كارتيل المعابر.. فساد يتحكم في مفاصل العراق

انشغلت ميليشيات الحشد الشعبي التي ّحولت مشاركتها في الحرب على تنظيم داعش في العراق إلى جيش مواز بالسيطرة على معظم مفاصل الدولة الحيوية بما في ذلك المعابر الحدودية، فقد صرفت في السنوات الماضية اهتمامها بشكل متزايد نحو نهب أموال العراقيين لتغطية مصاريفها وتلبية احتياجات الشخصيات التي تقودها والمرتبطة بإيران، والأحزاب التي تمتلكها.
بغداد- يشرف كارتيل متشابك ومعقّد على طول الحدود البرية والبحرية للعراق على عمليات تهريب يحوّل عبرها الملايين من الدولارات، التي يفترض أن تدخل خزائن الدولة، إلى جيوب أحزاب وجماعات مسلحة ومسؤولين متنفذين، لدرجة أن أحد موظفي الجمارك وصف هذه الشبكة المتداخلة بأنها “أسوأ من شريعة الغاب”.
وفي بلد يحتل المركز الـ162 على مستوى العالم في سلم الفساد، الذي تنشره منظمة الشفافية الدولية سنويا، تعبّد البيروقراطية المملّة والفساد المزمن طريقا إلى امتصاص موارد الدولة. وفي اقتصاد قائم على النفط، وفي ظل ضعف كبير في قطاعي الزراعة والصناعة وغياب أي إمكانية للحصول على عائدات منهما تشكّل رسوم الجمارك المصدر الأهمّ للعائدات.
لكن الحكومة الاتحادية لا تتحكم بهذه الموارد التي تتوزّع على أحزاب ومجموعات مسلحة غالبيتها مقربة من إيران تتقاسم السطوة على المنافذ الحدودية وتختلس ما أمكن من الأموال.
نظام مصمم للفشل

ريناد منصور: نظام السيطرة على الحدود بات شريان حياة لبقاء الميليشيات
على الرغم من النجاح الجزئي في زيادة إيرادات الدولة، فإن الكارتيل صامد على حاله، ويعكس كلام أحد موظفي الجمارك حالة القلق العام من دور الميليشيات المعرقل لجهود استعادة الدولة لسلطاتها وترميم هيبتها وحتى لإحداث إصلاحات في هياكلها بهدف الحدّ من ظاهرة الفساد المتغوّلة داخلها. ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية، رفض كشف هويته خشية تعرضه للخطر، “في الغابة، تأكل الحيوانات على الأقل وتشبع. هؤلاء الرجال لا يقنعون أبداً”.
ويتفق معظم المسؤولين الحكوميين في حكومة مصطفى الكاظمي مع هذا الموقف، لكن وزير المالية علي علاوي يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يقول إن “هناك نوعا من التواطؤ بين مسؤولين وأحزاب سياسية وعصابات ورجال أعمال فاسدين”، مشيرا إلى أن “هذا النظام ككل يساهم في نهب الدولة”.
ويستورد العراق الغالبية العظمى من بضائعه، ويعتمد غالبا على إيران وتركيا والصين في كل شيء من الغاز إلى الكهرباء والطعام والإلكترونيات.
ورسميا، استورد ما قيمته 21 مليار دولار من السلع غير النفطية في 2019، مرّت معظمها عبر خمسة معابر رسمية على الحدود مع إيران التي يبلغ طولها 1600 كيلومتر، وواحد على الحدود مع تركيا الممتدة على قرابة 370 كيلومترا، وعبر ميناء أم قصر العملاق في محافظة البصرة الجنوبية.
لكن نظام الاستيراد مرهق وعفا عليه الزمن. فقد تحدث تقرير للبنك الدولي العام الماضي، عن “تأخيرات لا تنتهي، ورسوم مرتفعة واستغلال”. وقال مستورد يتخذ من دولة في الشرق الأوسط مركزا لعمله، “إذا كنت تريد أن تستورد بالطريقة الصحيحة، تنتهي بأن تدفع آلاف الدولارات كغرامة تأخير”، مضيفاً أن هذا النظام “مصمم للفشل”.
