قانون الجمعيات الأهلية لم يبدد مخاوف المجتمع المدني في مصر

حقوقيون يرون صعوبة في بناء الثقة المتبادلة مع استمرار التضييق على العمل الأهلي.
الخميس 2022/02/17
التضييق الأمني على النشطاء مستمر

القاهرة - تمثل الحريات وحقوق الإنسان في مصر منغصا لحكومتها، حيث تستثمر بعض الدول والمنظمات الغربية هذه الورقة للضغط عليها سياسيا، وهو ما جعل القاهرة تسعى لسد الثغرة بقانون جديد يلبي تطلعات العاملين في مجال العمل الأهلي.

وهدفت الحكومة من وراء إصدار قانون الجمعيات الأهلية الذي دخل حيّز التنفيذ منذ عام إعادة بناء الثقة مع المجتمع المدني وعقدت حوارات مع منظمات حقوقية لخروج لائحته التنفيذية للنور، غير أن عدم إقدام أكثر من نصف الجمعيات المسجلة في مصر على توفيق أوضاعها حتى الآن يبرهن على أن الثقة مازالت مفقودة بين الطرفين وأن القانون الجديد لم يبدد مخاوف المجتمع المدني.

وناشد الاتحاد العام للجمعيات الأهلية (حكومي) الاثنين الجمعيات والمنظمات الحقوقية بتقديم أوراقها للجهات المعنية بعد أن قررت الحكومة مد مهلة توفيق الأوضاع عاماً إضافيًا لتنتهي في يناير المقبل، في خطوة هدفت إلى التأكيد أن هناك رغبة ليكون عمل الجمعيات وفقًا لإطار قانوني محدد لعدم الدخول في مشكلات جديدة مع المجتمع المدني، حال غلق المنظمات المخالفة للقانون وتصفيتها.

وتشير تقديرات حكومية إلى أن 28 ألف جمعية أهلية تمكنت من تسجيل أوراقها بصورة نهائية بعد استيفاء الشروط المنصوص عليها من إجمالي 53 ألف جمعية ومنظمة حقوقية تعمل في مصر، وسط اعتراضات من منظمات حقوقية طالبت بإدخال تعديلات أخرى على القانون الجديد الذي جاء بديلاً للقانون رقم 70 للعام 2017 والذي حظي برفض واسع على المستويين الداخلي والخارجي في حينه.

نجاد البرعي: الحكومة تسعى لتكون حاضرة في خطوات الجمعيات

وأرجعت مصادر حكومية لـ”العرب” أسباب التأخير لمشكلات تقنية وتنظيمية مرتبطة بطريقة التقديم بجانب الأخطاء التي وقعت فيها أكثر من أربعة آلاف جمعية ومنظمة حقوقية تقدمت بأوراق غير مستوفاة.

وأبدت الحكومة رغبتها في إتاحة المزيد من الوقت للتسجيل على مدار هذا العام الذي من المتوقع أن يشهد انفراجة على مستوى إتاحة العمل الأهلي تزامناً مع إعلانه عامًا للمجتمع المدني أيضا.

ويرى خبراء حقوقيون صعوبة وجود علاقة تقوم على الثقة المتبادلة بين غالبية الجمعيات والحكومة في ظل استمرار التضييق على عمل المجتمع المدني، ويبرهن هؤلاء على ذلك باستمرار حبس عدد من النشطاء وعدم الاستجابة للإفراج عنهم.

ومازالت ثمة فجوة بين الحكومة التي تنظر إلى المجتمع المدني باعتباره أداة داعمة لخططها يجب أن تسير في إطار عام ترسمه لخدمة أهدافها التنموية والاجتماعية، وبين رؤى العديد من الجمعيات التي ترفض الانصياع لتوجيهات رسمية تحول دون احتفاظها باستقلال يساعد على تحقيق أهدافها في المجالات التي تعمل بها.

وينظر حقوقيون إلى ما تسميه الحكومة بأنه “إطار تنظيمي” لعمل الجمعيات والمنظمات الحقوقية على أنه تضييق مباشر لعملها، وأن مساعيها للتعرف على مسارات التمويل وآلية صرفها ووضعها خطوطا حمراء بشأن جملة من الملفات المحظور الاقتراب منها يعد بمثابة تقييد لقدرتها على القيام بدورها.

وقال مصدر حقوقي لـ”العرب”، طلب عدم ذكر اسمه، إن الحكومة المصرية مازالت تبعث إشارات سلبية مفادها أن المجتمع المدني سيكون خاضعاً لرؤى أمنية بعيداً عن الالتزام بالقانون، وأن حملات التضييق التي تطال منظمات حقوقية والتي دفعت أخيراً “الشبكة العربية لحقوق الإنسان” إلى توقيف نشاطها، تجعل هناك مخاوف من نتائج الإقدام على إعادة توفيق الأوضاع.

