فك شفرة الجينات المسؤولة عن الإصابات الحادة بكورونا

اكتشافات جينية تعطي آمالا للوقاية من الوباء وتثير تساؤلات.
الخميس 2021/02/25
الجينوم البشري يحمل الكثير من الألغاز

على مدار أكثر من عام، مثّل عدم ظهور أعراض على بعض المرضى بكورونا، وفي مقابل ذلك عانى آخرون من الإعياء الشديد، واحدا من أكبر الألغاز المرتبطة بالوباء، إلا أن أبحاثا جديدة قدمت نظرة ثاقبة وغير مسبوقة لبيولوجيا المرض.

 دبلن – تمكنت دراسة جديدة من فك الشفرات الوراثية التي تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة من غيرهم لأعراض كوفيد – 19 الشديدة، والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى العلاج في وحدة العناية المكثفة، وتسلط هذه النتائج الضوء على مواطن الخلل في جهاز المناعة، ما قد يساعد في تحديد علاجات جديدة لوباء كورونا.

واستطاع العلماء من المدرسة العليا للاقتصاد والمعروفة أيضا، باسم جامعة البحوث الوطنية في روسيا اكتشاف وجود “استعداد جيني” للإصابة الحادة بمرض كوفيد – 19الذي يسببه فايروس كورونا.

وأرجع العلماء في بحثهم الذي نشر في دورية “فرونتيرز” لعلوم المناعة، الاستعداد للإصابة إلى مجموعة من ستة جزيئات تساهم في مجموعة الخلايا التائية المناعية التي تعتبر “إحدى الآليات الأساسية التي يستخدمها جسم الإنسان لمكافحة العدوى الفايروسية”.

وعلى الرغم من أن الجزيئات، التي تعرف بأنها من فئة مستضدات الكريات البيضاء البشرية “فريدة عند كل إنسان”، فإن مسألة “ما إذا كانت تدمر فايروس كورونا أم لا، تحددها بصورة كبيرة الجينات” حيث إنه تتم وراثة الجزيئات من الأبوين.

فانيسا شيميزو: يمكننا تحديد اللحظة التي تسوء فيها الأمور لدى شخص بعينه
فانيسا شيميزو: يمكننا تحديد اللحظة التي تسوء فيها الأمور لدى شخص بعينه

أقل شراسة

خلص العلماء إلى أنه في حال “كانت لدى الشخص مجموعة جزيئات غير قادرة على تدمير الفايروس، فإنه من المرجح أن يصاب بالمرض بصورة حادة”.

واعتمدت النتائج على تحليل عينات من خصائص وراثية لمصابين بمرض كوفيد – 19 في موسكو ومدريد، بالإضافة إلى مجموعة عينات من أشخاص أصحاء.

وتأتي هذه النتائج في ظل مخاوف بشأن إمكانية أن تؤدي تحورات الفايروس، التي تم تسجيلها أولا في بريطانيا وجنوب أفريقيا، إلى ارتفاع الإصابات الحادة بكوفيد – 19 ومقاومة اللقاحات، وذلك على الرغم من أن العلماء الذين استطلعت دورية “نيتشر” آراءهم الأسبوع الماضي قالوا إنهم يعتقدون أن الفايروس سوف يصبح أقل شراسة مع مرور الوقت.

الاستجابة المناعية

وسبق أن حددت دراسة بريطانية نشرت في دورية “نيتشر” العلمية – وشملت أكثر من 2200 مريض تلقوا العلاج في وحدة العناية المكثفة – جينات بعينها تحمل الإجابة عن أسباب إصابة بعض مرضى كوفيد – 19 بإعياء شديد، وهي من بين أكبر الألغاز المرتبطة بالوباء.

وفحص العلماء الحمض النووي للمرضى في أكثر من 200 وحدة عناية مكثفة بمستشفيات المملكة المتحدة. وقاموا بمسح الجينات لدى كل شخص والتي تحمل التعليمات لكل عملية بيولوجية، بما في ذلك كيفية مقاومة الفايروس.

ثم قارنوا جينوم (مجمل المادة الوراثية أو الشريط الوراثي للشخص) هؤلاء بالحمض النووي لأشخاص أصحاء قصد تحديد أي فروقات جينية، وقد عُثر على عدد منها بالفعل، كان أولها داخل جين يسمى “TYK2”.

وعُثر على فروقات جينية كذلك في جين يسمى “DPP9” وهو يلعب دورا في الالتهاب، وجين آخر يسمى “OAS” الذي يساعد على منع الفايروس من استنساخ نفسه. كما وُجدت تباينات في جين يسمى “IFNAR2” لدى مرضى العناية المكثفة. ويتصل “IFNAR2” بجزيء قوي مضاد للفايروسات يسمى إنترفيرون، والذي يساعد في تشغيل جهاز المناعة بمجرد اكتشاف وجود عدوى.