وبحسب مسؤولين وعمال موانئ ومستوردين ومحللين، أدى ذلك إلى نشوء نظام استيراد مواز عبر المعابر البرية، تتولاه أحزاب ومجموعات مسلحة. وتتحقّق معظم الأرباح من ميناء أم القصر كونه المنفذ الذي تدخل عبره الكمية الأكبر من البضائع إلى البلاد.
وغالبية نقاط الدخول تسيطر عليها بشكل غير رسمي فصائل تنتمي إلى الحشد الشعبي، وهو تحالف يجمع فصائل شيعية دُمجت مع القوات الأمنية. وتملك مكاتب اقتصادية لتمويل نفسها، وتأسست حتى قبل تشكيل الحشد الشعبي.
وقال ضابط في المخابرات العراقية حقّق في قضية التهرّب الضريبي “إذا كنت تريد طريقاً مختصراً، تذهب إلى الميليشيات أو الأحزاب، حيث يفضل المستوردون خسارة مئة ألف دولار (تدفع كرشوة) بدلاً من خسارة بضاعتهم بالكامل”.
ويعمل أعضاء الأحزاب والفصائل الشيعية أو معارفهم وأقاربهم كوكلاء حدود أو مفتشين في جهازي الجمارك والشرطة، ويتقاضون مبالغ مالية من المستوردين الذين يريدون تجاوز الإجراءات الرسمية أو الحصول على حسم على الرسوم.
ورغم نفي الحشد الشعبي هذه المزاعم علنا، إلا أن مصادر مقربة من فصائل متشددة مثل “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله”، أقرّت بوجود نفوذ لفصائل مختلفة على الحدود، معدّدة الأرصفة والمراكز، التي يتمّ عبرها التهرّب الضريبي على أنواع من البضائع، بما يتطابق مع ما قاله مسؤولو الجمارك وضابط المخابرات.
حلقة ربط أساسية

علي علاوي: تواطؤ مسؤولين وأحزاب مع العصابات ساهم في نهب الدولة
أكد عمال ميناء أم قصر ومسؤولون ومحللون أن منظمة بدر مثلا، وهو فصيل تأسس بإيران في ثمانينات القرن الماضي، تدير معبر مندلي على الحدود الإيرانية. وقال ضابط المخابرات “إذا كنت تاجر سجائر، اذهب إلى المكتب الاقتصادي لكتائب حزب الله في الجادرية (في بغداد)، اطرق الباب، وقل أريد التنسيق معكم”.
وأحد الأشخاص الرئيسيين في عجلة الفساد، هو “المخلِّص”، أي موظف الجمارك الحكومي، الذي غالباً ما يعمل كوسيط للجماعات المسلحة والأحزاب السياسية. وبينما يقول ضابط المخابرات إنه “لا يوجد شيء اسمه مخَلِّص من دون انتماء، جميعهم مدعومون من الأحزاب”، يؤكد مسؤول الجمارك “المخلص هو الوسيط الرئيسي للفساد، ما زال هناك. تفاحة فاسدة واحدة ستفسد الباقي”.
وبعد الدفع نقدًا مقابل عمليات صغيرة أو عبر تحويلات مصرفية لصفقات أكبر، يقوم المخلّص بتزوير الأوراق الرسمية، عبر تحريف نوع السلعة التي يتم استيرادها أو عددها وقيمتها الإجمالية، ما يؤدي إلى خفض قيمة الرسوم الجمركية التي على التجار دفعها، والتي تكون في النهاية أقلّ بكثير من القيمة الفعلية للبضائع.
ويؤكد أحد المستوردين أن تسجيل كمية أصغر من الكمية الحقيقية يوفر للمستورد حسما على الرسوم الجمركية يصل إلى 60 في المئة. والمثال الشائع على ذلك هو في استيراد السجائر التي تبلغ تعرفة الاستيراد الرسمية عليها 30 في المئة من قيمتها بالإضافة إلى 100 في المئة إضافية لرفع سعرها في السوق المحلية بهدف تشجيع المستهلكين على شراء البضائع المصنّعة في العراق.
ولتقليص هذه الرسوم، غالبًا ما يتم تسجيل السجائر على أنها مناديل ورقية أو سلع بلاستيكية ما يعني في المقابل دفع تعرفات جمركية أقل بكثير. ويقول مسؤول الجمارك “بدلاً من دفع 65 ألف دولار لكل شاحنة على الأقل ينتهي بك الأمر بدفع 50 ألف دولار فقط”.