وأضاف المصدر ذاته أن القانون الجديد بالرغم من كونه ألغى عقوبة الحبس على المخالفين، غير أن الكثير من الحقوقيين يخضعون لقانون العقوبات الذي يتيح إمكانية القبض عليهم لأسباب متعددة، وبالتالي فالعمل بحرية يبقى محل شكوك تدفع بعض المنظمات إلى إعادة التفكير في عملها داخل مصر، ولذلك من المتوقع وجود انخفاض ملحوظ في عدد الجمعيات العاملة مع تطبيق القانون الجديد.

وتعددت مطالبات الحقوقيين بضرورة إدخال تعديلات على المادة 15 من القانون التي “تحظر على الجمعيات ممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومي”، باعتبارها مفردات غير محددة ويُخشى أن يُترك تفسيرها لتقدير موظفي الجهة الإدارية فتجد أيّ جمعية نفسها تحت طائلة القانون أو عُرضة لعقوبات مشددة.

ويريد هؤلاء من الحكومة إعادة النظر في المادة الخاصة بحظر “إجراء استطلاعات الرأي أو نشر أو إتاحة نتائجها أو إجراء بحوث ميدانية أو عرض نتائجها دون الرجوع إلى الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للتأكد من سلامتها وحيادها وتعلقها بنشاط الجمعية، وإلا تعرضت الجمعية إلى عقوبات مالية باهظة”.

وتعتبر جمعيات أهلية تلك المادة عائقًا أمام تأدية مهامها لأن الأبحاث الميدانية واستطلاعات الرأي تشكل ضلعاً رئيسيًا في عملها لمعرفة احتياجات الفئة المستهدفة أو قياس أثر البرامج التي تقوم بها الجمعية على المستفيدين، لأن كل جمعية تخضع أصلاً لرقابة الجهة الإدارية متمثلة في وزارة التضامن الاجتماعي.

وأوضح الناشط الحقوقي نجاد البرعي أن القانون في حاجة إلى المزيد من الوقت لإنزاله على الأرض ومراقبة تطبيق بنوده، ومن السابق لأوانه المطالبة بإدخال تعديلات على مواده، وتجعل حالة فقدان الثقة بين الأطراف المختلفة نوعا من الارتباك على مستوى إعادة توفيق أوضاع الجمعيات الأهلية، وأن الحكومة والجهات الحقوقية التابعة لها عليها أن تقوم بدور مشجع كي تعمل في الإطار القانوني.

الاتحاد العام للجمعيات الأهلية يناشد الجمعيات والمنظمات الحقوقية بتقديم أوراقها للجهات المعنية بعد أن قررت الحكومة مد مهلة توفيق الأوضاع عاماً إضافيًا

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الحكومة مطالبة بتسهيل المعوقات التنفيذية التي تقف حائلاً أمام قدرة بعض الجمعيات على توفيق أوضاعها، وتنظر إلى المشكلات الإلكترونية التي واجهت العديد منها واستغلال حالة إجماع الجزء الأكبر من الجمعيات على الرغبة في العمل بشكل قانوني.

ولخص نجاد البرعي المشكلة الراهنة في أن الحكومة تسعى لتكون حاضرة في كل خطوة تخطوها الجمعيات الأهلية داخل البلاد، وتتخلص من حالة السيولة السابقة التي دفعت لتوظيف بعض المنظمات والجمعيات بصورة سياسية، في حين أن الحقوقيين يرون أن ذلك أحد أشكال السيطرة المرفوضة.

وتحتاج الأجواء العامة المحيطة بتنفيذ القانون إلى إجراءات حكومية أكثر فاعلية بما يدعم الثقة مع منظمات المجتمع المدني، وهو أمر لم يتحقق حتى الآن في ظل استمرار حالات الحجز على أموال بعض النشطاء وحظر سفر البعض منهم إلى الخارج حيث جرى وضعهم على ذمة أكثر من قضية حقوقية.

وعلى الهيئات الحقوقية أن تتجاوز الخلافات السياسية مع الحكومة وتنخرط في ممارسة نشاطها وفقًا للقانون الجديد وتترك مسألة التقييم ليكون بناء على حجم الصعوبات التي تواجهها في أثناء عملها، فمضي أكثر من عام على إقرار القانون في غياب تقييم مدى إيجابيات القانون أو سلبياته يبرهن على قصور في أداء الجمعيات الأهلية وليس الحكومة.

7