فولكسفاغن تتوقف عن تصنيع سيارة الشعب

شركة فولكسفاغن الألمانية تعلن عزمها عن وقف صناعة سيارة بيتل الكلاسيكية الشهيرة العام المقبل، لتطوي بذلك صفحة واحدة من أكثر السيارات المحبوبة في العالم.
الاثنين 2018/09/17
ألوان وموديلات لسيارة واحدة

في زمن تتهاطل فيه موديلات السيارات وتصاميمها المتشابهة، مازالت سيارة البيتل والتي تحمل أسماء متعددة في بلدان العالم تنفرد بتصميمها وقوتها، إلا أن قرار شركة فولكسفاغن بوقف إنتاجها يحيلها إلى سوق الأنتيكة.

في مفاجأة صدمت كثيرين، أعلنت شركة فولكسفاغن الألمانية عزمها وقف صناعة سياراتها المعروفة في العراق باسم الركة (السلحفاة) الكلاسيكية الشهيرة العام المقبل، لتطوي بذلك صفحة واحدة من أكثر السيارات المحبوبة في العالم، التي بدأ إنتاجها في عهد زعيم النازية أدولف هتلر.

وستستغني فولكسفاغن عن إنتاج سيارة “الركة” ذات الشكل المقوس الشهير والأضواء الدائرية لكي تركز، بصفة أكبر، على إنتاج سيارات كهربائية وعربات أخرى كبرى بحجم عائلي. وقال مسؤول كبير في الشركة، إنه من الطبيعي أن يثير هذا التوقف مشاعر عارمة لدى عشاق السيارات، الذين اعتادوا عليها لأكثر من سبعة عقود.

ومازالت تجارة سيارة الركة المستعملة تروج على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، بنحو واسع، في العراق والأردن وبلدان أخرى، ما يشير إلى أن عشاق هذا النوع من السيارات مازالوا موجودين بكثرة.

يتذكر المهندس عبدالجواد حسين، في حديث لـ”العرب” أنه استقل سيارة فولكسفاغن سنة 1975، بعد أن خصصتها له الشركة العامة للمقاولات التابعة إلى رئاسة الجمهورية، حينها، والتي عمل فيها مهندسا ومديرا لأحد مشاريعها النائية.

ويشرح مزايا السيارة قائلا “تمتلك الفولكسفاغن مواصفات جيدة وقدرة على عبور الأنهر الصغيرة دون نفاذ الماء إلى داخلها بسبب قدرتها في تلك الظروف، كما أن قدرتها عالية في المناورة والاستدارة بزوايا حادة وخصوصا أثناء الصيد، إذ جربت ذلك في مطاردة ثعلب ماكر”.

وأشار إلى أن الأجزاء الميكانيكية السفلية لهذه السيارة محمية بغطاء معدني مما يسهل عملية الغطس في الماء وحمايتها من الصخور، كما أن محركها بسيط وأجزاءها متينة، ويمكن فتح جميع هذه الأجزاء بمفتاح واحد، فضلا عن أنه يمكن قلب إطاراتها باتجاه معكوس لتعطي عرضا لقاعدتها يمنع انقلابها عند المناورة والاستدارة الحادة.

غراف

ومن أشهر من اقتنى سيارة الفولكسفاغن موديل 1987 واستعملها رئيس الأوروغواي خوسيه موخيكا، الذي أطلق عليه لقب أفقر رئيس في العالم لزهده وتواضعه، وامتلكها أيضا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بعد انقلاب 8 فبراير 1963، واستعملها في مهمات حزبية كتوزيع المنشورات ونقل الأسلحة والعتاد بين الأوكار الحزبية. وبعد اعتقاله في 4 سبتمبر 1964 استخدمها ابن خاله عدنان خيرالله (الفريق الركن نائب القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع، في ما بعد).

وذكر برزان إبراهيم الحسن في مذكراته، التي سطا عليها الأميركان، بعد احتلالهم العراق سنة 2003 ونشروها، أنه استخدم هذه السيارة في نقل الأسلحة والمشاركين في انقلاب 17 يوليو 1968، وهذه السيارة نفسها عرضت في متحف حزب البعث، ولكنها سرقت خلال الغزو الأميركي للعراق سنة 2003.