ويتلاعب المخلّصون أيضاً بالقيمة الإجمالية المقدّرة للشحنة. فتسجل تلك القيمة بداية على رخصة الاستيراد، ولكن يملك المخلّص صلاحية إعادة النظر بها عند نقطة الدخول وبالتالي تخفيضها بهدف تخفيف قيمة الرسوم.
ويروي أحد المسؤولين في ميناء أم قصر أن وكيل جمارك قام بتقييم شحنة من الحديد بثمن بخس لدرجة أن المستورد دفع رسوما جمركية قدرها 200 ألف دولار، في حين كان ينبغي أن يدفع أكثر من مليون دولار. وقال المستورد “هذا النفوذ الكبير للمخلّص ليس طبيعياً على الإطلاق”.
ومن خلال علاقات مع أشخاص نافذين، تتسرّب بعض البضائع دون تدقيق على الإطلاق. وهنا حاول موظف الجمارك تبرير الضغوط المسلطة عليه بالقول “أنا لست فاسدًا، ولكنني اضطررت لتمرير الشحنة دون تفتيش لأنها مرتبطة بطرف نافذ”.
ولكن في حالات أخرى، يأخذ التجار تراخيص استيراد وإيصالات مزورة إلى البنك المركزي العراقي الذي يرسل بعد ذلك دفعة بالدولار الأميركي إلى شركة شحن وهمية خارج العراق. ويؤكد وكيل جمركي ومسؤولون مصرفيون عراقيون أن هذه المعاملات تسمح بغسيل الأموال.
وكمثال على ذلك، أكد أحد المستوردين أنه دفع قرابة 30 ألف دولار لموظف جمارك في ميناء أم قصر للموافقة على دخول أجهزة كهربائية مستعملة يعتبر استيرادها مخالفة قانونية. وقال إنه يدفع بانتظام “رشوة لضابط في شرطة الموانئ” ليبلغه بعمليات التفتيش المفاجئة. ومقابل رسوم إضافية، عرض الضابط عليه “إرسال دوريات لتعطيل خروج بضائع منافسة”.
مافيا حقيقية
كونهم يعتبرون المنافذ الحدودية مصدراً لا متناهياً للمال، يدفع الموظفون العامون أموالاً لرؤسائهم لتعيينهم هناك. ويفاخر مسؤول في معبر مندلي بالقول إن “المعبر يدرّ رشاوى تبلغ 10 آلاف دولار لأصغر موظف يوميا”، لكن علاوي يشير إلى أن سعر أصغر وظيفة في الجمارك تتراوح بين 50 ألف دولار إلى مئة ألف دولار يوميا، وأحيانا ترتفع إلى أضعاف ذلك.
وتستخدم الأحزاب والجماعات المسلحة نفوذها السياسي للاحتفاظ بمواقعها التي تسمح لها بتكديس الأموال، ولا تتوانى عن التهديد باستخدام العنف. وذكر عامل في معبر مندلي كيف أنه اضطر ذات مرة السماح بدخول شحنة قادمة من إيران بعد أن أخّرها لافتقادها أوراقا رسمية، لكن المخلّص هدّده، مدّعياً أنه من الحشد الشعبي وأصرّ على إدخالها دون دفع الرسوم.
وروى ضابط المخابرات أنّ مخبرا في معبر زرباطية على الحدود مع إيران والذي تديره عصائب أهل الحق، وُضع مرارا في إجازة إدارية بسبب عرقلته عمليات استيراد منتجات إيرانية دون رسوم جمركية. وفي النهاية، لم يستطع تحمل الضغط. وقال الضابط “عدنا لاحقًا للتحدث معه مرة أخرى ووجدنا أنه انضم إلى العصائب”.
وليس ذلك فقط، بل يتلقى موظفون كبار في المنافذ الحدودية مكالمات منتظمة من أرقام خاصة تهدّد بالتعرّض لأقاربه بالاسم، في محاولة لترهيبه ودفعه إلى وقف عمليات التفتيش على البضائع في الموانئ. وقال أحدهم “لا يمكننا فعل شيء لأننا سنقتل. الناس خائفون.. إنها مافيا حقيقية”.
