قطر مشكلة دبلوماسية وليست عسكرية

الأحد 2017/09/10

مجلس التعاون الخليجي تأسس عام 1981 لهدف أساسي هو التصدي للأطماع الإيرانية وسياسة الخميني التوسعية نحو الخليج. المملكة العربية السعودية بحكم كونها الدولة الأكبر تعتبر نفسها مسؤولة بشكل مباشر عن أمن وسلامة الخليج العربي. شجعت المملكة تأسيس قوات درع الجزيرة التي ظهرت أهميتها حين هددت إيران أمن وسلامة البحرين عام 2011.

وحتى على المستوى العربي شجعت المملكة ودعت إلى تأسيس “ناتو عربي” ونوع من التحالف الأمني لمواجهة الأطماع الفارسية والتركية بأراضي العرب ومقدراتهم. فكيف يمكن للمملكة قبول تحالف قطري استراتيجي مع طهران أو وجود قواعد عسكرية تركية لحماية قطر من العرب؟

وبدلا من أن تدرك الدوحة خطورة سياستها التي تنسف مجلس التعاون الخليجي من الداخل وتتراجع عنها، صارت تصرّ على التغريد خارج السرب والترويج لفكرة أنها ضحية وتشعر بالخوف من اجتياح عسكري سعودي. رغم أن الدوحة تعلم أنها أزمة دبلوماسية وليست عسكرية.

تقول قناة الجزيرة بكل وقاحة إن قطر لا تهمّها السعودية وستترك ثقافة الصحراء إلى الأبد وتتجه إلى البحر والموانئ حيث دشنت ما قالت إنه أكبر ميناء في الخليج. وكأن الدوحة هي أثينا القديمة المطلة على البحر والمتفرغة للفلسفة والأوديسة، وليست الحية الرقطاء داعمة الإرهاب والمحرّضة على الطائفية وحاضنة الإخوان المسلمين. ليت الصحراء تنأى بنفسها عن شرّكم إلى الأبد؟

أعلنت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية أنها تقدر وساطة أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وجهوده المشكورة في إعادة السلطة القطرية إلى جادة الصواب، كما تأسف الدول الأربع على ما قاله أمير الكويت عن نجاح الوساطة بوقف التدخل العسكري؛ إذ تشدد أن الخيار العسكري لم ولن يكون مطروحا بأيّ حال.

كيف يمكن لأمير الكويت أن يوحي بوجود نوايا عسكرية بعد كلّ ما سمعه من تأكيدات بأن الأزمة مع قطر دبلوماسية، وهي ليست حصارا ولا عزلا بل مقاطعة من دول عربية تشعر بالخطر من سياسة الدوحة بعد ضلوعها في مخطط إيراني-تركي ودعمها للإرهاب وتدخلها في شؤون الدول العربية.

أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، قال “‏التحالف أكّد منذ اليوم الأول أن حلّ الأزمة دبلوماسي وحركته ضمن حقوقه السيادية، فزع الدوحة وهشاشة موقفها وراء الترويج لأوهام الخيار العسكري”. يبدو أن الدوحة هي التي أقنعت أمير الكويت بوجود خطر عسكري عليها.

الاحتفال الباذخ بافتتاح ميناء حمد يفشل في إخفاء ملامح القلق

وسمعنا وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن حمد آل خليفة يستنكر التلميح بوجود تخوّف من تحرّك عسكري. وقال ‏”لم ولن تسعى دولنا لأيّ تهديد عسكري إلا أنها وكما يعرفها العالم، لن تسمح لأيّ طرف، كبر أو صغر شأنه لتهديد أمن شعوبها واستقرارها”. يتّفق جميع الخبراء والمحللين على أن المشكلة مع قطر لا يمكن أن تكون عسكرية.

أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أثناء المؤتمر الصحافي بواشنطن مع أمير الكويت، عن رغبته في حل المشكلة مع قطر. فمهما كان، يعلم الرئيس أن الدوحة هي المصدّر الأول للغاز المسال في العالم وعلى أراضيها قاعدة العديد “أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط” لكنه ذكّر بأن جوهر المشكلة هو وجود دعم للإرهاب.

البيت الأبيض أعلن الجمعة أن ترامب أكد لأمير قطر أهمية الالتزام بتعهدات قمّة الرياض والحفاظ على الوحدة لهزيمة الإرهاب. وعلى الرغم من الضغط القطري على روسيا وضخ الصفقات المالية إلا أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أوضح أن الطريق الأنسب هو تسوية الأزمة في إطار مجلس التعاون الخليجي قائلا “نحن لا نتولّى مهمات الوساطة، فهناك الوساطة الكويتية”.