ويقول الباحث صباح الشيخ “بعد أن حرر صدام حسين نفسه من الاعتقال في حادثة مطعم الجندول المعروفة، وبالتنسيق المسبق مع سعدون شاكر الذي كان ينتظره في أحد أزقة منطقة البتاوين والقريب من الباب الخلفي للمطعم، واصل تحركه بمتابعة التنظيم وتنقلاته بين أوكار الحزب في مناطق الكرخ والأعظمية وحي دراغ، مستخدما سيارة الفولكسفاغن تلك”.

وفي السياق نفسه، يروي الصحافي العراقي مليح صالح شكر أن القيادي البعثي السوري صلاح جديد كان يستخدم سيارة فولكسفاغن في جميع تنقلاته الرسمية إلى أن اعتقله حافظ الأسد في 16 نوفمبر 1970، مؤكدا أنه لم يشاهده يستقل غيرها.

وكان رئيس الوزراء العراقي الأسبق ناجي طالب يمتلك سيارة  فولكسفاغن وأخرى مرسيدس ولكنه كان يركن المرسيدس في البيت ويستعمل الفولكسفاغن، كما أن فؤاد الركابي السياسي العراقي ومؤسس القيادة القطرية لحزب البعث في العراق في 24 يوليو 1958، كان يملك سيارة منها، وبعد اعتقاله واغتياله في السجن رفضت زوجته سلوى ابنة السياسي العراقي محمود الدرة استخدامها تطيرا منها.

ويذكر أن مدير التحقيقات الجنائية في العهد الملكي بهجت العطية اشترى سيارات فولكسفاغن لمنتسبي المديرية لقدرتها على مطاردة المتظاهرين المعارضين في الأزقة والشوارع الضيقة المتفرعة عن شارع الرشيد في قلب بغداد، والذي كانت التظاهرات لا بد أن تمر منه بصفته الشارع الرئيسي في العاصمة.

 أيقونة تنتهي إلى خردة
 أيقونة تنتهي إلى خردة

وامتلك سيارة من هذا النوع صالح اليوسفي، القطب في حزب الملا مصطفى البارزاني والوزير في الحكومة العراقية بعد توقيع بيان 11 آذار، ولكنه لم يكن يقدها بنفسه وإنما عين سائقا لها.

وصمم السيارة الشهيرة، لأول مرة، فيرديناند بورش، ودعم الزعيم النازي أدولف هتلر هذه العربة خلال أواخر ثلاثينات القرن الماضي، فتأسست شركة فولكسفاغن أو ما عرف حينها بـ”شركة سيارة الشعب” عام 1938. وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، حرص الحلفاء الذين هزموا النازية على إيلاء أهمية لفولكسفاغن لأجل إحياء صناعة السيارات في البلاد. وتمتلك “فولكسفاغن”علامتها، بالإضافة إلى أودي وبورشه وسيات وسكودا وبنتلي.

ودفع رواج السيارة وارتفاع مبيعاتها، الشركة المنتجة إلى تجميعها في دول عدة، عدا ألمانيا التي تنتشر صناعتها في خمسة مواقع فيها هي فولفسبورغ، هانوفر، إمدن، إنغولشتات وأسنابروك، وهذه البلدان هي أستراليا، بلجيكا، البرازيل، إندونيسيا، أيرلندا، المكسيك، ونيوزيلندا، نيجيريا، الفلبين، جنوب أفريقيا، فنزويلا والبوسنة والهرسك.

والطريف في الأمر كما يقول الصحافي العراقي محسن حسين، أن هذه السيارة اختلفت تسمياتها في بلدان العالم، ففي بولندا يسمونها الحدباء، وفي جمهورية الدومينيكان الفرشاة، وفي النرويج الفقاعة، وفي كندا سوسة الفاكهة، وفي البرتغال والجزائر الدعسوقة، وفي البرازيل الخنفساء، وفي رومانيا الضفدع.

وتسمى في العراق (عكروكة) وتعني الضفدع، فضلا عن تسميتها الشهيرة (الركة)، وفي بلجيكا وهولندا يسمونها الجعل، وفي المجر صرصور صغير، وبرغوث صغير في المكسيك، و(بورش المكورة) في النمسا، وأسماء أخرى كثيرة.

وفي العام المقبل تبدأ سيارة الفولكسفاغن خطواتها الأولى على طريق الاختفاء والانقراض، بعد سبعة عقود من سيادتها كسيارة اقتصادية أقبل على اقتنائها الأثرياء والفقراء على حد السواء.

20