في قلب المأزق: داعش يسعى إلى إثبات وجوده في النيجر

الجماعات الإرهابية في النيجر تتوجه نحو فرض ممارسات أكثر دموية في المنطقة ولا يُستبعد أن تقوم بتأسيس إمارة لها في المناطق الحدودية مع البلد الساحلي.
الخميس 2021/03/25
خصوصيات جغرافية وسكانية تعسر مكافحة الإرهاب

نيامي- تجد دولة النيجر نفسها بعد وصول الرئيس الجديد محمد بازوم إلى السلطة بعد انتخابات وصفت بـ”النزيهة” في مواجهة أكبر تحدّ لها على الإطلاق وهو خطر الجهاديين المستمر، حيث تشير الأرقام إلى أن أكثر من مئتي شخص قتلوا وأصيب أكثر من 137 آخرين جراء عدة هجمات في غضون أسبوع تقريبا، ضمن موجة اعتداءات دأب داعش على القيام بها.

ويسعى فرع تنظيم داعش في أفريقيا على ما يبدو إلى إثبات وجوده أكثر في النيجر إحدى دول الساحل والصحراء مستغلا في ذلك مجموعة من العوامل التي قد تكون ملائمة للجهاديين لكي يثبتوا أقدامهم هناك، لاسيما مع وجود جماعات أخرى تنشط في تلك المنطقة منذ سنوات.

ليس من المستبعد أن يؤسس داعش إمارة في منطقة الحدود الثلاثة نتيجة الارتباك الأمني

وخلال الأيام القليلة الأخيرة استهدف مقاتلو التنظيم قرى قريبة من مالي، كما شنوا هجمات على سيارات عائدة من السوق الأسبوعية في منطقة بانيبنغو، وكذلك استهدفوا بلدة داري – داي وقتلوا سكانا وأحرقوا سيارات ومخازن الحبوب، ما طرح تساؤلات حول الإستراتيجية الأمنية التي يمكن أن تتبعها نيامي لإيقاف هذا المد المتنامي.

والمناطق المستهدفة تقع في تاهوا القريبة من تيلابيري الواقعة بمنطقة معروفة بـ”الحدود الثلاثة” عند تخوم النيجر ومالي وبوركينا فاسو التي تتعرض بانتظام لهجمات الجهاديين. ويقول متابعون إن جهود النيجر لاحتواء داعش يبدو أنها ستواجه صعوبات أكبر، حيث تنسحب قوات الأمن بشكل متزايد من المناطق الحدودية سهلة الاختراق.

وتعكس هذه المجازر التي يشنها المتطرفون ضد السكان بين الفينة والأخرى حالة الهشاشة الأمنية في منطقة الحدود مع مالي وبوركينا فاسو، كما أنها تعطي لمحة عن توجه الجماعات الإرهابية خلال العام الجاري نحو فرض ممارسات أكثر دموية ضد أي مقاومة للسكان المحليين لسلطتهم.

وقد اجتاحت أعمال عنف المتطرفين الإسلاميين أجزاء كبيرة من الساحل بغرب أفريقيا، المنطقة القاحلة التي تقع جنوبي الصحراء الكبرى منذ العام 2017 عندما نصب مسلحون مرتبطون بتنظيم داعش كمينا وقتلوا أربعة جنود أميركيين في النيجر.

الجماعات الإرهابية تتجه نحو فرض ممارسات أكثر دموية ضد أي مقاومة للسكان المحليين

ولدى خبراء أمنيين رؤية حول ما يحدث، إذ يعتقدون أن افتقار تيلابيري إلى القيادة المحلية وآليات السلام والعلاقات القوية مع السلطات في نيامي سمح بتفاقم الخصومات العرقية واستمرار الهجمات. وقد كسبت الجماعات المتشددة مجندين من بين السكان المحليين المستائين الذين يعتقدون أن الدولة تخلت عنهم.

وتقول المحللة في مجموعة الأزمات الدولية هانا أرمسترونغ إن هناك خطورة على المسؤولين المحليين بتيلابيري في الاتصال بالدولة لأن شبكات مخابرات المتشددين متطورة للغاية، حيث يتم التنصت على مكالماتهم واجتماعاتهم.

ولا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الأمر بوضوح أكثر من بلدة إيناتيس الحدودية، فقد قتل مسلحون أكثر من 70 جنديا في هجوم على معسكر في ديسمبر الماضي. ويقع جزء كبير من المنطقة المحيطة تحت سيطرة المتطرفين بينما لاذ الكثير من سكانها بالفرار.

وتخوض النيجر التي تعد من أفقر الدول الأفريقية حربا على جبهتين، الأولى من الجهة الغربية في مواجهة داعش وتنظيم القاعدة ممثلا في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين. والثانية من الجهة الجنوبية الشرقية بالقرب من بحيرة تشاد في مواجهة جماعة بوكو حرام في شمال شرق نيجيريا، وأيضا تنظيم داعش في غرب أفريقيا.

الجماعات المتشددة كسبت مجندين من بين السكان المستائين الذين يعتقدون أن الدولة تخلت عنهم

وأدى تراجع جيش النيجر أمام ضربات الجماعات المسلحة شرقا وغربا إلى نزوح قرابة نصف مليون مواطن، منهم 160 ألف بالمنطقة الغربية، في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 23 مليونا، 40 في المئة منهم يعيشون في فقر مدقع.

ورغم أن النيجر سمحت بإقامة أكبر قاعدة جوية أميركية للطائرات بدون طيار في منطقة الساحل على أراضيها، إلا أن ذلك لم يحقق النصر على التنظيمات الإرهابية التي وضعتها بين كفي كماشة.

كما أن فرنسا تملك قواعد عسكرية بالنيجر التي استقلت عنها في 1960، ولم يمنع ذلك من ازدياد الهجمات الإرهابية على البلاد رغم قيادتها لتحالف مجموعة الخمسة وهي النيجر ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو وتشاد في مواجهة داعش والقاعدة.

واشتركت النيجر كذلك في تحالف آخر من خمس دول لقتال جماعة بوكو حرام المتشددة في منطقة بحيرة تشاد تحت اسم “القوّة الأفريقية المشتركة” التي تضم كلا من الكاميرون ونيجيريا وتشاد وبنين.

وبالإضافة إلى ذلك تشارك النيجر في تحالف دول الميدان الذي تقوده الجزائر، والذي يضم إلى جانب النيجر كلا من مالي وموريتانيا وبوركينا فاسو، والذي يهدف إلى تنسيق الجهود الأمنية والعسكرية في قتال الجماعات الإرهابية كلٌ داخل أراضيه، على عكس التحالفات الأخرى.

ومع ذلك فإن كل هذه التحالفات العسكرية والأمنية لم تمنع الجماعات الإرهابية من توجيه ضربات خلفت الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من النازحين منذ العام 2010، ولذلك لا يستبعد متابعون أن يحاول داعش تأسيس إمارة له في منطقة الحدود الثلاثة، إن لم تتمكن دول المنطقة بدعم دولي من إفشال هذا المخطط.

6