كركوك… عراق مُصغّر ضائع بين لعبة المحاور

ما كان متوقعاً حدث، وأضحت مدينة كركوك العراقية ضحية هويات متصارعة ورهينة لانتماءات متعددة تدفع لتجريدها من هويتها الجامعة.
كركوك العراقية التي ستظل دوماً بؤرة لصراع سياسي بين القوى الحاكمة، واستقطابا مبطنا لنزاع إقليمي يختفي خلف أقنعة سياسية تدافع عن مصالح تلك القوى، خصوصاً عندما تكون هذه المحافظة بؤرة خصبة لمنافذ الطاقة.
خلاصة ما يجري في كركوك هو عبارة عن صراع إيراني – تركي وما بينهما الفاعل الأميركي الذي يبحث عن مصالحه أيضاً.
في فندق الرشيد ببغداد وفي ليلة كانت هادئة تحولت بشكل مفاجئ إلى ساخنة سياسياً، لتشهد تصاعد الدخان الأبيض بعد مخاض عسير بين القوى السياسية التي توزعت بين رافض ومؤيد لهذه الحكومة المحلية، وبتعيين القيادي في حزب بافل طالباني ريبوار طه الذي حصد أعلى الأصوات ليفوز بمنصب المحافظ، عادت كركوك إلى أحضان الأكراد الذين كانوا يحتكرون منصب المحافظ حتى عام 2016، حين فقدوه إثر دخول الجيش العراقي في عهد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي إليها، بعد الاستفتاء الكردي الذي فشل في تحقيق مبتغاه وعودة كركوك والمناطق المتنازع عليها بموجب المادة 140 من الدستور إلى سيطرة الحكومة الاتحادية، وتعيين راكان الجبوري من المكون العربي السني محافظاً لكركوك.
وفيما اتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني إيران بالوقوف وراء صفقة تشكيل حكومة كركوك، شدد على أن العرب اشتركوا في الصفقة لمنافع وغايات خاصة، ومنهم رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي الذي التحق بالخط الإيراني لإيقاف خسارته حسب تعبير النائب ماجد شنكالي عن الحزب الديمقراطي.
◄ كركوك ستظل مدينة متوترة ما دامت جغرافيتها ضمن بلد يعيش الفوضى والإرباك وانعدام السيادة وغياب الوطنية، وتلك هي مشكلة كركوك في عدم الاستقرار
الأجندة الإيرانية كانت بالاتفاق مع الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل طالباني لتحقيق الغاية الإيرانية من تأسيس الخط الإستراتيجي لطهران الذي يمر عبر ديالى وكركوك ونينوى حسب توصيف النائب شنكالي.
الخارطة السياسية في كركوك انقسمت إلى جبهتين: الأولى تضم الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني وتحالف السيادة بزعامة الخنجر والجبهة التركمانية، بينما تضم الجبهة الثانية القوى المتحالفة مع الإطار التنسيقي، وهي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، وحركة بابليون بزعامة الكلداني مع بعض الأطراف العربية الممثلة عن حزب تقدم بزعامة الحلبوسي، وتحالف العروبة بزعامة وصفي العاصي وتحالف القيادة بزعامة محمد تميم وزير التخطيط العراقي الذي تم تعيين شقيقه في منصب النائب الفني لمحافظ كركوك.
في توصيف هذا السيناريو، يبدو أن إيران قد كسبت الجولة على حساب تركيا التي أعلنت رفضها عن طريق الجبهة التركمانية، معتبرة مخرجات الجلسة وما رافقها من انتخاب للمحافظ مخالفة للقانون، مؤكدة أنها ستلجأ إلى القضاء لإبطال مقررات هذه الجلسة.
انتخاب الحكومة المحلية لكركوك في ليلة السبت العاشر من أغسطس وانقسام الأحزاب والكتل السياسية الفاعلة في المحافظة بين مؤيد ورافض لها، ينذران بتفاقم أزمة قد تكبر، خصوصاً مع وجود أطراف دولية وإقليمية تتحكم في مصير المحافظة، بل الأخطر أن تتحول تلك النقمة إلى شرارة قد تشعل برميل البارود المستعر فوق بئر النفط في بابا كركر ليُحدِث انفجاراً سياسياً لا تُحمد عقباه.
كركوك العراقية هي جوهر الصراع وهي التي تلتقي على أرضها كل القوى الطامعة في أن تكون الحرب فيها بالوكالة، ومن خلالها هناك محاولات إقليمية تنذر بصراع لإعادة العمل على إرجاع الخط النفطي كركوك – حيفا وتنظيف أنابيبه وصيانتها وحراستها، وهو ما قد يشعل صراعاً بين دول رافضة ومؤيدة لهذا المشروع.
ستظل كركوك مدينة متوترة ما دامت جغرافيتها ضمن بلد يعيش الفوضى والإرباك وانعدام السيادة وغياب الوطنية، وتلك هي مشكلة كركوك في عدم الاستقرار.