كأس العالم تستعد لقفزة هائلة في أرباحها بحلول 2026

كان من اللافت للنظر أن يطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب تغريداته عبر موقع تويتر مؤكدا حرص بلاده على تنظيم كأس العالم في عام 2026، بالاشتراك مع كندا والمكسيك، هذا في الوقت الذي لم يعرف فيه عن ترامب ولعه بكرة القدم، أو حرصه على متابعة مبارياتها، ولم تنجح اللعبة في تحقيق شعبية كبيرة بين الأميركيين والكنديين، ولا يحظى نجومها باهتمام واسع من الجماهير في الدولتين كما هو الحال بالنسبة لنجوم رياضات أخرى، مثل كرة السلة والرغبي والملاكمة.
غير أن الأرباح الهائلة التي من المنتظر أن تحققها دورة كأس العالم 2026 كفيلة بشرح هذا الاهتمام المفاجئ من قبل ترامب وغيره من المسؤولين الأميركيين بكرة القدم، إذ أنه من المخطط أن يرتفع عدد الفرق المشاركة في نهائيات كأس العالم من 32 فريقا في الوقت الحالي إلى 48 فريقا اعتبارا من بطولة عام 2026، الأمر الذي يعني زيادة المباريات، مع زيادة عدد الدول المشاركة، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى وجود فرص ربح إضافية من حصيلة بيع تذاكر المباريات، ومن حقوق البث عبر شاشات التلفزيون، هذا علاوة على الأنشطة السياحية المرتبطة بالسفر لمشاهدة مباريات كأس العالم في الدول المضيفة، والتي ستكون ثلاث دول للمرة الأولى في تاريخ البطولة التي اعتادت دول منفردة استضافتها، باستثناء بطولة عام 2002 التي كانت من نصيب كوريا الجنوبية واليابان معا.
أرباح خيالية
حسبما أوضح كارلوس كورديرو، رئيس الاتحاد الأميركي لكرة القدم، والمشرف على ملف أميركا الشمالية لتنظيم كأس العالم 2026، فإن تنظيم البطولة في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك سيحقق إيرادات بقيمة 11 مليار دولار يحصل عليها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، هذا علاوة على إيرادات تقدر بخمسة مليارات دولار من الأنشطة الاقتصادية قصيرة الأجل المرتبطة بدورة كأس العالم، مثل الزيادة في الطلب على خدمات الفنادق والمطاعم وشركات النقل وشركات السياحة، وسيتم توفير نحو 40 ألف وظيفة خلال فترة الإعداد للبطولة وأثناء مبارياتها، وستزيد إيرادات العاملين في المدن التي تستضيف مباريات البطولة بنحو مليار دولار.
ستقام كأس العالم لكرة القدم 2026 في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا بعدما صوتت الجمعية العمومية للاتحاد الدولي (الفيفا) في 13 يونيو الجاري لصالح العرض الثلاثي المشترك لاستضافة البطولة، وستكون البطولة الثالثة والعشرون الأولى من نوعها التي سيشارك فيها 48 منتخبا، ما يعني بالضرورة ارتفاعا كبيرا في الأرباح، الذي يقابله في الجهة المعاكسة العديد من العراقيل التي ستؤثر سلبا على شعبية اللعبة الأولى في العالم.
وسيكون للولايات المتحدة نصيب الأسد من كل هذه الإيرادات، إذ تستضيف وحدها 60 مباراة، بما في ذلك المباراة النهائية، فيما تستضيف كل من المكسيك وكندا عشرين مباراة مقسمة بالتساوي بينهما.
ونظرا لأن الفيفا هو في الأصل منظمة غير هادفة للربح، أو على الأقل هذا هو وضعه القانوني، فإن كل الإيرادات التي يحصل عليها من تنظيم مباريات كأس العالم ينبغي أن يعيد استثمارها لتطوير كرة القدم في مختلف البلاد المشاركة في عضوية الاتحاد، ومن ثم، من المنتظر أن تحصل الاتحادات القارية على المزيد من الأموال بعد بطولة عام 2026.
ولعل هذا ما يفسر التأييد الواسع لملف أميركا الشمالية من قبل مختلف الدول التي تتمتع بعضوية الفيفا أثناء عملية التصويت خلال الاجتماع السنوي للأعضاء في موسكو، الأربعاء 13 يونيو، والذي أسفر، حسبما أعلن رئيس الفيفا، جياني إنفانتينو، عن فوز ملف أميركا الشمالية بـ134 صوتا، فيما حصل ملف المغرب المنافس على 65 صوتا فقط.
الملف الذي قدّمه كارلوس كورديرو، رئيس الاتحاد الأميركي لكرة القدم لاستضافة كأس العالم 2026، هو ملف مشروع اقتصادي عملاق تقوده واشنطن، وتشارك في فعالياته كندا والمكسيك، ويهدف إلى نقل دورات كأس العالم لكرة القدم إلى مستوى أعلى كثيرا، من الناحية المالية بالطبع، من المستوى الحالي، ويخطط لقفزة هائلة في حجم الجماهير التي ستتابع البطولة، وفي عدد تذاكر المباريات التي سيتم بيعها، إذ ينتظر أن تبلغ نحو 5.8 مليون تذكرة مقابل 2.5 مليون تذكرة في البطولة التي أقيمت في البرازيل في عام 2014.