العراق حصد 818 مليون دولار من الرسوم في 2020، وهو مبلغ أعلى بقليل من 768 مليون دولار في 2019
ويشرح ريناد منصور من مركز أبحاث تشاتام هاوس أن هذا النظام أصبح شريان الحياة للأحزاب العراقية والجماعات المسلحة، بما في ذلك فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران.
وأضفت هذه الأطراف طابعاً احترافياً على موضوع التمويل غير المشروع بعد هزيمة تنظيم داعش في عام 2017، بعدما لم يعد في إمكانها الوصول إلى ميزانيات الدفاع الكبيرة.
وازدادت هذه الشبكة نشاطا بعد فرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عقوبات قاسيةً على إيران. ففي مارس 2020، أدرجت واشنطن شركة شحن في ميناء أم قصر اسمها “الخمائل البحرية للخدمات”، على القائمة السوداء لتنسيقها مع مجموعات شيعية مسلحة لمساعدة الحرس الثوري الإيراني على “التهرب من بروتوكول التفتيش الحكومي العراقي”.
كما فرضت عقوبات على عراقيين اثنين وإيرانيين اثنين مرتبطين بالشركة لتمويلهم الكتائب وحزب الله اللبناني. ورفضت السفارة الأميركية في العراق طلبات وكالة فرانس برس التعليق على الأمر. ويجري تقاسم الغنائم بين الأحزاب والجماعات المسلحة بشكل سلس على الرغم من خصومات في ما بينها أحيانا.
ويقول منصور “منفذ حدودي واحد يمكن أن يدرّ قرابة 120 ألف دولار يوميا (كرسوم غير مشروعة) تتقاسمه مجموعات عدة قد تكون عدوة في ما بينها”، وهو ما أشار إليه ضابط المخابرات عندما أكد أنه لا توجد منافسة لأنهم يعرفون أنه إذا سقط أحدهم فسيسقط الآخرون.
وفي عملية نادرة، قتل في فبراير الماضي عضوان في عصائب أهل الحق في حادثتين منفصلتين وصفهما مصدران في الحشد الشعبي بأنهما ذات “خلفيات اقتصادية”.
لا وجود للدولة
يحرم النظام الموازي الدولة من مصادر تمويل كان يمكن تخصيصها للمدارس والمستشفيات والخدمات العامة الأخرى. وقال علاوي “يجب أن نحصل على 7 مليارات دولار من الجمارك سنويا، لكن في الواقع، تصل عشرة إلى 12 في المئة فقط من موارد الجمارك إلى وزارة المالية”.
وأفادت منظمة الشفافية الدولية في عام 2020 أن تركيا والصين، وهما من أكبر المصدرين للعراق، هما أقل دولتين تراقبان ضبط الفساد في إطار تصديرهما إلى العراق. ولذلك يدفع ثمن كل ذلك المستهلك العراقي. ويقول أحد المسؤولين “بصفتك مستهلكاً، فأنت الشخص الذي ينتهي بك الأمر بالدفع مقابل هذا الفساد”.
ومنذ الأسابيع الأولى لتوليه رئاسة الوزراء في مايو الماضي، جعل الكاظمي من إصلاح المعابر الحدودية أولوية قصوى. فمع الانخفاض الشديد بأسعار النفط، بات العراق بأمسّ الحاجة إلى عائدات إضافية.
وفي رحلات حظيت بتغطية إعلامية واسعة إلى أم قصر ومندلي، تعهد الكاظمي بإرسال قوات جديدة إلى كل منفذ حدودي وتطبيق المداورة في وظائف الجمارك بانتظام لتفكيك دوائر الفساد.
تستخدم الأحزاب والجماعات المسلحة نفوذها السياسي للاحتفاظ بمواقعها التي تسمح لها بتكديس الأموال، ولا تتوانى عن التهديد باستخدام العنف
وعلى الورق، يفترض أن يكون ذلك مجديا، وبشكل شبه يومي، تفيد هيئة المنافذ الحدودية عن عمليات ضبط بضائع كانت هناك محاولات لتهريبها دون دفع رسوم. لكن مع انخفاض الواردات بنهاية العام الماضي، بسبب الأزمة الصحية العالمية والإعفاءات الجمركية المؤقتة الممنوحة للأدوية والغذاء، كان التأثير الإجمالي لتلك الإجراءات متواضعا.
