فيلا كازامور هويّة المعمار المغاربي في فرنسا

طابع معماري شرقي قائم على مجموعات القناطر والأرابيسك والمشربيات والنوافذ الضخمة ذات الزجاج الملوّن.
الاثنين 2021/11/08
شاهد عربي على أبواب جبال الألب

توثّق الفنون للروابط الحضارية بين الشعوب، فالفن المعماري يمتد وينتشر على مر العصور دون أن تعيقه الحدود والحواجز الجغرافية لأنه ينتقل بشغف المبدعين به، ومثال ذلك فيلا كازامور المطلة على جبال الألب الفرنسية والتي ما زالت شاهدة على أن الفنون تؤلف بين الشعوب.

غرونوبل (فرنسا) - على مقربة من مدينة غرونوبل، في جنوب شرق فرنسا، تقع فيلا كازامور ذات الهندسة المعمارية المغاربية الطابع، وهي تحفة صُممت في القرن التاسع المولع بالشرق، انتقلت من يد إلى يد، وأنقذتها مالكتها كريستيان غيشار من الدمار، إذ انتزعت عام 1986 تصنيفها معلما تاريخيا، وعملت على مدى أربعة عقود على ترميمها، واضعة نصب عينيها “تحديا مزدوجا يتمثل في إنقاذها وإحيائها من خلال الإبداع”.

ولاحظت الستينية الملقّبة بـ”سيدة كازامور” أن الفيلا الواقعة منذ العام 1855 على المنحدرات الأولى لسلسلة جبال لاشارتروز في سان مرتان لو فينو “كانت منذ البداية نابضة بالحياة”، وشكّلت “مكانا ثالثا” أي نقطة التقاء تجمع الناس.

وتبدو فيلا كازامور مميزة في هذه المنطقة الواقعة ما قبل جبال الألب، ومتأنقة بطابعها المعماري الشرقي القائم على مجموعات القناطر والأرابيسك والمشربيات والنوافذ الضخمة ذات الزجاج الملوّن.

وهذه الفيلا التي تحتضن الكثير من الفنانين والجمعيات الثقافية، تطل على حدائق مدرّجة مزينة بالنباتات غير المألوفة والساعات الشمسية.

وبالإضافة إلى طابعه المختلف عن السائد محليا، فإن المنزل يبهر أيضا بالإسمنت المصبوب أو “الذهب الأبيض” الذي استُخدم في بنائه، وهي تقنية كانت تُعتبَر “ثورية” في ذلك الوقت، على ما شرح خبير حفظ المعالم التاريخية دومينيك بير.

وأوضح في كتاب عن فيلا كازامور أن “القرن التاسع عشر أنتج أعمالا إبداعية مذهلة في مجال الهندسة المعمارية”.

ولكن ماذا أتى بقصر شرقي إلى ضواحي غرونوبل؟ يعود السبب إلى السياق العام للحقبة التي شيّد خلالها القصر، بحسب ياتريس بيس، المؤرخة في مجال الفن ومؤلفة رواية تاريخية صدرت أخيرا تحكي مسيرة مصمم هذه الفيلا وهو تاجر من غرونوبل يُدعى جوزيف جوليان المعروف بكوشار.

ففي منتصف القرن التاسع عشر، عندما بُني، كانت أوروبا الغربية تشهد مرحلة تخمّر فكري وسياسي وصناعي مكثف.

وشرحت أن المرحلة التي أعقبت رحلة بونابارت الاستكشافية إلى مصر اتسمت بأن “كل ما يتعلق بهذا البلد أصبح مرغوبا”.

وتأثرت غرونوبل تحديدا بهذه الموجة، إذ كان يعيش فيها عالم المصريات جان فرنسوا شامبليون والعالم جوزيف فورييه.

وانعكس هذا الاندفاع لما هو شرقي على العمارة، فكان مصدر إلهام للكثير من الإنشاءات، لا تزال قلّة منها قائمة، في حين كان الهدم مصير عدد كبير، لاعتبارها غير ذات أهمية أو بفعل التوترات السياسية المتصلة بحرب الجزائر في ستينات القرن العشرين.

ومع أن غموضا يكتنف حياة كوشار، من المؤكد أنه لم يسافر قطّ إلى الشرق، ولكنّه أراد من خلال إقامة الفيلا على هذا الطراز غير المألوف في المنطقة بحسب بيس، “إبهار المجتمع البرجوازي في غرونوبل وتكوين سمعة لنفسه”.

لكن لسوء حظه، بعد 23 عاما من الأشغال، أفقرته زوجته الثانية انتقاما لخيانته لها، وكان مثقلا بالديون، فاضطر إلى وقف الأشغال بالقصر قبل أن يفارق الحياة.

وتعاقَب على ملكية الفيلا أكثر من شخص، وراح وضعها يتراجع، فكانت على مدى 25 عاما مقرا لمصنع للجبن، وتسارعت وتيرة تدهورها عندما أقام فيها مشردون في ستينات وسبعينات القرن العشرين.

ولم تكن الفيلا سوى كومة من الخراب عندما اشترتها كريستيان غيشار عام 1981، ما أثار استياء رئيس البلدية في ذلك الوقت. وقالت غيشار “كان يفضّل إقامة مبنى صغير بدلا منها (…) وقد وجدت ذلك صادما”.

ورغم كونها مصنفة معلما محميا وحائزة على جوائز معمارية عدة، لا تزال هذه الفيلا اليوم محاطة بمستودعات قديمة يتكون جزء منها من مادة الأسبستوس، ما دفع المالكة إلى عدم تطبيق القوانين.

ورغم ذلك، يجذب المنزل الزوار من خلفيات متنوعة جدا، ومنهم مثلا شابتان حضرتا أخيرا لتصوير مقطع من موسيقى “كي-بوب” لغرض استخدامه في تحدّ على الشبكات الاجتماعية. وقالت “سيدة كازامور” إن هذه الفيلا هي بمثابة “مصدر إلهام”.

20