قناديل تابوت بعيد

السبت 2016/12/17

أشتهي الليلةَ أن أكتبَ مقالا لا يتسبّب في تلف العصب وزرع الشيب على صدري.

عندي قهوة سادة سأغليها وأستعيد معها دِلال جدّي أحمد، ومؤخراتها السود تُشوى على جمر الديوان الصاخب. لجدّي عشر شامات مرشوشات فوق وجهه ورقبته، واحدة منها نامية بحجم حبة حمّص.

جدي الطيب المسالم البشوش الضحّاك، كان سعيدا برقصة هذه الندب السود فوق جسده الضخم، وكانت الناس تحسده عليهنَّ وتقول له، مبارك أنت يا حاج وتلك الشامات ستكون قناديل قبرك المجيد.

سأهجر جدي وأحسو بعض قهوتي المرة، وأُصوّب منظاري نحو الزقاق وقنديله المخنفس الوحيد. السماء بيضاء بعزّ الليل، وتلك بشارة ثلجٍ سيتهاطل بعد ست هنيهات وبرهة. لا جديد جوهريا على المنظر، باستثناء صوت ماطور شفط الماء من مواسير البلدية، وتصعيده إلى خزانات قائمة على سطح البناية. الناس التي على بعض نوم منزعجة من أنين الماطور، أما أنا فمستأنس ومرتاح لأنني كنت أنصتُ لهذا الصوت المشجن وأنا منطرح على فراشٍ صيفي لذيذ فوق سطح دار عتيقة.

جدّي الذي مات قبل أربعين سنة هو أبو أمي بهية، وليلتها كنت من المصدّقين بأنّ شامات جسمه ستضيء مدفنه الموحش، لذلك بقيت سنينا مبتهجا بشامة غافية قرب منخري الشمالي الأفنص، قبل أن تتلوث تلك الفرحة العظيمة بفايروسات الوعي المكتسب. شامتي العزيزة تنزلق الآن صوب ساقية مرسومة على وجهي، تشبه تابوتا أنيقا بقنديل باهت.

في خاصرة الزقاق، ثمة نخلة هندية عنقاء تهزّها الريح بقوة، فتبدو حركة سعفاتها العنيفة، مثل رقصة شهية تصنعها غجرية ساخنة في أعراس الفقراء.

لديَّ قفصٌ معلق بسقف الشرفة، فيه إناء ماء قليل، وحبّات رز عتّقتها الأيام، لكنْ لا طير يغنّي ولا جناح يعزف. منذ سنة مات الكناري الأصفر وظلّ القفص مصلوبا حتى إتمام الحكاية.

في زاوية عزلاء من الشرفة الضيقة، سأنظر بحسرة إلى خمسة أصص حجرية. نبتات ذابلات مثل وجه فارسٍ عائد من معركة فائضة.

على عتبة بقايا المشهد، زرعَ جاري الصالح، كاميرا على جبهة داره، مانحا اللصوص الأوغاد فرصة هائلة من أجل العودة إلى أطفالهم سالمين.

24