مخاطر واسعة
إجمالا، يتم التخطيط لرفع الإيرادات الإجمالية التي تحققت في بطولة البرازيل، وهي بقيمة 2.6 مليار دولار، إلى مبلغ 11 مليار دولار في عام 2026، وهو مبلغ يفوق كثيرا الإيرادات المتوقعة للفيفا من بطولة روسيا 2018، والتي ينتظر أن تبلغ نحو خمسة مليارات دولار. لكن يبدو أن كورديرو نسي تماما أن كل ما تقدّمه كأس العالم هو مباريات في كرة القدم، وأن هذه الأرباح الهائلة التي يسعى لتحقيقها من اللعبة الشعبية الأولى في العالم تحمل معها مخاطر كثيرة يجب أخذها في الحسبان.
ومن أبرز هذه المخاطر ضعف مجموعة من الفرق التي ستشارك في كأس العالم 2026 نظرا لاتساع قاعدة المشاركة نتيجة وجود 48 فريقا، الأمر الذي يعني وجود عدد غير قليل من المباريات منخفضة المستوى التي قد لا تغري الجماهير بمشاهدتها كما هو متوقع، ولن تحقق العائد المنتظر، سواء من بيع تذاكر المباريات أو من خلال حقوق بثها عبر الأثير أو عبر شاشات التلفزيون.
ولعل هذا هو السبب الذي دفع الفيفا للحفاظ على عدد قليل نسبيا من الفرق المشاركة في كأس العالم عبر العشرات من السنين، وذلك لضمان ارتفاع مستوى المنافسة، واستمرار الإقبال على المباريات.
لكن من الواضح أن فرص المكاسب المالية الهائلة جعلت الفيفا يقدّم الأرباح على مستوى جودة المباريات، خاصة وأن بطولة كأس العالم هي المصدر الرئيسي لإيرادات الفيفا، وتناسى المسؤولون عن الفيفا تماما أن الأصل في كأس العالم هو متابعة مباريات رفيعة المستوى من فرق متميزة، وإذا فقدت كأس العالم هذه الميزة الفريدة، سيفقد بالتبعية البريق الذي يتمتع به في عيون الملايين من المشاهدين.
مشكلة أخرى تواجه الفيفا، وهي الاتهامات المتلاحقة بالفساد، والتي سبق أن أطاحت بجوزيف بلاتر، المدير السابق للفيفا، وأدت إلى منع ميشيل بلاتيني، الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، من ممارسة أي نشاط يتصل باللعبة لمدة أربع سنوات بعد أن أدين بتلقي أموال بصورة غير قانونية.
وسبق أن اعترف بلاتيني بالتلاعب في قرعة دورة كأس العالم 1998 التي احتضنتها فرنسا، بهدف أن يلتقي فريق فرنسا مع البرازيل في المباراة النهائية، ولا شك أن تحويل كأس العالم إلى مضخة للأموال، وإلى مشروع اقتصادي عملاق يهدف إلى تحقيق مكاسب هائلة، سيثير المزيد من التساؤلات حول أوجه إنفاق الإيرادات الهائلة للفيفا، وعن طرق الرقابة المتبعة لضمان ألاّ تهدر هذه الأموال أو أن تذهب إلى جيوب المسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم وفي الاتحادات القارية بدلا من أن تذهب لبناء ملاعب وصالات تدريب للملايين من الشباب الذين يعشقون كرة القدم في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
وتبقى مشكلة ثالثة، وهي حقوق بث المباريات التي يقوم الفيفا ببيعها إلى مختلف مناطق العالم بهدف تحقيق أكبر أرباح ممكنة، ونظرا لأن الشركات التي تحصل على حقوق البث تدفع أموالا طائلة مقابل الحصول على هذه الحقوق، فإنها تقوم باستثمارها بأفضل شكل ممكن سواء عن طريق جذب المعلنين إليها، أو عن طريق بث المباريات مقابل اشتراكات لا يستطيع دفعها الملايين من الفقراء في دول كثيرة، والذين يعتبرون مشاهدة مباريات كرة القدم إحدى المتع القليلة التي يتطلعون للحصول عليها بلا مقابل.
غير أن أعلى المخاطر هي انصراف الجماهير عن ملاعب كرة القدم بسبب ارتفاع أسعار تذاكر المباريات، أو انصرافها عن كرة القدم عموما إذا تحوّلت اللعبة الجميلة إلى مجرد بقرة حلوب لمجموعة قليلة من المستفيدين باللعبة في مختلف قارات الأرض.
من حق الفيفا أن يسعى لتحقيق إيرادات من بطولة كأس العالم، ولكن على المسؤولين فيه أن يفكروا في أن تحويل البطولة إلى مجرد وسيلة لتكديس الأموال قد يأتي بنتائج عكسية، ربما في الأجل الطويل، وأن بطولة كأس العالم ليست حسابا مفتوحا يمكن اغتراف الأموال منه بلا قيود.