كرة القدم الأوروبية تستعد لمعركة التأثيرات المالية والاقتصادية

الأندية الأوروبية تلجأ لخفض رواتب اللاعبين لمقاومة شحّ الاحتياط النقدي.
الأحد 2020/03/29
أزمة محيّرة

مع تزايد الجدل حول صعوبة استئناف النشاط الرياضي في أوروبا، بدأ مسؤولو كرة القدم يستعدون لمرحلة حرجة تعكسها شدة التأثيرات المالية والاقتصادية التي سيخلفها توقف البطولات، فكيف يفكر المسؤولون في هذه الأزمة، وما هي الطرق الأقل ضررا التي يتوجب على الأندية خوضها لتقليص حدة هذه التأثيرات؟

برلين – تعتبر أوروبا القوة المالية الأكبر في كرة القدم العالمية، لكن التأثير الاقتصادي الذي يسببه تعليق المباريات خلال هذه الفترة التي يمكن أن تمتد أطول، بدأ يُلقي بظلال من الشك على اللعبة الشعبية ويهدّد بتداعيات كارثية على أندية القارة العجوز.

وعندما يجد لاعبو بايرن ميونخ الألماني، أحد أغنى أندية العالم، أنفسهم أمام خفض رواتبهم للتأقلم مع الأزمة الراهنة، فإنه من الصعب استيعاب حجم التحديات التي ستواجهها اللعبة الشعبية في المستقبل القريب على أقله.

وتعاني العديد من الأندية من شحّ الاحتياط النقدي ما من شأنه أن لا يساعد على الاستمرار في ظل الظروف الراهنة التي تنعدم فيها الإيرادات جراء توقف المنافسات.

ففي اسكتلندا مثلا، حيث تعتمد الأندية بشكل كبير على عائدات بيع التذاكر يلوح الوضع سيئا للغاية. ويتوقع رئيس نادي أبردين دايف كورماك أن يضطر ناديه إلى إنفاق نحو خمسة ملايين جنيه إسترليني (5.9 مليون دولار) في الأشهر القليلة المقبلة من دون تحقيق أي إيرادات لتغطية هذا المبلغ.

ويقول كورماك “ما من نادٍ، مهما بلغ حجمه أو مستوى استثماراته، قادر على تحمل نقص كامل في الإيرادات لفترة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر”.

كريستيان سيفرت: اللعب خلف أبواب موصدة حل يجب التفكير فيه
كريستيان سيفرت: اللعب خلف أبواب موصدة حل يجب التفكير فيه 

وأبدت رابطة الدوري الألماني التي تشرف على الدرجتين الأولى والثانية، وتحقق إيرادات سنوية بمعدل يتخطى أربعة مليارات يورو (4.3 مليار دولار)، خشيتها من وقوع كارثة.

وصرح المدير التنفيذي للرابطة كريستيان سيفرت “إذا لم نلعب مباريات خلف أبواب موصدة في أقرب وقت ممكن، لن يعود من المجدي التفكير بما إذا كان الدوري يجب أن يضم 18 ناديا أو 20”، في إشارة إلى طرح زيادة عدد أندية الدرجة الأولى ليصبح مماثلا للبطولات الوطنية الأوروبية الكبرى الأخرى. وأوضح “لن يكون لدينا 20 ناديا محترفا حتى بعد الآن”.

ورغم هذا الهوس الكبير بشأن حدة التداعيات المالية على الأندية الأوروبية، إلا أن ذلك لم يمنع من بروز أفكار متفائلة تقر بأن الوضع سيكون مختلفا ما بعد الأزمة. وهو ما عبر عنه أولي هونيس الرئيس السابق لنادي بايرن ميونخ الألماني الذي أقر في لقاء أجرته معه مجلة “كيكر” الرياضية بأننا “سنرى عالما جديدا لكرة القدم”.

ورغم امتناعه عن تقديم أي توقعات، إلا أن هونيس يرى أن الأندية لن تتضرر كثيرا في حال أقيمت المباريات من دون جمهور لأن عائدات البث ستعوض نقص المداخيل الهائلة المُسجل حاليا. وفي المقابل فإنه “في حال توقف الدوري حتى أعياد الميلاد” أي في شهر ديسمبر يرى هونيس “ستكون هناك مشاكل كبيرة”.

