قناة إسطنبول منافع لأردوغان وأضرار لتركيا

المعارضة تخشى أن يتسبب إصرار أردوغان على تنفيذ المشروع رغم كلفته العالية جدا، في إغراق تركيا في مشاكل مالية أكبر، فيما تكابد للخروج من الأزمة الحالية بخيارات ضعيفة.
الثلاثاء 2021/04/06
معارضة تدرك جيدا خطورة القناة

أنقرة – لم تنجح الأصوات المعارضة في دفع تركيا إلى التراجع عن طرح مناقصات لإنشاء قناة إسطنبول المائية، المشروع الذي يتمسك به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حين يثير مخاوف بسبب تكلفته العالية التي تستنزف موازنة الدولة التي تئن تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات جائحة كورونا.

ويصرّ مسؤولون أتراك موالون للحزب الحاكم على أن القناة الجديدة تكتسي أهمية بالغة لكونها ستعمل على تخفيف الضغط عن مضيق البوسفور في إسطنبول الذي يعد ممرا أساسيا للتجارة العالمية عبرته العام الماضي أكثر من 38 ألف سفينة. لكن معارضي المشروع يعتبرون أنه، وبمعزل عن تأثيره البيئي، يمكن أن يقوّض اتفاقية مونترو التي تضمن حرية عبور السفن المدنية عبر مضيقي البوسفور والدردنيل في السلم والحرب.

أضرار قناة إسطنبول

  • تدمير بيئي لبحر مرمرة
  • إنهاء التوازن بين البحر الأسود وبحر مرمرة
  • رفع أسعار الأراضي المحيطة بالقناة
  • زيادة عدد سكان إسطنبول المكتظة بالسكان
  • تدمير مواقع أثرية يعود تاريخها إلى عام 6500 قبل الميلاد
  • تدمير حوضين يزوّدان ثلث إسطنبول بالمياه العذبة

وتخشى المعارضة أن يتسبب إصرار أردوغان على تنفيذ المشروع رغم مخاطره البيئية وكلفته العالية جدا في إغراق تركيا في مشاكل مالية أكبر، فيما تكابد للخروج من الأزمة الحالية بخيارات ضعيفة.

وفي تصعيد مفاجئ لأردوغان وقع أكثر من مئة أدميرال متقاعد رسالة محذرين فيها من التهديد الذي قد يشكله مشروع قناة إسطنبول على اتفاقية مونترو، لكن حكومة أردوغان سارعت الإثنين لإيقاف عشرة أدميرالات متقاعدين غداة نشر الرسالة المفتوحة، وأعلنت التحقيق معهم بتهمة “الاجتماع للمساس بأمن الدولة والنظام الدستوري”.

ويبدو أن “فوبيا الانقلاب” مازالت تلاحق أردوغان وتدفعه إلى اعتقال كل من يخالفه الرأي. وكان آخر المروجين لـ”فوبيا الانقلاب” وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي قال إن بيان الضباط المتقاعدين أسلوب يستحضر انقلابا كما كان في السابق.

وجاء في تغريدة لرئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخرالدين التون أنه “ليس فقط من وقّعوا بل أيضا من شجّعوهم على ذلك سيمثلون أمام القضاء”.

ومنذ 84 عاما وُقعت اتفاقية مونترو التي تضمن سيطرة تركيا على مضيق البوسفور، جنبا إلى جنب مع الدردنيل وبحر مرمرة، والتي تعرف مجتمعة بالمضيق التركي وتوفر الوصول الوحيد إلى البحر الأسود من البحر المتوسط وبحر إيجه. وتضمن اتفاقية مونترو في وقت السلم المرور الحر للسفن المدنية والسفن البحرية التابعة لدول البحر الأسود الست ( بلغاريا، رومانيا، أوكرانيا، روسيا، تركيا، جورجيا) مع تقييد تدفق السفن من دول أخرى.

ويقول المحلل في الشؤون البحرية والمستشار الدبلوماسي بول برايس إن “الاتفاقية كانت ضماناً لأن يشعر الجميع بالأمان والراحة، وألا يقوم أحد بشن حرب أخرى للسيطرة على المضائق من شأنها أن تكلف الكثير من الأرواح البشرية، ولكن أيضًا حتى لا تقوم تركيا باتخاذ بعض الإجراءات أحادية الجانب”.

والشهر الماضي صادقت تركيا على مشاريع لتطوير قناة للشحن البحري في إسطنبول أسوة بمشاريع قنوات بنما والسويس، مما أدى إلى جدل حول اتفاقية مونترو الموقعة في عام 1936.

ويعتقد أن العودة إلى إثارة مشروع قناة إسطنبول المائية في هذا الظرف تأتي لأسباب انتخابية بحتة وتنفيذا لطموحات الرئيس أردوغان التي تقفز على المصالح العليا للبلاد.

ويرى الكاتب والمحلل التركي دايفيد ليبسكا أن قناة إسطنبول يمكن أن تكون الإجراء الانفرادي من قبل أردوغان، الذي يقلب الاتفاقية ويثير غضب الدول الإقليمية بل ويثير الصراع.

فبالنسبة إلى روسيا مثلا، مصدر القلق الرئيسي هو أنه إذا كانت قناة إسطنبول ستنحي اتفاقية مونترو جانباً فمن المحتمل أن تسمح تركيا بالمرور عبر مضيق البوسفور والدردنيل اللذين يربطان البحار الخارجية بالمياه التركية الداخلية، ولكن تمنع أي مرور عبر بحر مرمرة، وتمنع بالكامل العبور عبر المضيق.

