قرارات حكومية تربك سوق التعليم الموازي في مصر

أربكت التغييرات الجديدة في قطاع التعليم بإعادة تصميم المحتوى العلمي والمعرفي لصفوف المرحلة الثانوية، والتي سيبدأ تطبيقها بالعام الدراسي الجديد، الأسرة المصرية ودور نشر الكتاب الموازي والمكتبات التي وجدت نفسها أمام سلع لن يقبل الطلاب على شرائها، في حين تواجه الحكومة عجز أعداد المدارس التي تحتاج إلى بناء الآلاف من الفصول الدراسية.
القاهرة- أحدثت مجموعة من القرارات اتخذت مؤخرا بشأن مناهج الصفوف الدراسية في المرحلة الثانوية بما فيها شهادة “البكالوريا”، ارتباكا في سوق التعليم الموازي في مصر، والذي أصبح بديلا سهلا عن المدارس الحكومية مع تراجع الإنفاق على التعليم وظهور مشكلة الكثافة المرتفعة وعجز أعداد المعلمين.
وضاعفت هذه الخطوة حجم الأموال التي تنفقها الأسرة المصرية على مراكز الدروس الخصوصية والكتب الخارجية وصولا إلى البحث عن مدارس بمصروفات خاصة باتت في بؤرة الاتهام مع سهولة عملية الغش في امتحانات شهادة البكالوريا.
ركزت القرارات التي اتخذها وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف على إحداث خلخلة في سوق التعليم الموازي الذي يقبع بشكل كامل بعيدا عن أعين رقابة الوزارة، وبدأت المشكلة منذ حوالي شهر مع طباعة الكتب الخارجية وإقبال المواطنين على شرائها وعودة نشاط مراكز الدروس الخصوصية في صفوف دراسية مختلفة.
تعديلات وتغييرات
تحدد موعد انطلاق الدراسة رسميا بالمدارس الحكومية والخاصة في الواحد والعشرين من سبتمبر المقبل، ما يعني قرابة شهر للتحصيل خارج المدرسة.
وقررت وزارة التعليم إعادة تصميم عدد من مناهج المرحلة الثانوية من خلال دمج وحذف بعض المقررات الدراسية، وإلغاء بعض المواد المضافة للمجموع النهائي وجعلها مواد نجاح ورسوب فقط، ما يُفقدها أهميتها بالنسبة للطلاب والسوق الموازي، وبدلا من دراسة 10 مواد في الصف الأول الثانوي، أقرت التعديلات الجديدة دراسة 6 مواد، كذلك الوضع بالصف الثاني الثانوي، وصارت هناك حاجة إلى دراسة 8 مواد من إجمالي 10 مواد، ويدرس طلاب البكالوريا 5 مواد فقط بدلا من 7 .
ظهرت بوادر الارتباك في سوق التعليم الموازي في مكتبات بيع الكتب الخارجية التي وجدت نفسها أمام سلع لن يقبل الطلاب على شرائها، انتظارا لإعلان المناهج الجديدة، كما أن كتب مواد الجيولوجيا وعلم النفس والفلسفة واللغة الفرنسية والألمانية بالنسبة لشهادة البكالوريا والأحياء والكيمياء والفيزياء للصف الأول الثانوي والرياضيات للصفين الثاني والثالث الثانوي غير صالحة للبيع بعد مصروفات طباعتها، ما يشكل خسارة فادحة لأصحاب المطابع، ودور النشر الخاصة وأصحاب المكتبات.
ويظهر تأثير الارتباك بشكل أقل حدة داخل مراكز الدروس الخصوصية التي تستوعب مئات الآلاف من الطلاب سنويا، لأن إلغاء بعض المواد يخفف الضغط عليها، كما أن المراكز، المرعوفة بـ”السناتر” التي تعاقدت مع مشاهير المعلمين تتعرض لخسائر كبيرة مع توسع عدد كبير منها في التجهيزات المناسبة لاستيعاب الطلاب، وتجهيز البنية التكنولوجية الملائمة للوصول إليهم في المحافظات المختلفة، ما يشي بأن الخسائر ستطال معلمين يقومون بتدريس المواد التي جرى إلغاؤها ضمن المجموع الأساسي.
