كابوس العراق الثقيل

ما زال الانتظار والترقب مصحوباً بالحذر يسودان الشارع العراقي، يرافقان المواطن أثناء تجواله في أسواق بغداد ومتاجرها لأغراض التسوق، فالارتباك والفوضى يُخيّمان على الحياة الاقتصادية مع ارتفاع الأسعار وجنون الغلاء وتأكيد حكومي لا يُعلم مصدره أن الأزمة وقتية وستنتهي خلال أيام، إلا أن الشعور العام يوحي عكس ذلك.
حاول الدينار أن يلتقط بعض أنفاسه أمام الدولار عندما تناقلت فضائيات ومواقع إخبارية خبر اجتماع محافظ البنك المركزي العراقي في تركيا مع مساعد وزير الخزانة الأميركية براين نيلسون والوفد المرافق له حين انتعش بعض الساعات ليُعاود الانهيار في صباح اليوم التالي.
المُهلة التي أعطتها الولايات المتحدة عبر خزانتها إلى الجانب العراقي لمنع تهريب الدولار إلى دول الجوار في أقصاها لا تتجاوز بضعة أشهر بعد وساطة أردنية ترغب بالحصول من ورائها على مصالح اقتصادية ومنافع تُعين المملكة في تجاوز أزمتها الاقتصادية يكون من ضمنها إتمام مد أنبوب النفط من البصرة إلى العقبة لإنعاش اقتصادها المتهالك.
◙ التظاهرات المزمع إقامتها خلال الأيام القادمة التي يُحشد لها مقتدى الصدر ح تُرسل رسائل إلى حكومة السوداني أن مهلة المئة يوم قد انتهت دون تحقيق النتائج المطلوبة
ما تسرب من شروط أميركية حملها الوفد المفاوض إلى العراقيين يوحي أن حرب الدولار على حكومة الإطار التي يتزعمها محمد شياع السوداني مُصرة على التحكم ليس بملف الاستثمار والاقتصاد وإنما بالملف الأمني والسيادي، فالرغبة الأميركية بالإشراف على جهاز المخابرات وكذلك الأمن الوطني إضافة إلى هيئة الاستثمار وإدارة مصرف الـ(TBI) الذي يستحوذ على حوالي 80 في المئة من أعمال التحويل التجاري في العراق حسب تلك التسريبات، مما يعني أن الأمر ليس اقتصادا أو بالسهولة التي يتوقعها البعض.
خطورة هذه الإملاءات أن تتجاوز واشنطن في فرض شروط تعتبرها الحكومة العراقية تعجيزية وصعبة التطبيق أو تزيد من حدة الانقسام داخل الإطار التنسيقي الذي يعاني من الخلافات أصلاً، فالولايات المتحدة لا تُخفي رغبتها وسعيها لحل الحشد الشعبي وتفكيكه، ثم كيف سيكون رد السلطة الحاكمة إذا ما دعت واشنطن إلى التطبيع والاعتراف بإسرائيل كشرط من شروط الدعم الأميركي؟
كل الاحتمالات واردة، لكن الأمر المتفق عليه أن الأحداث تسير إلى نهايات غامضة وخواتيم مظلمة.
التظاهرات المزمع إقامتها خلال الأيام القادمة التي يُحشد لها مقتدى الصدر حسب تصريحات إياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق تُرسل رسائل إلى حكومة السوداني أن مهلة المئة يوم قد انتهت دون تحقيق النتائج المطلوبة وحان وقت تقديم كشف الحساب في ظل امتعاض الصدر من هذه الحكومة.
بالمحصلة لم يعد سوى استنتاج واحد للمشهد السياسي، أن واشنطن بدأت بأخذ زمام الأمور في العملية السياسية ومسك مقود القيادة بعد أن ظل هذا المقود لسنوات بأيادٍ إيرانية.
لعبة الدومينو في المنطقة التي يكون العراق أحد بيادقها بدأت بالتساقط تدريجياً وصولاً إلى الهدف وهو قطع الشريان الذي يُغذي الاقتصاد الإيراني ويموله بالدولار.
◙ كيف سيكون رد السلطة الحاكمة إذا ما دعت واشنطن إلى التطبيع والاعتراف بإسرائيل كشرط من شروط الدعم الأميركي؟
حل الحشد الشعبي والتطبيع مع إسرائيل إن كانا من بين الشروط قد يراها البعض من المستحيلات أو التعجيزية التي قد تُحدث إرباكاً في الوضع السياسي بالعراق أو شرخاً في المنظومة السياسية ما بين مؤيد لتسيير المشهد السياسي ومن ورائه نظام سياسي يتحكم به ويدفعه ولو بعصا، وبين معارض يجد أنه انتحار سياسي عند القبول بتلك الشروط التي قد تقضي على النظام السياسي.
مظاهرات التيار الصدري المرتقبة مع ارتباك وفوضى في أسعار الدولار ترافقها شروط أميركية لتضييق الخناق على الاقتصاد العراقي ترسم مشهداً أكثر إرباكاً وانقساماً يجعله يتآكل من الداخل وربما هي الغاية التي تسعى لها الولايات المتحدة في انهيار المعبد بعد تصدّع جدرانه.
متاهات دائرية تقود إلى المجهول وفانتازيا خارجة عن المألوف ومشهد سياسي غارق في التيه والفوضى يوحي بأن شبح القادم ليس من مسميات التفاؤل.
هل الخطأ في النظام السياسي، في السلطة ورجالها، أو في الشعب؟ ربما الجميع مشترك في الخطيئة، دائماً ما أردد أن أيام العراق حُبلى بالمفاجآت، لذلك دعونا ننتظر، ألم يقولوا إن غداً لناظره قريب؟