قايد صالح.. رحيل مفاجئ بمرحلة سياسية حرجة

الجزائر - قبل استكماله عامه الثمانين بأسابيع قليلة، توفي قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، رجل للنظام القوي، والذي يعد رحيله منعرجا هاما في مسيرة بلد خرج لتوه من عنق زجاجة أزمة استمرت أشهرا طويلة.
وفي آخر، ظهور إعلامي له، هنأ صالح "الجيش الجزائري، على إنجاحه للانتخابات الرئاسية، واختياره عبد المجيد تبون، الرجل المناسب والقادر على إخراج الجزائر من أزمتها.
وأثارت شخصية نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح، الجدل في الشّارع الجزائري خلال المرحلة الانتقالية، حيث ظل الأخذ والرّد في الأزمة الجزائرية منحصرا بين قيادة الأركان والحراك الشّعبي.
وكان يتولّى الفريق أحمد قايد صالح منصبين، أوّلهما مدني، بصفته نائبا لوزير الدّفاع، وعسكري بصفته قائدا لأركان الجيش بالبلاد ، وبرز اسم الرّجل خلال الفترة الأخيرة خاصة مع انطلاق الحراك الشّعبي، حيث اعتبر خطابه الذي وجّهه عشية استقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة بمثابة الضّاغط على الأخير لمغادرة قصر المرادية الرّئاسي.
وكان الفريق قايد صالح طالب بتطبيق المادة 102 من الدستور والتي تنص على إعلان شغور منصب الرّئيس في حالة الوفاة أو المرض، ليتم بعدها بساعات تقديم الاستقالة من قبل بوتفليقة الذي شغل منصب رئيس الجمهورية ووزير الدّفاع في نفس الوقت لعقدين من الزّمن.
وتمسك الفريق أحمد قايد صالح بإجراء انتخابات رئاسية، معتبرا إياها المخرج الوحيد للبلاد من الأزمة الدستورية والسياسية التي دخلتها منذ انقضاء فترة المرحلة الانتقالية لعبد القادر بن صالح، والتي حدّدها الدستور الجزائري بثلاثة أشهر كأقصى حد.
وطيلة أزمة سياسية عمرها 10 أشهر كان صالح يتنقل بين المناطق العسكرية في البلاد ويدلي بخطابات فاق عددها الـ50 خطابا حول تطورات الأزمة وموقف الجيش منها، وكان، حسب معارضين، أقوى رجل في النظام الحاكم ويعرقل التغيير الجذري فيه، فيما يقول أنصاره إنه "الرجل الذي حمى وحدة واستقرار البلاد، ووفى بعهده بقيادتها إلى غاية انتخاب رئيس جديد".
وتعكس تحركات قايد صالح في الفترة الأخيرة مساعيه الحثيثة لاستعادة أمجاد المؤسسة العسكرية، التي كانت تصنع القرارات الكبرى، وتفرض كلمتها على من يكون رئيس البلاد.
وحافظ صالح على المسار الدستوري للخروج من الأزمة والذهاب لانتخابات رئاسية، بدلا من إطالة عمر المرحلة الانتقالية خارج الأطر الدستورية، مثلما دعت إلى ذلك أطياف واسعة من المعارضة.
كما تعهد صالح في عدة خطابات بأنه لن يتسامح مع سقوط قطرة دم واحدة من المتظاهرين، وكذلك المساس بسير مؤسسات الدولة خلال الأزمة، كما نفى وجود طموح سياسي له ولقيادة الجيش في خلافة بوتفليقة.
نشأة عسكرية
الفريق قايد صالح، من مواليد 13 يناير1940، بمحافظة "باتنة" (شرق)، وشارك مجاهدا في ثورة التحرير (1954 ـ 1962) ضد الاستعمار الفرنسي.
وبعد استقلال البلاد في 5 يوليو 1962، واصل مسيرته في صفوف الجيش الوطني الشعبي، وشارك في حروب الشرق الأوسط التي من أهمها حرب عام 1967 ضد إسرائيل.
