كوبيش تلميذ نجيب للسياسيين العراقيين

لم تستطع اللغة الدبلوماسية الناعمة، التي تحدث بها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيش عن ظروف العراق أمام مجلس الأمن الدولي، أن تواري مخاوفه من مآلات الأوضاع السياسية المقترنة بانعدام الخدمات الأساسية وما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من مفاجآت، بعد أن أشار إلى الزحف الجماهيري لمحافظات الجنوب بسبب تردي الأوضاع الإنسانية لا سيما في محافظة البصرة.
اللغة الدبلوماسية المراوغة والمخاتلة لكوبيش تشبه لغة بعض رجال الدين وتلاعبهم بالألفاظ عندما يتحدثون عن القضايا السياسية في العراق، فهم مع الشيء وضده، وهي لغة لا يمكن أن توصف إلا بأنها حمّالة أوجه، ولعل العراقيون انطلقوا من هذه النقطة في تهكمهم القائل إن كوبيش درس كطالب نجيب للسياسيين العراقيين الفاسدين وبعض رجال الدين الشيعة، وأنه أتقن دوره عندما وقف خاشعا كأي شيعي ممسكا بشبابيك قبور الأئمة المدفونين في كربلاء والنجف.
سجل العراقيون أكثر من مغالطة في حديث كوبيش ذاك، خاصة عندما تحدث عن الانتخابات الأخيرة، التي جرت في العراق، قائلا إن “الإقبال كان منخفضا بنحو غير مسبوق على عملية التصويت خلال الانتخابات البرلمانية في 12 مايو، حيث لم يشارك نحو 60 في المئة من الناخبين الذين يحق لهم التصويت”، فلماذا ذهب إلى نسبة الـ60 بالمئة ولم يذهب مباشرة إلى النسبة الحقيقية؟
وكوبيش والعالم كله يعلم أن مقاطعة الانتخابات كانت واسعة ولم تشترك فيها إلا نسبة تقل عن الـ20 بالمئة وثبت أنها أقل من ذلك بكثير مع اكتشاف التزوير الواسع فيها، الذي تم التكتم عليه واللجوء إلى شتى الحيل لإخفائه.
وانظروا كيف يعتبر كوبيش العزوف عن الانتخابات “رسالة قوية لعدم الرضا عن الوضع الحالي في إدارة الشؤون العامة”، لكنه يستدرك ذلك باللغة المخاتلة، ليقول إن “إعادة العد والفرز يدويا للأصوات في انتخابات البرلمان العراقي زادت من ثقة الناخبين في العملية الانتخابية”، في حين أن هذه العملية أججت الغضب الجماهيري وأذكت شعلة التظاهرات الشعبية، لأنها أثبتت للجميع مدى التحايل على إرادتهم.
واعترف في كلمته، أن شح المياه في المحافظات الجنوبية والوسطى سيزداد سوءا وسيضع نحو مليوني عراقي في خطر بالإضافة إلى احتمال التشرد.
لكنه أردف أن “رئيس الوزراء حيدر العبادي بذل جهودا كبيرة لتقديم حلول سريعة وملائمة للمطالب الشعبية المشروعة، مما خفف مؤقتا الأعباء، التي تواجه الأشخاص الذين يعيشون تحت ظروف شاقة”، حاثا “القادة السياسيين على الاستماع إلى صوت الشعب، وتسريع عملية تشكيل حكومة وطنية غير طائفية تشمل الجميع، لها رئيس وزراء قوي ومتمكن، تعطي الأولوية للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
ومعالجات العبادي التي أشار إليها كوبيش ترقيعية ولم يحصل الغاضبون منها إلا على وعود فضفاضة يعرفون مسبقا أنها هواء في شبك، ولو أنها كانت صادقة لعمل العبادي وقبله نوري المالكي وإبراهيم الجعفري على تحقيقها، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين فكيف وقد لدغ العراقيون من الطبقة السياسية العشرات من المرات؟ ثم كيف ستكون الحكومة المقبلة “وطنية غير طائفية تشمل الجميع” إذا كان مرجعها دستور يكرس الطائفية وينبذ الوطنية؟
يان كوبيتش يشغل منصبه منذ 5 فبراير 2015، ولذلك أعطاه العراقيون لقب “لكّام”، وتعني الباحث عن اللقمة ليشبع نفسه، وأنه مادام عاش هذه المدة كلها بين الفاسدين فقد أصبح مثلهم، فمن عاشر قوما صار منهم.
ولفت كوبيش، في كلمته، إلى أن المظاهرات الجارية في المحافظات الجنوبية أبرزت الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية التي أهملت وقتا طويلا في تلك المحافظات، مشيرا إلى أن فريق الأمم المتحدة يعكف على إعداد إستراتيجية تهدف إلى زيادة حجم المساعدات. وتساءل المتظاهرون العراقيون ما حاجة العراق إلى مساعدات إذا كفت الطبقة السياسية عن نهبها المنظم لثروات البلاد وحورب الفساد؟
إن العراقيين بعد كلمة كوبيش غسلوا أيديهم من الأمين العام للأمم المتحدة بعد أن غسلوها من مرجعياتهم، وقد غرّد عراقي على فيسبوك وتويتر قائلا “إذا لم تشرق شمس العراق بهذه الانتفاضة فسننتظر المئات من السنين لكي يتحرر العراق كما انتظر أجدادنا من سنة 1258 حتى 1921”.