ناضل ببشرته السوداء إضافةً إلى معتقده الديني الذي واجه به حملة عنصرية قويةٍ من طيف سياسي واسع.
مثال ذلك ما صرح به عضو الكونغرس مايك بومبيو الذي قال “إن المسلمين لن يقوموا أبداً بإدانة الإرهاب”. ما حملَ إليسون على زيارة زميله بومبيو حيث عرض أمامه صورة ابنه الذي يعمل في الجيش الأميركي، قائلاً له “أنا مسلم وابني مسلم أيضاً، وهاهو يقدم روحه فداء لبلده” ما فاجأ بومبيو ودفعه ليؤكد أنه لم يكن على علم بذلك.
وعندما توجه أحد الصحافيين بسؤال لإليسون عن الإسلاموفيا (كراهية المسلمين) في الولايات المتحدة؟ قال “إنني كثيراً ما أتعرض للتحيز لكوني مسلما، لكنني أدرك أن المسلمين في أميركا لديهم الكثير من قصص النجاح، ولكنهم يمرون أيضا بالكثير من التجارب السيئة”. وشبه الأمر بمن يستخدم المصعد للصعود لكنه يضغط على زر الهبوط أحيانا.
مثال آخر أكثر تعبيراً عمّا واجهه إليسون بسبب اعتناقه الإسلام، فقد اضطر عضو مجلس النواب الأميركي السيناتور الجمهوري بيل سالي إلى تقديم اعتذار لزميله المسلم السيناتور إليسون بسبب التعليقات التي صدرت عنه، وادعى فيها أن مؤسسي أميركا الأوائل كانوا سيرفضون وجود أعضاء مسلمين في الكونغرس. وقد تسببت تلك التصريحات المهينة يومها في بلبلةٍ داخل الأوساط السياسية، ما دعا السيناتور الديمقراطي ريتشارد ستالينجس لأن يُخيِّرَ زميله سالي بين تقديم اعتذار عن تعليقاته أو تقديم استقالته.
السيناتور المسلم الأول
آمن إليسون دائماً بضرورة اتحاد المؤمنين من جميع الأديان وغير المؤمنين أيضاً في مواجهة غارسي بذور الكراهية، لافتا إلى وجود كارهين للمسلمين في أماكن عديدة من أميركا، ومن تلك الأماكن قاعة الكونغرس. فهناك من طالب بقصف الكعبة في حال وقع هجوم إرهابي على الولايات المتحدة ووصل الأمر ببعضهم إلى اتهام الإدارة الأميركية بالتعاون مع الإرهابيين طالما أنها توظف المسلمين.
يقول إليسون “أعتقد أن الولايات المتحدة ستتجاوز مشكلة كراهية المسلمين مثلما تجاوزت التفرقة الفجة بين السود والبيض والتي أصبحت جزءاً من الماضي”، ملحاً على أهمية الحوار سواء بين المسلمين أنفسهم أو بينهم وبين غيرهم. وروى في هذا الإطار موقفاً حدث له مع أحد الأئمة المسلمين عندما رشّح نفسه لعضوية الكونغرس للمرة الأولى. فقد قال له ذلك الإمام “إن التصويت في الانتخابات حرام”. وعندما سأله إليسون عن سبب تحريمه؟ أجابه “إن السبب يتمثل في معارضته للحرب التي تشنها الولايات المتحدة في العراق”. فأكد له إليسون أنه يخوض الانتخابات من أجل وقف هذه الحرب وهو ما أدى إلى اقتناع الإمام ورجوعه عن الفتوى.