قال عضو مجلس إدارة غرفة الطباعة والتغليف باتحاد الصناعات المصري (حكومي) أحمد جابر إن قرارات وزير التعليم بدمج وإلغاء عدد من المواد الدراسية، عرض عددا كبيرا من المطابع المتخصصة في نشر الكتب الخارجية إلى خسائر، والغرفة تبحث عن حلول للمطابع لتقليل حدة الأزمة بعد انتهاء عدد كبير من الاستعداد للعام الدراسي الجديد بطباعة كميات كبيرة من الكتب الخارجية.
وتعمل بمصر نحو 8 آلاف مطبعة تتخصص في جميع مشتملات الطباعة، أما بالنسبة لأعداد المطابع المتخصصة لطباعة الكتب فعددها يبلغ 150 مطبعة ودار نشر.
أكد محمد مصطفى صاحب إحدى مكتبات بيع الكتب الخارجية بمنطقة الفجالة في وسط القاهرة، أن الإقبال على شراء الكتب الخارجية تراجع بمعدل 60 في المئة عقب القرارات الأخيرة، في حين أن هذه الفترة هي ذروة موسم دور النشر الخاصة وأصحاب المكتبات، ويتم الاعتماد حاليا على مبيعات كتب المرحلة الابتدائية والإعدادية، لكنها تشكل أقل من نصف حجم تجارة كتب المرحلة الثانوية التي تتراوح أسعار الكتاب الواحد منها ما بين 300 و1000 جنيه (الدلوار= 48.5).
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الخسائر فادحة على الجميع وليس على سوق التعليم الموازي فقط، لأن إعلان المناهج الجديدة يواكبه تأليف كتب خارجية جديدة من المتوقع أن تبقى أسعارها مرتفعة، في محاولة لتعوض دور النشر والمطابع خسائرها، والوضع ذاته بالنسبة لأصحاب المكتبات، لافتا إلى أن أعدادا من دور النشر قررت مقاضاة وزارة التعليم لأنها حصلت على تراخيص الطباعة قبل تعديل المناهج.
أعباء مضاعفة
وجدت الحكومة المصرية نفسها أمام اتهامات تصوب إليها، لأن اندفاع أرباب الأسر المسؤولين عن 25 مليون طالب في مراحل التعليم الأساسي نحو التعليم الموازي جاء نتيجة تراجع مستوى التعليم الحكومي، في حين أن هؤلاء أصبحوا فريسة لسوق العرض والطلب وارتفاع معدل التضخم بشكل مستمر، وزيادة تكاليف الطباعة والورق والأحبار، ما يضاعف من الأعباء الملقاة على عاتقهم، ولعل ذلك كان دافعا نحو تقليص عدد الأسابيع الدراسية في السنوات الماضية.
وتسير الحكومة الآن في الاتجاه المقابل، لأن قراراتها تهدف إلى توجيه الإنفاق نحو المؤسسات التعليمية الحكومية أو ادخارها لأنشطة اقتصادية أخرى، لأن الأرقام متفاوتة بشأن حجم إنفاق الأسر على هذه الدروس سنويا وتحديدا مع التوسع في إنشاء مراكز التدريس التي تلتف على القوانين الحكومية، ويتم إنشاؤها بتصاريح صادرة من جمعيات أهلية غير خاضعة لنظم مراقبة مالية أو إشرافية من مؤسسات حكومية.
تشير إحصاءات رسمية إلى أن العام 2021 الذي شهد انتشار فايروس كورونا أنفقت الأسر ما يقرب من 136 مليار جنيه، فيما ذهبت تقديرات أخرى لجهاز التعبئة العامة والإحصاء صدرت بالعام 2020 إلى أن إجمالي إنفاق المصريين على التعليم بلغ 482 مليارا و247 مليون جنيه، ومتوسط الإنفاق السنوي للأسرة المصرية الواحدة على التعليم ما قيمته 18 ألفا و549 جنيها سنويا.
