قرار الكونغرس الأميركي أصغر بكثير من مقاس إرهاب إيران

إرهاب النظام الإيراني الذي بلغ عمره قرابة الأربعين سنة، لا يظن أحد أن مجرد قانون يقرّه الكونغرس الأميركي قادر على إيقافه أو تطويقه، ولا يعوِّل أحد بجد على هذا القانون الذي يعكس صراعا على النفوذ بين واشنطن وطهران على العراق.
الاثنين 2018/10/01
العبث الإيراني مستمر

لم يشهد العالم إرهابا كالذي شهده منذ أواخر سبعينات القرن الماضي، لذلك يتعين التذكير أولا أن ما يسمى بالعمليات الإرهابية في العالم اقترن بقيام الثورة الإيرانية أواخر سبعينات القرن الماضي. وهناك العشرات من الوقائع التي تؤكد شيوع مصطلحات المفخخات والاغتيالات السياسية والعمليات الانتحارية، وكان العراق ولبنان وفرنسا وألمانيا وعموم أوروبا ساحاتها.

وبدأت الصفحة الأولى لهذه العمليات بتأسيس الإمام الخميني المكتب العالمي لحركات التحرر، الذي ضمّ العديد من حركات الإسلام السياسي، ومن جملتها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، الذي بدأ برئاسة محمود شاهرودي ثم أبومهدي المهندس وتلاهما محمد باقر الحكيم، وبعد ذلك جرى تسليح منظمة العمل الإسلامي العاملة على ساحتي العراق والبحرين، والتي اتخذت لنفسها اسم الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين. وأفشلت مملكة البحرين مخططا انقلابيا دبرته هذه المنظمة في العام 1981.

وكانت هذه الجبهة حركة مقاومة إسلامية شيعية تدعو إلى الحكم الثيوقراطي في البحرين في المدة من 1981 إلى 1999. ويقع مقرها في إيران وتمولها وتدرب كوادرها وزارة الاستخبارات والأمن الوطني وحرس الثورة الإسلامية.

وكما ذكر عبدالستار الراوي في كتابه رسالة الدم الذي صدر في القاهرة سنة 2015، في أفريل 1980 عقد مؤتمر طهران للقوى والأحزاب الإسلامية بايع فيه حزب الدعوة الإمام الخميني لينضم إلى معسكر إيران وكذلك فعل حزب الله حجاز، الذي تحول إلى فيلق مكة.

وفِي هذه المدة نفسها جرى الإعداد لتجاوز حركة أمل اللبنانية وبداية الإعداد لحزب الله اللبناني. واعتبرت هذه المنظمات قواعد أو أدوات لتنفيذ إستراتيجية تصدير الثورة عن طريق العمل المسلح، وقد أعدت إيران معسكرات خاصة للعمليات في لبنان وإيران.

الصفحة الثانية، بعد الإعداد والتدريب، بدأت عمليات إرهابية في مختلف أنحاء العالم وكانت هذه القوى أداة تنفيذها لحساب إيران وبإشراف مباشر من قوة القدس المسؤولة عن العمليات الخارجية.

والصفحة الثالثة تولى تنفيذها حزب الله في أفريقيا فيما نفذ فيلق بدر وحزب الدعوة سلسلة عمليات تخريب واغتيال وتفجيرات في العراق طوال الثمانينات والتسعينات وحتى العام 2003، ومنذ العام 2003 باشرت الأجنحة المسلحة للأحزاب الدينية مهامها لتتحول إلى جيوش من الميليشيات، وهي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ العالم، على الأقل في العراق وسوريا وليبيا، إذ أصبحت تلك الميليشيات أداة التدمير الشامل للمجتمعات وللدول وللسلام.

وحسب الصحافي العراقي المقيم في جنيف ماجد مكي الجميل، هذا الإرهاب، الذي بلغ عمره قرابة الأربعين سنة، لا يظن أحد أن مجرد قانون يقرّه الكونغرس الأميركي قادر على إيقافه، ولا يعوِّل أحد بجد على هذا القانون الذي يعكس صراعا على النفوذ بين واشنطن وطهران على العراق. فالولايات المتحدة تشعر بـ”خيبة مُرَّة”، وهي ترى أنها هي التي أدت ”المهمة القذرة” الكبيرة في العراق، ثم ترى البلد قد آل إلى إيران تماما.

إن الوضع الشاذ الذي خلقته واشنطن بعد سنة 2003، وتسليمها العراق إلى أشخاص تعاونوا معها ومع إيران مخابراتيا، وسماحها بتأسيس تنظيمات وميليشيات مرتبطة بإيران عضويا حتى وهي تحتل العراق عسكريا، ودعمها 4 حكومات عقب الاحتلال، ثلاث منها مرتبطة بإيران مباشرةً، هو أكبر بكثير من مقاس هذا القانون.

لكن إذا كانت الولايات المتحدة تريد منع إيران من زعزعة استقرار العراق، فعليها أن تضغط لحل الميليشيات ومصادرة سلاحها فورا، قبل أن تضع العراق تحت وصاية دولية تحت إشراف الأمم المتحدة لمدة معينة يتم خلالها تصحيح مجمل الوضع الشاذ في البلاد تمهيدا لإجراء انتخابات حرة ديمقراطية تحت إشراف دولي تكون الكلمة العليا فيها لإرادة الشعب العراقي.

وللأسف يبدو الوضع متدهورا بعد حوادث العنف والاغتيالات الأخيرة في العراق، وإذا بحثت عن السلاح فستجده تحت العمامة، سوداء كانت أم بيضاء. إن قرار الكونغرس الأميركي، الذي جاء أصغر بكثير من مقاس إرهابيات ولاية الفقيه، يهدف إلى حصر السلاح في المؤسسات الأمنية، كمقدمة لتطويق جيوش المرتزقة وميليشيات الأحزاب المسلحة، أي أنه خطوة لنزع السلاح خارج القانون.

ولكنه يحتاج إلى المتابعة ورصد الخارجين على القرار، إلا أن الأهم من ذلك هو إحكام السيطرة على الحدود لمنع التسرب وإيقاف تهريب السلاح، ويقترن بهذه الخطوة إجراء مهمٌ وهو استعادة معسكرات الدولة ومراكز التدريب، وقد تتبع ذلك حملات تفتيشية عن مخازن السلاح والذخائر، وقد يتسع نطاق الحملة إلى التحفظ على قادة الميليشيات الإيرانية ورؤوسها.

فهل ستفعل واشنطن ذلك كله إنفاذا لقرارها؟

6