إذا كانت قطر جادة فعلا في رغبتها بتطبيق الشروط الثلاثة عشر كما يقول أمير الكويت واعتماد المبادئ الستّ فهذا خبر جيّد ويبعث على ارتياح الدول العربية. المهم أن تأتي قطر دون شروط مسبقة كرفع المقاطعة وفتح الحدود وعودة الملاحة الجوية القطرية قبل التفاوض. هذه شروط مرفوضة لدى الدول العربية وعلى الدوحة أن تتفاوض دون قيد أو شرط مسبقين.

والمهم أكثر ألاّ تعتمد قطر على لسانين في الحديث مع الأشقاء. ما حدث خلال مكالمة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو مثال لهذا الحديث المزدوج. أجهضت قطر الموضوع بعد دقائق عندما عمدت إلى بث خبر عبر وكالة الأنباء القطرية لا يعكس حقيقة ما دار في المكالمة. عقلية المراوغة التي أرستها قناة الجزيرة في عقل حكام قطر لم يعد لها مكان. لماذا لا تتعلم قطر من أخطائها. هل ستهرب ثانية بادعاء “قرصنة” وكالة الأنباء القطرية؟

قبل يومين صرّح وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني بأن جميع المطالب الـ13 تمسّ سيادة قطر وأصبحت من الماضي. فكيف يمكن للدول المقاطعة أن تثق وتطمئن بنوايا قطر ورغبتها في الحوار المخلص.

أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في كلمته بواشنطن ذكر أن قطر تغرّد خارج السرب والكويت أول المتضررين من سلوكها “فنحن أكثر مَن تضرّر من قطر، لكن تجاوزنا هذه المرحلة بالتسامح. نثق في قدرتنا على إعادتها للتحليق داخل السرب الخليجي”.

دولة كبيرة كالمملكة العربية السعودية لا يمكن أن تخرق القانون الدولي وتجتاح دولة عربية أخرى. المملكة ليست صدام حسين ولا توجد أيّ مقارنة. إنّ إغلاق المملكة لحدودها مع شبه الجزيرة القطرية قد أقفل المنفذ البري الوحيد الذي يربط قطر باليابسة. هذا له تأثير معنوي كبير؟

كذلك إغلاق الملاحة الجوية بوجه الطيران القطري تحديدا، وتحذير السعوديين من زيارة قطر مع إمهال القطريين المقيمين في السعودية والإمارات والبحرين مدة أسبوعين للمغادرة، إضافة إلى قطع الخطوط البحرية والتجارية، والضغط الإعلامي الكبير الذي وصل إلى درجة إصدار أغنية لمطربين سعوديين بعنوان “علّم قطر” جعلت الحكومة القطرية تعيش أزمة معنوية حقيقية.

قطر تعتمد على السعودية في 40 بالمئة من احتياجاتها الأساسية. ورغم أنها صارت تعتمد على ما يأتيها جوّا من تركيا وبحرا من إيران إلا أن سوق الأسهم القطري خسر في الأيام الأولى ما قيمته 15 مليار دولار. بالنسبة إلى استعدادات قطر لاستقبال كأس العالم 2022، توقفت المشاريع على خلفية إغلاق الحدود السعودية وبعض الشركات صارت تأتي بمواد البناء من سلطنة عمان بكلفة عالية.

المملكة تعرف أنها الحاضنة الأمّ للشعب القطري ورئته الثقافية لهذا ترى صاحب القرار السعودي متأثرا لانقسام أكثر من 12 ألف عائلة بين البلدين بسبب الأزمة السياسية، فالقبائل والعوائل متداخلة بين السعودية وقطر ولا مستقبل للدوحة دون الحماية السعودية.

المشكلة هي هذه المكابرة الفارغة التي يتمتع بها المسؤول القطري. لا يوجد حصار على قطر وهي دولة تمتلك احتياطيا كبيرا من العملة الصعبة فلتنفق منه على احتياجاتها بدلا من توزيع حقائب الدولارات على جبهة النصرة وحزب الله والإخوان والمعارضة السعودية. صارت الدوحة مشغولة بنفسها وليس بإثارة الفتن والحروب ودعم الإرهاب في الـمنطقة ممّا بعث بـحالة من الاستقرار والسلام في الشرق الأوسـط.

كاتب عراقي

5