وتشير تقديرات هيئة المنافذ الحدودية إلى أن العراق حصد 818 مليون دولار من الرسوم في 2020، وهو مبلغ أعلى بقليل من 768 مليون دولار في 2019.
ويعتبر مستوردون ومخلصون ومسؤولون هذه الإجراءات ذرّا للرماد في العيون. وقال مستوردون إنه، في حين أن بعضهم يدفع الآن الرسوم الحكومية، فإنهم ما زالوا يدفعون في الوقت نفسه إلى المخلّصين للتأكد من أن البضائع لن يتم تأخيرها بشكل تعسفي.
وبينما أكد رجل أعمال عربي يقوم بتصدير بضائع للعراق منذ أكثر من عقد “في النهاية، ندفع مرتين”. لم يتأثر أصحاب العلاقات الجيدة بالتدابير الجديدة. وقال مستورد عراقي “لم يتغير شيء. يمكن إدخال أسلحة أو أي شيء آخر تريده عبر مندلي دون رخصة استيراد ودون دفع رسوم جمركية”.
وقال الرجل إنه أدخل مواد بناء من خلال معبر مندلي دون دفع رسوم جمركية حتى بعد الإصلاحات التي أعلنها الكاظمي.
ويصف عناصر في الأمن الأمر بأنه أشبه بالفوضى. وقال جندي تم نشر وحدته لفترة وجيزة في مندلي “الشرطة هناك متورطة بجميع عناصرها في الرشوة. التجار يدفعون الأموال بشكل جنوني. اعتقلنا رجلاً، لكنهم أخرجوه في اليوم التالي”.
واعترف المسؤول الحدودي الكبير بأن بعض عمليات نشر إضافية لعناصر أمن تمّ التعهد بها، لم تحدث قط. وقال “في أوقات أخرى، كان الأمر عبارة عن مسرحية، إذ نُشر فقط حوالي عشرين رجلا”. ولكنّ المستوردين والمسؤولين يرجعون السبب الرئيسي في فشل تلك التدابير إلى أن “تناوب الموظفين لم يشمل عنصراً حاسما في آلة الفساد: المخلّص”.
الفساد باق ويتمدد
ما زال وسطاء الأحزاب والمجموعات المسلحة موجودين أيضاً. وقال أحد المستورين العراقيين “هناك غرفة جاهزة تدخل إليها الآن، وتقوم بفرز كل شيء هناك”.
وما يؤكد ذلك، هو ما أشار إليه مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية لوكالة الصحافة الفرنسية حينما قال إن “كتائب حزب الله المتهمة بإطلاق صواريخ على السفارة الأميركية أُجبرت على إغلاق مكتبها الاقتصادي في مطار بغداد الدولي لمنع وصولها إلى بضائع ثمينة معفاة من الرسوم الجمركية”. وأضاف “لكن لا يزال بإمكانها الصعود إلى الطائرة والقيام بما تريد. الفساد ما زال موجودا”.
وبدلاً من الاتصال ببعضهم البعض بشكل علني، انتقل الميسرون إلى تطبيقات المراسلة المشفرة مثل واتساب. وقال ضابط المخابرات “أصبح عملنا بالفعل أكثر صعوبة لأنهم يتخذون المزيد من الاحتياطات”.
النظام الموازي يحرم الدولة من مصادر تمويل كان يمكن تخصيصها للمدارس والمستشفيات والخدمات العامة الأخرى
وتوقع مسؤولون أن يتجنب التجار بشكل متزايد المعابر التي تديرها الدولة وأن يعتمدوا إما على التهريب أو الاستيراد بشكل غير رسمي عبر إقليم كردستان شمالاً. وحذروا من أن تفكيك الشبكة بالكامل سيؤدي إلى عنف قد يكون الكاظمي غير مستعد له.
ولا يخفي ضابط المخابرات خشيته من ذلك حيث يؤكد أن “هذه المصالح تساوي ملايين الدولارات. فرصيف واحد في أم قصر يعادل ميزانية دولة.. لذلك لن يتنازلوا بسهولة”.