وعن الحوار بين الأديان يقول إليسون “إنه لا بد أن يتم بطريقة مختلفة لأن من يحضُر مثل تلك الحوارات الآن هم الأشخاص الذين لديهم استعداد للحوار، في حين يغيب عنها المتعصبون الذين يرفضون التواصل مع الآخرين الذين يستهدفهم الحوار أساساً”. وهو يعتقد بضرورة التعاون بين الراغبين في الحوار من أبناء جميع الأديان للتأثير في المتعصبين عبر نشاطات موحدة مثل دعوة المسيحيين واليهود إلى إفطارات المسلمين في رمضان، وأتى بمثالٍ عن إفطار مشترك نظمه حاخام وإمام مستغلين احتفال اليهود بأحد أعيادهم الذي صادف موعده في رمضان. حيث قال “إن كثيرا من الأشخاص تعلموا أمورا عديدة لم يكونوا يعرفونها عن بعضهم من خلال لقائهم في ذلك الإفطار”.
السيناتور إليسون يلفت الأنظار دوما إلى ضرورة اتحاد المؤمنين من جميع الأديان وغير المؤمنين أيضاً في مواجهة غارسي بذور الكراهية، مشيرا إلى وجود كارهين للمسلمين في أماكن عديدة من أميركا، ومن تلك الأماكن قاعة الكونغرس. فهناك من طالب بقصف الكعبة في حال وقع هجوم إرهابي على الولايات المتحدة
إليسون الذي كان أول مسلم ينتخبُ عضوا في مجلس النواب الأميركي (2006) يعتبر نجما صاعدا في أوساط الحزب الديمقراطي، فقد حصل على دعم كبير من قواعد الحزب ودشن مساره السياسي منذ بدئه بمواقف خارجة عن المتعارف عليه لدى السياسيين الأميركيين كمطالبته بانسحاب الولايات المتحدة الأميركية من العراق وبمنح المواطنة للمهاجرين غير الشرعيين وانتقاده للمؤسسات المالية الكبرى.
كان دعم ساندرز مرشح الحزب الديمقراطي السابق لرئاسة أميركا لإليسون قوياً ومؤثراً. ساندرز كان قد رأى في إعلان دعمه الرسمي له في انتخابات رئاسة الحزب دعوةً للحزب لينظر إلى نفسه في المرآة من جديد بهدف العودة لاستقطاب ناخبيه من العمال. وهكذا تبدو الدعوة إلى التصويت لإليسون مصالحة للحزب مع قواعده وفق ساندرز.
إليسون حصل أيضا على دعم عدة وجوه تعتبر تقدمية داخل الحزب الديمقراطي من ضمنها النائبة إليزابيث وارين الشهيرة بسجالاتها مع الجمهوريين داخل مجلس النواب الأميركي وعلى دعم عمدة مدينة نيويورك بيل دوبلازيو.
وقد كان إليسون الذي اعتنق الإسلام في سن التاسعة عشرة لا يقدم نفسه كمرشح لطائفة بعينها (السود أو المسلمين) بل كمرشح يرغب في الدفع بالحزب الديمقراطي ليصير منظمة تجمع الناس وتضع مشروعا يُحسّنُ حياتهم كما أكد ذلك في إعلان ترشيحه.
إليسون هو ذاته القائد السابق للحركة الطلابية المناهضة للعنصرية والذي اعتمد منذ شبابه المبكر على النضال السلمي داخل الجامعة وخارج أسوارها، وقدم أطروحات جديدة داخل الحزب وأراد أن يحيي أخرى كانت قد تراجعت مثل التضامن وخدمة المهمشين، وهي المفاهيم التي طوّرها أكثر وعبّر عنها في كتابه “بلدي: الإيمان، العائلة، مستقبلنا” الذي أصدره في العام 2014.
الاتهام بالعداء للسامية
اختلاف إليسون المذهبي الذي شكل نقطة قوته شكل نقطة ضعفه أيضا في مجتمع يشهد انقساما في المواقف وفي تصوره لذاته الجمعية. مجتمع لم يتردد جزء كبير منه في التصويت لصالح البرنامج المتشدد الذي قدمه دونالد ترامب. فعقيدة إليسون الدينية دفعت إلى انتقاده أكثر من مرة والتشكيك في وطنيته. كما اتهم بمعاداة السامية لأنه دافع أمام القاضي في التسعينات من القرن الماضي عن لويس فرح خان زعيم تنظيم “أمة الإسلام”. لكن إليسون نفى عن نفسه تلك التهمة مؤكداً أنه يدافع عن العدالة وليس عن شخص أو طائفة.