وتدرج قايد صالح في مراتب ومناصب بالجيش، لتتم ترقيته عام 1993 إلى رتبة لواء، ويعين عام 1994 قائدا للقوات البرية، في أوج الأزمة الأمنية أو ما بات يعرف بـ "العشرية السوداء".
وبعد رئاسيات أبريل 2004، عين الرئيس بوتفليقة، صالح قائدا لأركان الجيش، خلفا للفريق محمد العماري، الذي أحيل على التقاعد بعد دعمه منافس بوتفليقة في تلك الانتخابات، وهو رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس.
وتمت ترقية قايد صالح إلى رتبة فريق، في 5 تموز 2006، وكانت مؤشرا على قربه من الرئيس بوتفليقة، وقوة علاقة الرجلين.
وظل في منصبه قائدا لأركان الجيش إلى 11 سبتمبر 2013، ليصبح أيضا عضوا في الحكومة بصفته نائب وزير الدفاع، علما أن وزير الدفاع هو رئيس الجمهورية منذ 1999.
تصدر الفريق صالح المشهد الإعلامي بالفترة الأخيرة، ودخل في صدام مع الحراك الذي رفض إجراء انتخابات رئاسية
ويعتبر قايد صالح (قبل وفاته) المسؤول العسكري الوحيد الذي يحمل صفة مجاهد ورتبة فريق في الجيش، إضافة إلى قائد الحرس الجمهوري (الرئاسي) الفريق علي بن علي (قليل الظهور إعلاميا).
وسطع نجم الفريق صالح، وبات رقما بارزا في واجهة نظام الحكم اعتبارا من أبريل 2013، بعد إصابة الرئيس بوتفليقة بجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة ومخاطبة شعبه، واستغل ذلك الظرف للعب دور محوري في سياسات البلاد المستقبلية.
وبعد أشهر من وعكة الرئيس الصحية، ظهر صالح رفقة بوتفليقة، ورئيس الوزراء الأسبق عبد المالك سلال، بمستشفى "فال دو غراس" العسكري الفرنسي، وفسرت الصورة بأن الرجل محل ثقة غير مسبوقة من الرئيس.
ومنذ ذلك الحين، تصدر الفريق صالح المشهد الإعلامي في البلاد، وتحول إلى أحد أنشط رجالات الحكم بزيارات ميدانية متواصلة، ومناورات عسكرية دورية في البحر والجو والصحراء.
وصار حاضرا بشكل شبه يومي في نشرات التلفزيون الحكومي، سواء من خلال نشاطاته، أو عبر بيانات الجيش حول حصيلة أنشطته في مكافحة الإرهاب، والتصدي للجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات، والهجرة غير النظامية.
تفكيك المخابرات القديمة
ولعب صالح دورا محوريا في تفكيك الحرس القديم في جهاز المخابرات، والإطاحة بالجنرال القوي محمد مدين، المدعو توفيق، رئيس جهاز المخابرات من 1990 إلى سبتمبر 2015.
وفي 13 سبتمبر 2015، أحال بوتفليقة، الفريق محمد مدين، رئيس جهاز الاستخبارات إلى التقاعد، أحد أكثر جنرالات البلاد نفوذا، وعين مكانه مستشاره للشؤون الأمنية عثمان طرطاق.
ومنذ الإطاحة بقائد المخابرات السابق، كان صالح رقما مهما في تغييرات شملت تنظيم المخابرات (الأمن الداخلي والخارجي والأمن الرئاسي)، وإقالات وتعيينات مست لاحقا قادة النواحي العسكرية الست في البلاد.
ومنذ بزوغ نجم صالح سنة 2013، كان هدفا لهجمات متكررة من الإعلام الفرنسي، الذي وصفه في عديد المرات بكونه يمثل في نظام الحكم جناحا مناهضا لفرنسا.
ودأب الفريق صالح منذ سنوات على تكرار عبارة "الاستعمار الفرنسي الغاشم وممارساته الوحشية ضد الشعب الجزائري"، في خطاباته وزياراته الميدانية.