قوارب الموت تخطف المزيد من شباب غزة

حماس لا تحتكر المقاومة فقط، بل الوظائف وتسيير الأعمال، وتترك الشباب بلا حد أدنى من الأمل.
الثلاثاء 2022/11/01
واقع مر

شهد الأسبوع الماضي فاجعة جديدة راح ضحيتها 7 شبان فلسطينيين من قطاع غزة، قضوا غرقا خلال محاولتهم الهجرة في مركب قبالة السواحل التونسية. تعيد الفاجعة إلى الأذهان حادثة بحر إيجة في اليونان. لقد انتهت رحلة البحث عن الحياة في منتصف الطريق، بعد أن ضاقت بهم أرض غزة حصارا وبطالة وقهرا فلم يجدو سبيلا غير الفرار منها.

قد تختلف الدوافع التي تجعل الشباب العربي يفكر في الهجرة غير الشرعية بين بلد وآخر. فمنهم من تكون أوضاعه الاقتصادية أو مكوثه في البطالة لسنين طويلة هي الدافع الأساسي. ومنهم من يكون دافعه الأول هو البحث عن أسلوب مختلف في الحياة أو بالأحرى البحث عن الحرية التي تقدمها المجتمعات الغربية. وآخرون يفكرون في تقليد أترابهم من الذين نجحوا في الوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط، حتى من دون أن يكون لهم هدف محدد. وفي الغالب تكون الأهداف مجرد أحلام سرعان ما تتلاشى بمجرد معايشة الواقع الذي تفرضه الرأسمالية في الغرب.

ولكن الحال يختلف في مناطق الحروب كغزة. فالظروف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية كلها تتراكم لتجعل من الهجرة غير الشرعية سبيلا لا مناص منه لإنقاذ ما تبقى من العمر. غزة ذات الكثافة السكانية العالية، بؤرة تتوفر فيها كل المسببات التي تدفع بشاب أكمل دراسته الجامعية بأن يفكر في الفرار بأيّ طريقة حتى وإن كانت هذه الطريقة قد تضع حدا لحياته. فإما المغامرة أو العيش تحت مطرقة الاحتلال وسندان حماس.

◘ الظروف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية كلها تتراكم لتجعل من الهجرة غير الشرعية سبيلا لا مناص منه لإنقاذ ما تبقى من العمر

تقدر نسبة البطالة في غزة بأكثر من 50 في المئة وهو رقم مرشح للارتفاع كل سنة بالموازاة مع الحصار الاقتصادي والوضع المالي الصعب. فالمصانع تعاني من تبعات الوضع البائس الذي يؤدي بالعديد من أرباب العمال إلى الإفلاس، أو عدم القدرة على خلق مواطن تشغيل جديدة، فضلا عن العجز التام لحكومة حماس في خلق وظائف حتى لخريجي الجامعات من المتفوقين. وفي كل مرة تقدم دولة الاحتلال تصاريح عمل جديدة في الداخل المحتل يجد الجميع أنفسهم مجبرين على التزاحم أمام مكاتب الغرفة التجارية للتقديم على فرصة قد تنقدهم من براثن الفقر والحاجة.

لم تعد التجارة الموازية مزدهرة كما كان الحال قبل عشر سنوات خلت عندما كانت رفح المصرية المتنفس الوحيد للقطاع للتبادلات التجارية التي تنعش الأسواق وتزيد من حركة رأس المال لتعم الفائدة على صغار الكسبة. لقد سدت كل الأبواب وازدادت الأوضاع ضيقا ولم يعد هنالك سبيل للخلاص إلا بالهروب من جحيم غزة. ولكن هذا الهروب لن يكون إلا لمن استطاع إليه سبيلا. فكلفة التفكير في مغامرة الهجرة غير الشرعية تزيد عن 5 آلاف دولار وتجبر أصحابها إما على الاستدانة أو بيع ذهب الأسرة. هنا يصبح التفكير في احتمال فشل المغامرة وضياع الأموال كابوسا يخنق المغامرين ويجعل تقبلهم لرهان الموت أهون من التفكير في العودة.

وإن كانت أعداد المغامرين من غزة قليلة نظرا لصعوبة توفير المال الذي يعتبر وقود الانطلاق في رحلة اللاعودة. إلا أن الجميع شيبا وشبابا يفكرون بالهروب من الوضع الذي جثم على صدورهم طويلا من دون أن يكون هناك من أمل في أن يتحسن يوما مّا. لقد أحكمت إسرائيل بحصارها القبضة على غزة لتجعلها منطقة شبه منكوبة كما زادت حماس الطين بلة بسوء تسييرها واندفاعها إلى خطوات غير محسوبة العواقب على حساب الجبهة الاجتماعية التي تدفع الثمن بمفردها في كل مواجهة عسكرية وفي كل خطة جديدة لزيادة الضرائب.

وأمام هذا الواقع المر، أتساءل في نفسي قائلا: هل تركت غزة لتتآكل من الداخل حتى تفنى؟ أم إن الهروب منها هو السبيل الوحيد للخلاص؟ ثم أين أصدقاء غزة؟ أليس بإمكان قطر الداعمة لغزة أن تتوقف عن إرسال منحة الـ100 دولار التي لا تسمن ولا تغني من جوع وأن تستبدلها بتبني مشاريع اقتصادية تعود بالنفع على الفقراء والعائلات المتعففة؟ هل صعبت المهمة على قطر في أن تنتدب عمالا وحرفيين من غزة بدل أن تنتدب هنودا وبنغاليين؟ لن تستطيع قطر أن تحل جل مشاكل غزة في ظل وجود حصار ممنهج يريد أن يقضي على الأخضر واليابس وفي ظل وجود “مقاومين في فنادق 5 نجوم” من قيادات حماس أوصلوا غزة إلى هذا الوضع البائس. ولكن على الأقل باستطاعتها أن تساهم في دعم موجّه لمصانع غزة المتعثرة لعلها تنقد ما يمكن إنقاذه من فرص العمل المتبقية والتي وإن فقدت فستزيد الأعداد في قائمة المرشحين إلى الهروب من جحيم غزة.

8