وحسب رأي برايس فإن ذلك سيصعّد التوترات بين تركيا وروسيا؛ فهناك الكثير من البضائع الخطرة التي تمر عبر المضائق والتي تتخوف تركيا بشأنها وخاصة النفط والغاز الطبيعي الروسي، ما من شأنه أن يثير القلق عندما يتعلق الأمر باحتمال نشوب صراع متصاعد.

القناة ستدمر مواقع أثرية حول بحيرة كوتشوك شكجمة يعود تاريخها إلى عام 6500 قبل الميلاد وتضم أقدم دليل على وجود الحيثيين في تراقية، كم أن النظام البيئي للبحيرة والضروري للحيوانات البحرية والطيور المهاجرة سيدمر أيضا.

وهذا يفسر سبب وجود الكثير من المعارضة التي تحذر من أن بناء القناة سيؤدي إلى تقويض أمن تركيا. ويقول أرطغرل غوناي، النائب السابق في حزب العدالة والتنمية ووزير الثقافة والسياحة التركي في الفترة من 2007 إلى 2013، إن “دول البحر الأسود ستعترض على إنشاء القناة”.

ويعتقد برايس أن كلا من الناتو وروسيا لن يكونا راضييْن عن المشروع. كما يتوقع أن الأمر سيجعل تركيا في موقف صعب للغاية فهناك قدر كبير من سوء التقدير عندما يتعلق الأمر بمشروع القناة.

ويحذر النقاد، بمن فيهم رئيس بلدية إسطنبول، من تكلفة بيئية كبيرة بما في ذلك التدمير البيئي المحتمل لبحر مرمرة، إذ هناك توازن بيئي دقيق بين البحر الأسود وبحر مرمرة المرتبطين حاليًا بمضيق البوسفور.

وكما يقول جواهر إيف أكجيليك سكرتير اتحاد غرف المهندسين والمعماريين الأتراك في إسطنبول، فإن ملوحة البحر الأسود أقل من بحر مرمرة، والمحتوى العضوي للبحر الأسود أعلى بكثير من بحر مرمرة. ونظرًا إلى أن البحر الأسود أعلى بمقدار 50 سنتيمترا من بحر مرمرة، فإن كلّا من المستوى وكثافة الملوحة سيتغيران إذا تم توصيل الاثنين بواسطة القناة.

ويقول دينيز بيرم مدير برنامج البحر الأبيض المتوسط في منظمة السلام الأخضر إن “في كثير من النواحي ستقع إسطنبول، إحدى أهم المدن الفريدة في العالم، في كارثة مع هذا المشروع الذي لا يمكن التنبؤ به”.

Thumbnail

لكن أردوغان الذي يصر على إتمام مشاريعه التي يصفها بـ”الجنونية” يزعم أن القناة ستحد من الضغط على مضيق البوسفور وستحول دون وقوع الحوادث فيه. وقد انتقد اتحاد الغرف التركية للمهندسين والمهندسين المعماريين القناة بوصفها كارثة بيئية وحضرية يجب صرف النظر عنها.

وشدد على أن القناة ستدمر مواقع أثرية حول بحيرة كوتشوك شكجمة يعود تاريخها إلى عام 6500 قبل الميلاد وتضم أقدم دليل على وجود الحيثيين في تراقية. وأضاف أن النظام البيئي للبحيرة والضروري للحيوانات البحرية والطيور المهاجرة سيدمر أيضا.

وحذّر الاتحاد أيضا من أن القناة ستدمر حوضين يزودان قرابة ثلث إسطنبول بالمياه العذبة، وستزيد ملوحة المياه الجوفية مما سيؤثر على أراض زراعية وصولا إلى منطقة تراقية المجاورة. وذكر أن مشروع القناة سيزيد أيضا مستويات الأكسجين في البحر الأسود وسيضر بالحياة البرية. ويعيش نحو 369 ألفا في المنطقة التي قد تتأثر بالقناة وفقا لمركز تحليل البيانات التركية، وهو مؤسسة بحثية.

وفي عام 2018 اشترت العائلة المالكة في قطر، أحد أقرب حلفاء تركيا وداعم مالي رئيسي، أكثر من 44 ألف متر مربع على طول مسار القناة المخطط لها. ويمتلك بيرات البيرق، صهر أردوغان، أيضًا أرضًا على طول القناة المقترحة. ومن المتوقع أن تشارك العديد من الشركات التركية القريبة من حزب العدالة والتنمية في البناء، الأمر الذي سيشجع هذه الحكومة على مواصلة استخدام مشاريع البناء الكبيرة لكسب الأصدقاء وملء الخزائن.

وتقول مصادر محلية إن المشروع رفع أسعار الأراضي المحيطة به من جهة وأنه سيتسبب كذلك في زيادة عدد سكان إسطنبول المكتظة بالسكان حيث يفوق عدد سكانها 16 مليون نسمة.

وتجادل الحكومة بأن المشروعات المعلنة ستوفر إيرادات سنوية ضخمة وفرص عمل جديدة لعشرات الآلاف من الأشخاص في سوق العمل، مشيرة إلى أن توقعاتها لإيرادات قناة إسطنبول تقدر بنحو 8 مليارات دولار سنويا من رسوم المرور التي تدفعها السفن، لكن كل هذا لا يمنح حكومة أردوغان حرية اعتقال كل من ينذر أو يحذر من مخاطر مشاريعها الاقتصادية لمجرد أنّ تلك التحذيرات لا توافق توجهاتها ومصالحها.

6