ومن مواقفه التي أعلن عنها أكثر من مرة بخصوص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أنه “مع حلِّ الدولتين لإنهاء النزاع” كما أنه صوّت داخل مجلس النواب لصالح منح المعونات لإسرائيل.
صحيح أن إليسون خسر منصب رئاسة الحزب الديمقراطي ولكنه لا يزال في منصب مهم. فهو ليس نائبًا عاديًا في الحزب بل هو نائب رئيس الحزب ووجوده له دلالة رمزية عالية في الكونغرس خاصةً في مواجهة ترامب الذي تعهد بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة والمضي قدمًا في خطط لطرد المهاجرين غير الشرعيين.
|
وبالرغم من حرصه على عدم الإشارة كثيرًا إلى دينه الإسلامي إلا أن إليسون يحتفظ بصلات وثيقة مع المجتمع الإسلامي والعربي في أميركا، ولطالما أشار إلى أنه ليس عضو الكونجرس الأميركي المسلم وإنما عضو الكونجرس الذي تصادف أن يكون مسلماً فيه.
مسلمون بمواجهة إرث أوباما
المنظمات الإسلامية في أميركا سارعت للاصطفاف خلف ترشيحه كعضو في الكونجرس عن ولاية مينيسوتا لأن انتخابه سيكون فرصةً لتغيير نمط التفكير في البيئة المعادية للمسلمين التي تنامت على مدار سنوات حكم أوباما وأفرزت كنتيجة صعود ترامب إلى الحكم.
تلك المنظمات ترى في صعود إليسون السياسي رسالة مفادها أن المسلمين في أميركا جزء أصيل من المجتمع وبمقدورهم أن يقودوا حزبًا سياسيًا كبيرًا في هذا البلد وأن كون المرء مسلمًا لا ينتقص شيئًا من قدرته على أن يتولى منصبًا كهذا، كما قال أسامة جمال الأمين العام للمجلس الأميركي للمنظمات الإسلامية.
وكان لافتاً أيضاً ذلك الدعم الذي لقيه إليسون في ترشحه لرئاسة الحزب من معظم أعضائه وخصوصاً الجناح اليساري التقدمي، ما يشير إلى أن الحزب قرر مجابهة ترامب وتقديم البديل عنه بدلًا من التراجع والتحرك نحو الوسط.
وأخيراً فإن قراءةً متأنية وموضوعية لمسيرة إليسون منذ طفولته وحتى وصوله إلى منصب نائب رئيس الحزب الديمقراطي سوف تخلص إلا أنه بإمكان أيّ أميركي الوصول إلى أعلى المناصب السياسية بما في ذلك السكن في البيت الأبيض بغض النظر عن لونه ودينه وأصوله العرقية والقومية، طالما استجاب لمتطلبات الدستور والقوانين وعمل من خلالهما لخدمة وطنه ومواطنيه دون تحيز أو تمييز.
إليسون يعلم أن وصوله إلى منصب نائب رئيس الحزب قد يمنحه شرعية أكبر للتقدم بعد أربعة سنوات إلى الانتخابات التمهيدية لحزبه والترشح ضد ترامب في حال ما إذا ترشح هذا الأخير مجددا. ويعرف أن انتماءاته العرقية والدينية والسياسية هي وجه اختلافه وتميزه لكنها ستكون أيضاً عثرات أمامه. وهي بقدر ما ستمنحه من الأنصار لمستقبله السياسي بقدر ما ستغرس على طريقه ألغام الخصوم الذين سيرغبون في إنهاء حياته السياسية والتي سيتعين عليه إزالتها بحذر.