تعليم مواز
أوضح خبير الإدارة المحلية الحسين حسان أن مشكلات التعليم الحكومي تقود إلى تضخم التعليم الموازي، والصعوبات التي تواجهها الحكومة جراء سد عجز المعلمين مع تصاعد الرقم ليتجاوز نصف مليون معلم، وعجز أعداد المدارس التي تستوعب الطلاب مع الحاجة إلى بناء 250 ألف فصل دراسي، تجعل من التعليم الموازي أمرا واقعا، وفي حال جرى التضييق عليه فإن معدلات الأمية قد تأخذ في التصاعد.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المواطنين يقبلون على التعليم الأزهري، الأقل تكلفة من نظيره الحكومي، كما أن تعدد القرارات المرتبطة بطرق التدريس في مراحل التعليم المختلفة يخلق قناعة بأن الطلاب حقل تجارب، وحال سعت الحكومة لضرب السوق الموازي ستواجه مشكلات أكبر في مستويات الطلاب، في مراحل التعليم الأولى التي لا يكون فيها الاهتمام الكافي بجودة المعلمين.
ولفت إلى أن حجم تجارة التعليم الموازي أكبر كثيرا من الأرقام الرسمية المعلنة، وأن تقديم هدايا للطلاب تتمثل في سيارات فارهة وأجهزة محمول باهظة الثمن، ووصلت قيمة الإعلان الواحد على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي يتخذها المعلمون وسيلة لتعريف أنفسهم للطلاب إلى 2 مليون جنيه، بالتالي فحجم التجارة في اقتصاد غير رسمي ضخم للغاية وتحاول الحكومة ضبطه والسيطرة عليه عبر خلخلة المناهج.
وتوقع أن يذهب دخل المعلمين الذين فقدوا طلابهم نتيجة تحويل موادهم إلى مقررات رسوب ونجاح فقط، إلى مواد أخرى تشكل نسبة كبيرة من إجمالي المجموع في السنة الدراسية المرتبطة بشهادة البكالوريا.
كما أن انتشار المنصات الرقمية التي يتفاعل معها الطلاب وتحولت إلى بديل للمراكز سيكون من الصعب الوصول إليها جميعا، حال قررت الحكومة إغلاقها أو التضييق عليها، مثلما حدث الأيام الماضية في عدد من المحافظات.
ذكر أستاذ علم النفس التربوي بجامعة القاهرة عاصم حجازي أن قرارات وزارة التعليم فاجأت سوق التعليم الموازي، ولم يكن المسؤولون عنه على علم مسبق بما جرى، ما أحدث ارتباكا كبيرا، ووقوع أولياء الأمور فريسة لشراء كتب أو الحصول على حصص مواد تم إلغاؤها يقود إلى فقدان الثقة في المنظومة، خاصة الكتب الخارجية، في ظل قدرة المعلمين على التكيف مع أي تعديلات تقوم بها الجهات المسؤولة عن نظم التعليم، ويتمثل الأمر الإيجابي في محاولة ضبط انطلاق العام الدراسي في توقيت واحد دون استباق انطلاقه رسميا.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن من أسباب رواج التعليم الموازي ارتباطه بثقافة شعبية تولي اهتماما بالدروس الخصوصية على حساب المدرسة، وإن كان لدى الأخيرة جودة وحد أدنى يمكن الاعتماد عليه من المعرفة، مقابل عدم قدرة وزارة التعليم على تقديم كتب مدرسية تضاهي نظيرتها الخارجية، وهو سبب رئيسي في الفجوة الحالية، التي جاءت نتيجة غياب الثقة بين المواطنين ووزارة التعليم.
وأرسلت وزارة التعليم توجيهاتها إلى الإدارات في المحافظات المختلفة باتخاذ إجراءات صارمة ضد كل من مارس مهنة التدريس بشكل غير قانوني، وأوضحت أن هذا القرار يخص مراكز الدروس الخصوصية، مشددة على ضرورة تطبيق الإجراءات القانونية بحق من يمارسون التدريس أثناء الإجازات بلا راتب أو من تحصلوا على إجازات طويلة، في المراكز (السناتر) العامة أو مقراتهم الشخصية.