الاكتشافات الجينية قدمت نظرة ثاقبة غير مسبوقة لبيولوجيا المرض
الاكتشافات الجينية قدمت نظرة ثاقبة غير مسبوقة لبيولوجيا المرض

ويُعتقد أن نقص الإنترفيرون المُنتج يمكن أن يعطي الفايروس ميزة مبكرة، إذ يسمح له باستنساخ نفسه سريعا ممّا يزيد في شدة المرض.

وشرح ذلك، الدكتور كينيث بيلي الطبيب الاستشاري في المستشفى الملكي بإدنبرة، قائلا “إنه جزء من النظام يجعل الخلايا المناعية أكثر غضبا وتسببا في حدوث التهاب”.

لكن إذا كان الجين معيبا، يمكن لهذه الاستجابة المناعية أن تكون زائدة، ما يُعرض المرضى لخطر التهاب مدمر في الرئة. وقالت الدكتورة فانيسا سانشو شيميزو خبيرة الوراثة في جامعة إمبريال كوليدج بلندن إن “الاكتشافات الجينية تقدم نظرة ثاقبة غير مسبوقة لبيولوجيا المرض”.

وأضافت لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) “إنه حقا مثال للطب الدقيق، حيث يمكننا تحديد اللحظة التي تسوء فيها الأمور لدى شخص بعينه”. وأوضحت “نتائج هذه الدراسات الجينية ستساعدنا في تحديد مسارات جزيئية معينة يمكن أن تكون أهدافا لتدخل علاجي”.

ورجحت دراسة ألمانية حديثة أن هناك صلة محتملة بين إرث الإنسان البدائي القديم “النياندرتال” في التكوين الجيني للإنسان الحالي والمعاناة من مسار مرضي شديد عند الإصابة بفايروس كورونا المستجد.

وقال هوجو تيجبرج من معهد “ماكس بلانك” الألماني للأنثروبولوجيا التطورية في مدينة لايبزيغ “احتمالية اضطرار وضع الأشخاص الذين ورثوا هذا النوع من الجينات على أجهزة التنفس الاصطناعي حال إصابتهم بفايروس كورونا المستجد ترتفع بنحو ثلاثة أضعاف”. ويعتبر هذا النوع الجيني عامل خطورة إضافيا إلى جانب العديد من العوامل المعروفة لفترة طويلة، مثل العمر وبعض الأمراض السابقة.

الإنسان البدائي

Thumbnail

وكانت دراسة أخرى أجريت في فصل الصيف أظهرت أن مجموعة من الجينات موجودة على الكروموسوم 3 قد تكون مرتبطة بزيادة مخاطر الاضطرار إلى تلقي العلاج في المستشفى أو الوضع تحت أجهزة التنفس الاصطناعي في حالة الإصابة بكوفيد – 19 وتبين في ذلك الحين أن خطر الإصابة بمسار حاد من المرض يزداد بمقدار ثلاث مرات لدى الأشخاص الذين لديهم هذا التنوع الجيني.

وحلل تسبرج وزميله في المعهد سفانته بيبو مجموعة الجينات وقارنوها على وجه التحديد بالتركيب الجيني لإنسان النياندرتال ودينيسوفان البدائي.

وأوضح الباحثان في مجلة “نيتشر” أن تسلسل الحمض النووي في عنقود الجينات المتسبب في زيادة الخطورة يشبه إلى حد كبير تسلسل الحمض النووي لإنسان نياندرتالي منحدر من المنطقة المعروفة اليوم بدولة كرواتيا قبل نحو 50 ألف عام.

وقال تسبرج، الذي يجري أيضا أبحاثا في معهد “كارولينسكا” في ستوكهولم “اتضح أن البشر المعاصرين ورثوا هذا النوع الجيني من إنسان النياندرتال عندما اختلطوا مع بعضهم البعض منذ حوالي 60 ألف عام”.
وأوضح الباحثان أن هناك اختلافات كبيرة في ما يتعلق بالانتشار الإقليمي لهذا النوع الجيني. فهذا النوع شائع بصورة خاصة بين سكان جنوب آسيا، حيث يحمله حوالي نصف السكان في الجينوم الخاص بهم. وتصل النسبة إلى 63 في المئة في بنغلاديش. وفي أوروبا، ورثه حوالي 16 في المئة من السكان، أما في أفريقيا وشرق آسيا، فنادرا ما يظهر هذا النوع من الجينات على الإطلاق.

وحتى الآن، لا يوجد تفسير لسبب ارتفاع مخاطر الإصابة مع هذا النوع الجيني. وقال بيبو مدير معهد “ماكس بلانك” الألماني للأنثروبولوجيا التطورية “إنه لأمر مخيف أن يكون للإرث الجيني للنياندرتال مثل هذه الآثار المأساوية خلال الجائحة الحالية… يجب الآن البحث في أسرع وقت ممكن عن سبب ذلك”.

ويذكر أنه تم تسجيل أكثر من 4.2 مليون حالة وفاة بفايروس كورونا في أنحاء العالم، بحسب البيانات الرسمية لجامعة جونز هوبكنز الأميركية.

17