فوضى أردوغان تزعزع القوقاز من أبواب أذربيجان

على الرغم من كل المناورات الدبلوماسية لتجنب المواجهة المباشرة، تجد روسيا نفسها تواجه تركيا في كل مسرح في الجناح الجنوبي.
السبت 2020/07/25
فوضى تؤججها تركيا

يصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تهديد الاستقرار الإقليمي والعالمي، بعد اتخاذ أنقرة خطوات غير مسبوقة لزيادة زعزعة استقرار شرق البحر المتوسط وشمال أفريقيا وأخيرا القوقاز.

وتشكل الاشتباكات الأخيرة على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان دليلاً آخر على أن نظام أردوغان لا يحدث سوى المزيد من الفوضى باسم “حماية مصالح تركيا”. وطالما أنه قادر على بيع فكرة مصلحة تركيا لجمهوره المحلي، سيحافظ أردوغان على القدرة على استخدام موارد البلاد في مغامرات أكثر انتهازية في الخارج.

وركزت العديد من المنافذ الإخبارية والمعلقين على تاريخ الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، والذي يعود إلى عقود من الزمن إلى انحلال الاتحاد السوفيتي. ولكن كانت هناك أصوات قليلة بشكل نسبي أشارت إلى التوقيت الغريب للاشتباكات الأخيرة. ولفهم الوضع الخطير في القوقاز، يجب تحديد العديد من الجهات الفاعلة.

لدى الرئيس الأذري، إلهام علييف، مخاوف داخلية من الضغط من أجل التصعيد مع أرمينيا، لكن إدارته ليس لديها ما تكسبه من صراع طويل الأمد مع أرمينيا، والذي سيكون مدمراً لكلا الدولتين. يكمن مفتاح فهم أفعاله في حقيقة أن علييف لن يتصرف دون الحصول على دعم أردوغان الكامل في مثل هذا الصراع. وإذا كان يعتقد أنه قادر على النجو بمثل هذه المواجهة بدعم تركي واسع، فمن المحتمل أن يبدو الصراع جذاباً خصوصا عندما يكون محدودا وبمكاسب ملموسة.

ويمكن أن يتأثر منظور علييف أيضًا بحقيقة أن الاقتصاد الغني بالنفط في أذربيجان قد أدى إلى الإنفاق العسكري غير المسبوق لسنوات عديدة حتى الآن، والذي غيّر التوازن العسكري في المنطقة، ليصل إلى 14.8 مليار دولار سنويًا اعتبارًا من عام 2019. وبالمقارنة، بلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لأرمينيا العام الماضي 12.4 مليار دولار.

لا توجد دولة تستثمر أضعاف خصومها فقط من أجل استعراض القوة أو من أجل الردع، لذلك فإن كل طرف يستثمر مبالغ باهظة فإنه ينوي أو يخطط لاستخدام هذه القدرات. بالطبع، لا يتم كسب النزاعات العسكرية بمجرد امتلاك أجهزة عسكرية أكثر أو أفضل؛ ولكن يوجد في الحقيقة عوامل أخرى، بدءاً من التدريب إلى الروح المعنوية، ومن العقيدة إلى القيادة، وكذلك تصرفات الجهات الخارجية يمكن أن يكون لها تأثير حاسم في النتيجة.

لا تمتلك أرمينيا الكثير من الخيارات، وقد كان هذا هو الحال منذ فترة طويلة. فأرمينيا دولة صغيرة غير ساحلية تتمتع بالقليل من الموارد الطبيعية، وداعمها الرئيسي الوحيد هو روسيا. وفي المقابل، تعد أرمينيا معقل روسيا الاستراتيجي في القوقاز، وهي منطقة لا تنوي فيها فقدان نفوذها.

خريطة المواجهات بين أرمينيا وأذربيجان

وتأتي الاختيارات من منطلق نقاط القوة، ونقاط ضعف الخصوم، والفرص ذات الصلة، ولم تكن أرمينيا في وضع جيد في هذه المجالات منذ فترة طويلة. وحتى إذا تمت إدارة هذه الأزمة المباشرة وتم تجنب الصراع في الوقت الحالي، فلا شيء يغير التوقعات الاستراتيجية على المدى المتوسط والطويل. وبعبارة أخرى، ما لم يتغير ميزان القوى أو دوافع الفاعلين الرئيسيين، فسوف نرى هذه الأنواع من الصراعات بل والأسوأ من ذلك في المستقبل.

ويدخل نظام أردوغان في سلسلة من المواجهات غير الرابحة ضد أعداء صنعهم بنفسه، في جغرافية واسعة النطاق، تمتد من ليبيا إلى سوريا. وفي مختلف مسارح الصراع، تواجه تركيا روسيا وفرنسا وإسرائيل ومصر واليونان والجهات الفاعلة الأصغر، في حين أن مؤيدها الثابت الوحيد هو دولة قطر الخليجية، التي تواصل ضخ الأموال في الاقتصاد التركي المتدهور عبر طرق متعددة.

وبفضل الانقسامات المزمنة التي أحدثتها الإدارة الأميركية، وأيضاً بفضل فقدان التوجيه والحسم في الاتحاد الأوروبي، تمكن نظام أردوغان من البقاء والازدهار في ظروف كانت ستدمره مئة مرة في أي ظرف تاريخي آخر.

وفي ظل هذه الظروف، يواصل أردوغان مضاعفة رهاناته، على أمل أن يستطيع جر الكيانات الأكبر إلى الصراع. وتعتبر تصرفات الزعيم التركي في ليبيا مثالاً حياً على كيفية تحول النظام الحالي لتركيا إلى نقطة ضعف في الناتو، مما يهدد إما بتدمير أقوى تحالف عسكري في العالم وإما جره إلى سلسلة من الصراعات التي لا نهاية لها.

وكونه يستثمر بعمق في نشر الصراع، ويشعر بحالة من عدم الاستقرار الناجم عن الانهيار الوشيك للاقتصاد التركي، فإن استعداد أردوغان لإرسال رسالة إلى روسيا في ما تعتبره موسكو “موطئ قدمها” يعد امتدادًا طبيعيًا لسياساتها الحالية.

وعلى الرغم من كل المناورات الدبلوماسية لتجنب المواجهة المباشرة، تجد روسيا نفسها تواجه تركيا في كل مسرح في الجناح الجنوبي. وفي حين تهدف التحركات الانتهازية في ليبيا إلى توسيع نفوذها وقدراتها في منطقة البحر المتوسط، فإن موقعها الحالي في سوريا لا يتيح لها مساحة كبيرة.

لا تستطيع روسيا ببساطة تحمل الخسارة في سوريا، وبالتأكيد لا يمكن أن تسمح بتقويض نفوذها في القوقاز من خلال اعتماد نموذج تركي أذربيجاني ضد أرمينيا. ولا تقل منطقة القوقاز قيمةً عن شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، فهي منطقة حيوية بالنسبة لأولويات السياسة الخارجية الروسية طويلة المدى.

وبخصوص موقف إدارة الولايات المتحدة الحالية فبدا غير متكافئ ومتناقضا في ما يتعلق بحضورها ومصالحها طويلة المدى في منطقة البحر المتوسط ومنطقة الشرق الأوسط.

6