وقال الرئيس الفخري للبافاري سابقا “الأسعار والمداخيل ستقل كثيرا والأمر يشمل كل بلدان العالم ولن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الوباء. سيكون هناك عالم كرة قدم جديد”. وبعد أسبوعين تقريبا على تعليق منافسات الغالبية العظمى من البطولات الوطنية ومسابقتي الأندية القاريتين، دوري أبطال أوروبا و”يوروبا ليغ” في القارة العجوز، يبدو أن هذا التجميد سيطول إلى أمد غير محدد، إذ بدأت بعض السلطات الكروية بتمديد التعليق حتى آخر أبريل بينما مددته أخرى حتى إشعار آخر.

وزاد من هذا الغموض إعلان ألكسندر تشفيرين رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم السبت بأنه لا يدري متى يمكن معاودة الموسم القاري لافتا إلى أن اتحاده وضع “خطة أ، ب، ج” بحسب الظروف.

وقال تشفيرين في مقابلة أجرتها معه صحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية ونشرتها السبت “لا أحد يعرف متى ينتهي الوباء. وضعنا خطة أ، ب أو ج: نحن على تواصل مع رابطات الدوريات، الأندية، لدينا مجموعة عمل. يتعين علينا انتظار باقي القطاعات”.

وفي ظل توقف المباريات، تجد الأندية نفسها عاجزة عن تحصيل مداخيل التذاكر أو عائدات البث التلفزيوني، ما يدفع غالبية المعنيين باللعبة إلى إبداء خشيتهم من تسجيل خسائر مالية فادحة.

أولي هونيس: كرة القدم ستدخل عهدا جديدا بعد الأزمة العالمية
أولي هونيس: كرة القدم ستدخل عهدا جديدا بعد الأزمة العالمية

وفي محاولة لتبديد قلق بعض الأندية التي قد تتضرر كثيرا من هذا التوقف، سارعت بعض الاتحادات إلى تقديم دعمها في شكل منح أو قروض صغرى.

وأعلن رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم لويس روبيالس أن الاتحاد سيفرج عن مبلغ 500 مليون يورو يسمح لأندية الدرجتين الأولى والثانية بالحصول على قروض تصل قيمتها إلى 20 مليون يورو على أن “تسددها في غضون خمس أو ست سنوات”. ويتصدر برشلونة بطل إسبانيا قائمة أندية كرة القدم على صعيد الإيرادات عالميا، وفق تقديرات شركة “ديلويت” للتدقيق. وبحسب التقارير، دخلت إدارة النادي الكتالوني في مفاوضات مع اللاعبين الذين يقودهم النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي من أجل خفض رواتبهم في الفترة الراهنة.

وتدرس رابطة الدوري الإسباني “الليغا” تخفيض رواتب اللاعبين عموما بنسبة 20 في المئة في حال تعذر استكمال الموسم، على أن يطبق الأمر ذاته في إيطاليا.

أما في إنجلترا، فقد طلبت رابطة لاعبي كرة القدم المحترفين إجراء مشاورات عاجلة مع رابطتي الدوري الممتاز “البريميرليغ” و”أي.أف.أل” (المشرفة على الدرجات الثلاث الأدنى)، للبحث في حماية الرواتب.

لكن نقابة لاعبي كرة القدم المحترفين “فيفبرو” أعربت عن “قلقها” إزاء القرارات التي اتخذتها أندية أوروبية عدة من خلال وضع لاعبيها في البطالة أو خفض رواتبهم من أجل تخفيف الأعباء المالية التي تواجهها.

وجاء في بيان صادر عن النقابة “نحن قلقون للغاية من قيام عدد من الأندية في أكثر من 12 دولة بوضع لاعبيها في البطالة أو تخفيض رواتبهم”، داعية هذه الأندية التي تواجه “صعوبات مالية” إلى “التحدث إلى رابطاتها المحلية للبحث عن حلول متوازنة وعادلة”.

23