فرصتك أيها الشاب

منير الحدادي اختار الهجرة والخروج من قلعة برشلونة، اختار أن يكون الرحيل الآن في عز صقيع شتاء "كتالونيا"، اختار أن يتوجه نحو أراض أندلسية.
الاثنين 2019/01/14
خير الرحيل

قديما قيل “إذا لم يحل لك المقام في السهول الغامرة، فغامر بصعود الجبال”، فالسهول قد تغمرها أحيانا السيول فتتحول إلى مستنقع مليء بالأحوال.

وحتى القلاع الحصينة، لا تضمن دوما المقام الآمن والعيش الرغيد، هي لا تضمن بالضرورة السعادة إن فقدت الثقة في نفسك وفي المحيطين بك، هي لا تبدو دوما مستقرا دائما إذا عرفت أن باب النجاح أوصد في وجهك، حينها فقط يجب عليك أن تتعلم كيف تتسلق الجدران العالية وترنو إلى الخروج من بوتقة النسيان والتيه. سيتعين عليك بالضرورة البحث عن مستقر جديد، فذلك ربما أسلم وأفضل وأكثر أمنا، حاول أن تنزع القيود وتثور، حاول أن تجد لنفسك مخرجا من كل مأزق، ثابر وصابر وكافح واغتنم فرصتك متى تسنح لك.

حديثنا هذا ينطبق في أغلب مفاصله وتفاصيله على النجم الإسباني الشاب منير الحدادي، هذا الفتى الموهوب من أصول مغربية، هذا الشاب الذي ألقت به في معقل “البلوغرانا” التابع لنادي برشلونة هذه الحياة، لم يرض “بذل القيود، ولم يقنع بالعيش بين الكهوف”، فسار على درب الحياة باحثا عن أمل جديد وأرض أحلام جديدة.

الحدادي اختار الهجرة والخروج من قلعة برشلونة، اختار أن يكون الرحيل الآن في عز صقيع شتاء “كتالونيا”، اختار أن يتوجه نحو أراض أندلسية، وهو الآن بصدد إكمال مراحل انتقاله إلى نادي إشبيلية، غير عابئ بالبقاء لفترة أطول في برشلونة، غير مستسلم لحبس دكة البدلاء و”ظلم” فالفيردي مدرب الفريق الكتالوني وكذلك مسؤولي هذا النادي.

قصة الحدادي بدأت منذ سنوات، والمرحلة الأهم في مسيرته الرياضية كانت سنة 2014 عندما وقع عقدا مدته خمس سنوات مع أعرق فرق إسبانيا، برشلونة، قادما من نادي أتليتيكو مدريد، كان فتى يافعا حينها، كان في عمر التسعة عشر ربيعا، في ذلك الوقت كان يحلم بأن يتطور ويصير له شأن كبير في عالم كبار اللعبة عالميا.

جرت الرياح في البداية مثلما يشتهي، إذ تألق مع الفريق الرديف قبل أن يتم تصعيده ضمن الفريق الأول، ليجاور لاعبين رائعين ومتألقين مثل الأيقونة ليونيل ميسي، كانت البداية واعدة نسبيا، حيث شارك في بعض المباريات وأحرز بعض الأهداف، لكن بمرور الوقت وجد منافسة رهيبة، منافسة قوية للغاية من نجم الأوروغواي لويس سواريز.

في النهاية لم يجد له مكانا صلب الفريق، ليقرر البحث عن وجهة أخرى فانتقل إلى نادي فالنسيا الذي قضى معه موسما واحدا شارك خلاله في 37 مباراة وسجل سبعة أهداف. بيد أن هذه التجربة لم تكن مغرية كثيرا، كان يريد المزيد وطموحه قاده إلى خوض تجربة جديدة مع نادي ألافيس خلال الموسم الماضي، حيث لعب 37 مباراة وسجل هذه المرة 14 هدفا.

لقد قدم الحدادي في المجمل مستوى مقنعا، الأمر الذي دفع بفريقه برشلونة إلى إنهاء فترة الإعارة وإعادته مجددا إلى الفريق في بداية هذا الموسم، لكن مرة أخرى لم يجن هذا الشاب عدا الخيبة مع “البارسا” مرة أخرى، إذ وقع ركنه ضمن “خزائن النسيان” ولم يقع التعويل عليه إلاّ في ما ندر من المباريات.

هي وضعية بائسة ومحبطة وقاسية على لاعب في السن الثالثة والعشرين، هو وضع صعب للغاية ومقلق للاعب يريد قطع كل المسافات للوصول إلى القمة، لم يقنع بالعيش في مهجع مريح دون أن يقدم المقابل، لم يرض بأن يكون مجرد “ديكور” صلب فريق يعج بالنجوم.

لذلك لم يفوّت الفرصة كي يثور ويسعى إلى تغيير المسار، كان يدرك أن هذه المرحلة قد تكون الأهم والأكثر حسما في مسيرته الرياضية، فهو يعلم أن عقده مع برشلونة ينتهي في موفى هذا الموسم، ولذلك رفض تجديد عقده مع الفريق الكتالوني مصرّا هذه المرة على الخروج بلا رجعة.

كان الحدادي يدرك جيدا أنه قادر على اللعب مع فرق قوية، فالجميع في إسبانيا يبحث عن تدعيم الصفوف بلاعبين جدد، وحتى من الخارج كانت ثمة فرق ترغب في التعاقد معه مثل أولمبيك مرسيليا الفرنسي.

رفع الحدادي راية التحدي وأعلن للقائمين على برشلونة أنه يريد الرحيل، فإما تسريحه خلال هذا الميركاتو وتحقيق استفادة مالية أو الرفض وانتظار نهاية العقد في يونيو المقبل، وحينها سينتقل إلى أي فريق آخر دون مقابل.

فرضت إدارة برشلونة كل أنواع الضغط عليه، حيث أوصت المدرب فالفيردي بتجميد نشاطه قبل إلحاقه بفريق الشباب، لكن الحدادي قال الكلمة الفصل واتخذ القرار النهائي بالبحث عن أرض جديدة.

في الأثناء بدأت العروض تنهال عليه من كل حدب وصوب، حيث رغب فريقه السابق أتليتيكو مدريد في ضمه من جديد، وطلب وده فريق إشبيلية الذي قدم عروضا جيدة هذا الموسم.

في نهاية المطاف اختار اللاعب من أصول مغربية قبول عرض الفريق الأندلسي، ويبدو أنه أدرك أن فرصه في اللعب وتفجير مواهبه مع هذا الفريق ستكون أكبر بكثير بعيدا عن هيمنة ميسي وسواريز وبقية النجوم المتلألئة في برشلونة.

23