في انتظار فولتير جديد

نعم يحتاج هذا العالم الغارق في تخلفه وسباته وحروبه وفساده إلى فولتير قادر على وضع تصور جديد للعالم بعيدا عن تجار الوطنية الزائفة، متخلصا من تجار الدين الذين أرعبوا العالم وشوهوا كل شيء جميل فيه.
الأحد 2018/09/23
فولتير جديد لزحزحة ورجّ مستنقع العالم العربي والمغاربي

معركة التنوير معركة طويلة وشاقة في زمن عربي ومغاربي غاب فيه العقل وطغت الخرافة، غاب فيه العلم وعمّت الدروشة، في زمن غاب فيه الكتاب وطغت فيه ثقافة حمقى الفيسبوك كما وصفهم أمبرتو إيكو.

العالم العربي والمغاربي والإسلامي بشكل عام يحتاج إلى فولتير جديد، مثقف صادم، مُخلخل للمستنقع، مثقف الرأي الشجاع، الذي لا يؤله ولا يزار للبركة بل الذي يقرأ اليومي في انهياراته الخطيرة، انهيارات تمس التعليم والدين والاقتصاد والثقافة، نحتاج إلى فولتير جديد قادر على هدم البنية الخرافية التي تأسس عليها العقل في بلاد الإسلام، إذا كان هناك عقل بالأساس؟

لقد حوصر المواطن في البلدان العربية والمغاربية بخطابات دوغمائية ثابتة تدور كأسطوانة مشروخة منذ الخمسينات، دون تغيير، خطابات أو “خطب” تتراوح ما بين الوطنية المزكومة والسلفية منتهية الصلاحية والعسكرياتية المدججة بدبابة صدئة، خطابات مؤسسة على الغضب، معتصمة بنظرية “المؤامرة الأجنبية” و”الخوف من الآخر”، خطابات وخطب تبحث عن إبقاء الشعوب في سجن بجدران اسمها حدود البلد، خطابات وخطب تُكرِّس إغراق المواطن منذ المدرسة في غيبوبة خطب الفقهاء والأئمة القادمة من زمن قريش وخصومها وأتباعها، خطابات وخطب تبحث عن إقناع المواطن بإمكانية مواجهة العدو بعقلية حرب داحس والغبراء، أين العدو وأين الصديق؟

نعم يحتاج هذا العالم الغارق في تخلفه وسباته وحروبه وفساده إلى فولتير قادر على وضع تصور جديد للعالم بعيدا عن تجار الوطنية الزائفة، متخلصا من تجار الدين الذين أرعبوا العالم وشوهوا كل شيء جميل فيه، وإلا سنظل ندور في حلقة مفرغة، نخرج من أزمة لندخل في أخرى، نخرج من سلطة دكتاتور ببزة عسكرية أو بعباءة دينية إلى آخر ببزة عسكرية أو بعباءة دينية.

ما في ذلك شك بأن عصر داعش قد أفل نجمه أو يكاد، عصر داعش بمفهومه العسكري قد ولى، وقد خسر داعش وشركاؤه وصناعه معركتهم العسكرية، ولكن مع ذلك فداعش ليس حربا عسكرية وفقط، إنه مثل الأفعى الأسطورية يعيش بسبعة رؤوس، فقد يتم القضاء على واحد لتتحرك البقية في الوقت المناسب، علينا أن نعترف بأن الفكر الداعشي معشش في مؤسساتنا التربوية والجامعية والإعلامية، فكلما قضي على داعشي في ساحة المعركة العسكرية، اعلم بأن له عشرة يعوضونه تتم صناعتهم في مؤسسات الدولة التعليمية وفي المدارس القرآنية التابعة لبعض الجمعيات الإسلامية التي هي عبارة عن مصانع لتعليب البشر وتغسيل العقول، ولكي تعرف مدى حجم وجود جنود احتياط داعش في المجتمع الثقافي والتربوي والجامعي عليك أن تطرح أربع قضايا لتتحرك على الفور خلاياهم النائمة: أولاها “حرية المرأة” وعلى الفور تجدهم يتكالبون وهم يعرضون ثقافتهم السلفية المعادية لحرية المرأة ولإنسانيتها ببلاغة دينية مشبوهة ومنتقاة، وثانيتها “اليهود” لتظهر مباشرة العداوة الدينية وثقافة اللاتسامح حيث يخلطون ما بين إسرائيل كاستعمار استيطاني للأراضي الفلسطينية واليهودية كعقيدة سماوية يؤمن بها كثير من البشر على هذه الأرض ومنذ ثلاثة آلاف سنة، وثالثتها “الحرية الفردية” إذ تعلو أصواتهم بسباب ضد المجموعات الاجتماعية (كالمثلية وغيرها) ويطالبون بتجريد المنتسبين إليها من حقوقهم وحتى من حقهم في الحياة، ورابعتها “الغرب” ليصرخوا جميعهم بأن هذا “الغرب” هو العدو الكافر وأنه سبب مصائب العالم العربي والمغاربي والإسلامي ناسين بأنهم يركبون سياراته ويتبردون بمكيفاته ويأكلون ما تنتجه أيادي أبنائه، ويداوون في مستشفياته.

إن داعش موجود ومتواجد في بنية العقل التربوي، ومصانع داعش منتعشة الإنتاج فهي تخرّج سنويا عشرات الآلاف من المدارس والجامعات، لذا فمحاربة هذه المصانع لا يكون إلا بإعادة النظر في البرامج المدرسية والجامعية، وأن تكون لنا الشجاعة في تطهير تراثنا الديني من كل ما هو مخلّ بالحياة.

إن المجتمع الذي يسمع ويقرأ فيلسوفه، الذي يقرأ ويسمع شاعره، الذي يحترم قيمة “العمل”، الذي يحترم حرية الآخر، مجتمع قادر على محاصرة آفة الإرهاب والتعصب. أمام هذا الانهيار والخراب الاجتماعي والثقافي والسياسي نحن بحاجة إلى فولتير جديد لزحزحة ورجّ مستنقع العالم العربي والمغاربي.

10