كوبا أميركا منفردة أفضل من يورو منفلت
من النادر للغاية أن يجود الزمن على هواة الكرة العالمية وعشاقها بطبقين شهيين للغاية في شهر رمضان المعظم بالذات، هما طبقان رياضيان بامتياز لبطولتين قاريتين ربما يعتبرهما البعض بمثابة المونديال المصغر، والأمر يتعلق هنا ببطولة أمم أوروبا المقامة حاليا في فرنسا وبطولة كوبا أميركا التي ستنتهي بعد سويعات في الولايات المتحدة الأميركية.
البعض من هؤلاء العشاق المتيمين بكرة القدم العالمية تمتعوا بلا شك بمباريات حماسية ومنافسات مشوقة في البطولتين والأهم من ذلك أن المتابع للمواعيد الكروية الكبرى ما إن ينتهي في بداية كل سهرة رمضانية من متابعة بعض مقابلات البطولة الأوروبية حتى يكون في وقت السحور مع طبق آخر قد يكون أمتع ضمن منافسات كوبا أميركا.
لكن هل يجوز عقد مقارنة بين بطولتي يورو وكوبا أميركا لتقييم مدى قوة كرة القدم في أميركا اللاتينية مقارنة بنظيرتها في أوروبا؟ وهل فعلا مازالت أوروبا بمنتخباتها القوية العتيدة والعريقة هي من تستحوذ على البطولة الكروية الأقوى واللاعبين الأفضل في العالم؟ وهل هي حقا من تضمن الفرجة الرائقة في أقوى بطولة قارية؟
نظرة عن كثب تكشف أن مقارنة بسيطة بين البطولتين المقامتين في آن واحد تكشف وجود اختلاف كبير في أساليب اللعب لدى المدرستين الأوروبية ونظيرتها اللاتينية، وهذا الأمر معلوم لدى الجميع، فبقدر ما تركز منتخبات أوروبا على الجانب الخططي والتكتيكي، فإن منتخبات أميركا اللاتينية تركز على الفنيات العالية واللياقة البدنية المتميزة وتبحث دوما عن المتعة والفرجة.
نظرة فاحصة لمستوى بطولة أمم أوروبا الحالية خلال منافسات الدور الأول، الذي يكشف بشهادة أغلب الفنيين والملاحظين، أن هذا المستوى تراجع بشكل رهيب ومخيف، بل إن معدل الأهداف يعتبر ضعيفا للغاية وهو ثاني أضعف معدل تهديفي في تاريخ هذه البطولة رغم أن البطولة شهدت زيادة عدد المنتخبات المشاركة في النهائيات من 16 فريقا إلى 24.
لكن يبدو أن ذلك لم يسهم في الرفع من مستوى البطولة بقدر ما ساهم في تراجع الأداء العام وأدى إلى انخفاض مستوى الإثارة والتشويق، حتى أن البطولة لم تقدم إلى غاية نهاية منافسات الدور الأول أيّ لاعب تألق بشدة أو خطف الأضواء عن الجميع. ربما كان تفكير صناع القرار المشهد الكروي الأوروبي منطقيا وعادلا بمنح بعض المنتخبات الضعيفة والمغمورة فرصتها في اللعب والمنافسة في النهائيات، لينتج هذا الأمر صعود منتخبات مثل بلاد الغال وأيسلندا لأول مرة إلى الدور الثاني وكذلك عودة المجر إلى دائرة الضوء بعد غياب طويل، لكن ذلك أضرّ بمستوى البطولة ككل، فمن غير المعقول على سبيل المثال أن تتأهل ثلاثة منتخبات من مجموعة تضم أربعة منتخبات إلى الدور الموالي، وليس من المقبول أن تنتظر بعض المنتخبات المتأهلة إلى غاية اليوم الأخير من منافسات الدور الأخير حتى تتعرف على منافسيها، وليس من المنطقي كذلك أن تتمتع بعض المنتخبات براحة تصل إلى أسبوع بين الدور الأول والدور الثاني مثل فرنسا في حين تركن بعض المنتخبات الأخرى لراحة لمدة يومين فقط والأمر ينطبق هنا على منتخب البرتغال.
هناك خلل ما بلا شك، وتجربة يورو 2016 بفرنسا لا تبدو ناجحة كثيرا في ظل انعدام التوازن بين المتنافسين وخاصة في ما يتعلق بتركيبة مباريات دور الستة عشر حيث ستكون أغلب المنتخبات القوية المرشحة لنيل اللقب في مواجهة مباشرة مع بعضها البعض، في حين تلوح بعض المباريات الأخرى غير قوية بما أنها تجمع بين المنتخبات التي لا تلعب عادة الأدوار الأولى في البطولة. أمر أخير وجب الحديث عنه يتعلق بغياب النجوم في البطولة، بل لم يظهر سوى عدد قليل من اللاعبين المعروفين بمستواهم العادي، فحتى رونالدو لم يقدر خلال الدور الأول على قيادة منتخب البرتغال إلى الفوز رغم أنه سجل ثنائية أدخلته التاريخ وعززت أرقامه القياسية.
أما في الجانب الآخر من الكرة الأرضية فإن بطولة أخرى أقيمت، بطولة منفردة بكل المقاييس، بطولة احتضنتها الولايات المتحدة الأميركية احتفالا بمرور مئة عام على انطلاقها، هي بطولة كوبا أميركا التي فتحت ذارعيهما لكل المتنافسين التقليديين منهم أو الجيران، فبدأت فصول التشويق والإثارة منذ المباريات الأولى، وكلما تقدمت منافسات البطولة كلما زادت الإثارة وقدمت أفضل الأطباق الكروية.. عدد كبير من الأهداف، كل المنتخبات سجلت وأمتعت، حتى البيرو الضعيفة سابقا برزت فأقصت البرازيل، كل المباريات استأثرت بعدد كبير للغاية من الجماهير رغم أن البطولة أقيمت في بلد لا يعتبر كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى لديه، لكن وجود لاعبين رائعين ونجوم متميزين أكسب هذه البطولة رونقا خاصا وجعلها تتزيّن بلون الفرح والاحتفال بالذكرى المئوية. بطولة شهدت تألق العديد من اللاعبين لكن يبقى الأرجنتيني ليونيل ميسي أفضلهم، وكأنه أراد أن يواصل منافسته غير المباشرة لرونالدو على تحطيم الأرقام القياسية بطريقته الخاصة، فسجّل الهدف تلو الآخر وبات الهداف التاريخي لمنتخب بلاده، وربما ينجح فجر الاثنين في فك العقدة والتتويج بأول لقب كبير مع الأرجنتين في بطولة قوية وممتعة أجمع أغلب المتابعين على أنها أفضل بكثير من يورو فرنسا.
كاتب صحافي تونسي