قمة العقبة: عقلانية سياسية وتطرف إسرائيلي

اليمين الإسرائيلي المتطرف لا يؤمن بالمفاوضات فالتطرف والإرهاب لغتهم السياسية التي برعوا بها للاستحواذ وكسب تأييد الشارع الإسرائيلي الذي نمت عقليته على الخوف من الفلسطيني والتصعيد ضده.
الأربعاء 2023/03/01
العنف لا يولد إلا العنف

لم يجف حبر بيان قمة العقبة التي عُقدت بحضور أميركي – أردني – مصري، بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، إلا وعلت أصوات التطرف في الشارع الإسرائيلي إثر عملية انتقامية فلسطينية مشروعة، جاءت ردا على جرائم جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية في مدينة نابلس في الضفة الغربية قبل أيام. في استمرار لمعادلة “العنف لا يولد إلا العنف”.. وبات واضحا لجوء اليمين المتطرف المنخرط بالائتلاف الحاكم داخل إسرائيل لسياسات العنف والتصعيد هربا من استحقاقات السياسة، والتي تمثلت بالتفاهمات التي قادتها الولايات المتحدة لتتبلور نتائجها بالقمة التي عُقدت في مدينة العقبة الأردنية.

القمة حملت توافقا ومخرجا سياسيا للوصول إلى حالة تهدئة مؤقتة يُبنى عليها اتفاق حول القضايا الخلافية، والتي أدت إلى تصعيد الإرهاب الإسرائيلي في الضفة الغربية، وأهمها قضية القدس واستمرار ارتفاع وتيرة الاستيطان، وهو ما أكد عليه البيان بحضور الأطراف المعنية بذلك، بالإضافة إلى إعادة التأكيد على الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، وإدانة كل الإجراءات الأحادية الجانب، والتي سعت حكومة إسرائيل إلى تثبيتها كأمر واقع، مما سبب حرجا سياسيا لقادة اليمين المتطرف الإسرائيلي أمام ناخبيهم من ناحية، ومن ناحية أخرى أمام الشارع الإسرائيلي المنقسم على نفسه، فخرجوا بتصريحات مسعورة ضد القمة والبيان الذي صدر عنها، مستغلين العملية التي قُتل فيها مستوطنان إسرائيليان نتيجة لسياساتهم العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، والتي استمرت وتيرتها بتحريض قطعان المستوطنين الذين حرقوا بلدة حوارة الفلسطينية بحماية وغطاء من جيش الاحتلال الإسرائيلي.

◙ المطلوب المزيد من الواقعية السياسية في التعاطي مع ذلك، وعدم الالتفات إلى بعض الأصوات الغوغائية الكامنة والتي تدعي المقاومة لتجني ثمارها بشعبويات فارغة

اليمين الإسرائيلي المتطرف لا يؤمن بالمفاوضات. فالتطرف والإرهاب لغتهم السياسية التي يبرعون بها، ليستحوذوا ويكسبوا تأييد الشارع الإسرائيلي الذي نمت عقليته على الخوف من الفلسطيني والتصعيد ضده كأسس لاستمرار كيانهم الاحتلالي. لذلك كان التعاطي السلبي مع التفاهمات التي قادتها الولايات المتحدة من خلال وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، وسعوا إلى تفريغها من محتواها السياسي بإجراءات التصعيد العسكري في العديد من مناطق الضفة الغربية، ومن خلال تصريحات إعلامية تعكس مدى عقلية التطرف التي يتمتع بها الائتلاف الحاكم حاليا في إسرائيل، كون هذا الائتلاف لا يملك نظرة سياسية استشرافية لما سيؤول إليه العالم إذا ما استمرت الأزمات السياسية والاقتصادية التي تنذر بالمزيد من الحروب والصراعات التي تتوسع رقعتها يوما بعد يوم. فمؤشرات الركود والتضخم في أعلى مستوياتها في أغلب دول العالم، والحرب الروسية – الأوكرانية تدخل عامها الثاني بمنعطف خطير ينذر بالمزيد من التصعيد العسكري.

لا أحد في العالم، ولا في الإقليم، يرغب حاليا بالتصعيد في مناطق الضفة الغربية، ولا أحد يستطيع دفع التكلفة الباهظة لمثل هذا التصعيد الذي ستكون نهايته طاولة التفاوض ذاتها التي عُقدت في مدينة العقبة، بعد أن يكون الفلسطيني قد دفع الثمن، وحده كالعادة، من دماء أبنائه وتدمير مؤسساته وبنيته التحتية.

الأساس هو الاستمرار في السعي نحو إنهاء الاحتلال كإستراتيجية فلسطينية تنتهي بإقامة الدولة المستقلة. لذلك، على الفلسطيني عدم الانجرار لدوامة العنف التي تقودها قيادات اليمين الإسرائيلي المتطرف للهروب من أزماته الداخلية، والتي من شأنها توحيد الشارع الإسرائيلي المنقسم حوله بتصعيد الإرهاب ضد الفلسطينيين حفاظا على المكاسب الانتخابية واستمرار الائتلاف الحاكم المهزوز.

المطلوب المزيد من الواقعية السياسية في التعاطي مع ذلك، وعدم الالتفات إلى بعض الأصوات الغوغائية الكامنة والتي تدعي المقاومة لتجني ثمارها بشعبويات فارغة تخدم أجندات إقليمية ترغب بالتصعيد أيضا، ليكون الدم الفلسطيني ورقة تفاوضية بيدها.

9