"فتاة العزل".. يوميات يغمرها الملل تتحوّل إلى فوبيا مرضية

الفيلم يتتبّع حياة الروتين اليومي للبطلة في ظل الحجر والذي تحول إلى نوع من الهوس الممتزج بالفوبيا.
الاثنين 2021/02/22
التكرار أفقد الحكايات معانيها

مع مرور أكثر من عام على تفشي فايروس كورونا وما أحدثه من تغييرات حادة في مفردات الحياة اليومية واتجاه الملايين من البشر في أنحاء العالم إلى الانعزال والحجر ولزوم المنازل، ظهر ما يمكن اعتباره موجة في مجال سينما الخيال العلمي تحاكي أجواء الجائحة، حيث سبقت لنا مناقشة أفلام شبيهة بهذه الموجة المهتمة بأفلام الأوبئة ومن بينها فيلم "كوفيد – 21" وفيلم "سمكة صغيرة".

يعالج فيلم “فتاة العزل” للمخرجة نيكول دانجيلو أجواء كوفيد – 19 وما أحدثته من تغييرات في نسق الحياة اليومية للأشخاص والشعوب، وذلك من وجهة نظر روبي (الممثلة نيكول دانجيلو) وهي نفسها كاتبة السيناريو والمخرجة والمنتجة المشاركة في إنتاج العمل، فالفتاة روبي تعيش لوحدها ومن دون أن نعلم الكثير عن أسرتها وعلاقتها سوى زيارة والدها الخاطفة منعدمة المعنى.

يتحوّل حجر روبي إلى نوع من الهوس الممتزج بالفوبيا، هوس في الاستماع إلى القصص والتحذيرات المرتبطة بتطوّر الوباء والخوف من وصوله إليها بالتزامن مع انتشاره بشكل متسارع.

المخرجة- الممثلة نيكول دانجيلو لم تفلح في تقديم وجهة نظر مختلفة عن الوباء

وحاولت المخرجة – الممثلة العبور على أجواء كوفيد – 19 وتجاوزها، لكنها لم تنجح وبقيت أسيرة أجوائه وما خلفه من تغيير للعادات اليومية، وأما بالنسبة إلى الشخصية التي قدّمها الفيلم وهي الشخصية الرئيسية روبي بسطحيتها الشدديدة وسذاجتها فقد كان متوقعا أن تتأزم نفسيا وتعيش عزلة قاسية.

على صعيد البناء الدرامي لهذه الشخصية فقد بدت وكأنها بلا مشاعر باتجاه أي أحد وهو أمر نجهل تماما خلفياته، وبقينا كذلك حتى نهاية الفيلم، فعندما يزورها أبوها لا تبدي له أي اهتمام أو تعاطف بل إنها تتركه واقفا في الخارج ولا تقترب منه وتودّعه بعد دقائق قليلة.

أما في محيطها الاجتماعي فلها صديق وصديقة، وعلاقتها بهما لا تتعدّى تلك السطحية مع أنهما أقرب شخصين إليها، حيث تتبادل معهما الحوارات عبر الهاتف والإرساليات القصيرة وتتبّع آخر البيانات حول الحال الوبائية وإجراءات الحجر، وكلما زادت تلك الإجراءات يزداد هلع روبي وخوفها من الإصابة.

لا تترك روبي وسيلة للوقاية لم تتبعها ابتداءً من استعمال كميات من معقمات اليدين وانتهاءً إلى حساب المسافة بينها وبين صديقها لكي لا تتمّ العدوى، ولكن كيف وهذا الصديق يمضي بعض الوقت في التلصّص عليها ثم وهي تتفاعل معه على افتراض أن شخصا ما يتلصّص عليها فعليا، ثم لننتقل إلى الطريقة التي يقوم بها الجار بالتلصّص والتي تتميّز بالسذاجة الكاملة؟

يمكننا القول إن هذا الفيلم هو لتتبّع الحياة اليومية أو الروتين اليومي للشخصية في ظل الحجر، وهي حياة يومية مليئة بالضجر واللاجدوى ولم يساهم الحجر في فقدان روبي للكثير ممّا كانت تعيشه في السابق، وقسم كبير منه مجهول بالنسبة إلينا، فلو استثمرت تلك اليوميات بأسلوب وثائقي لتغيّر إيقاع الفيلم ومعالجته.

في المقابل يمكن النظر إلى الجانب الواقعي في الفيلم، فهو يتابع تلك اليوميات من خلال مشاهد خارجية كان يقدّمها بمثابة فواصل ما بين مشاهد روبي في منزلها وبين ما يحيطها من بيوت وطبيعة، فضلا عن لقطات للشوارع المقفرة وعلى خلفية البيانات والتحذيرات الحكومية للناس للحذر من تفشي المرض بشكل غير مسبوق.

الفيلم يبالغ في تسطيح ردود الأفعال تجاه الحجر على اعتباره عملية غير مجدية في إشارة إلى نظرية المؤامرة

وأما روبي في سذاجتها وسطحيتها فإنها تمارس في منزلها ألعابا طفولية لسدّ الفراغ، لا تقطعها سوى اتصالاتها الهاتفية مع صديقتها في ثرثرة متكرّرة، بينما يبقى الصديق المتلصّص يمارس هوايته تلك.

ولعل السؤال المرتبط بالدراما والسرد الفيلمي هو لماذا يتم اختيار الشخصية التي تتعامل مع القضية الجادة والخطيرة ما لم تكن في مستوى التحدّي والتعقيدات المرافقة، بينما هي هنا في ما يشبه العبثية والسطحية أو لنفترض أنها محاولة لتسطيح ردود الأفعال تجاه الحجر في كونها عملية غير مجدية وتحضر من خلالها أيضا نظرية المؤامرة؟

ولكي نمضي في تلك الاستمرارية من العبثية والسطحية سوف نتساءل مع روبي، يا ترى ما هو مصدر كل تلك الإرساليات البريدية التي تصلها بانتظام وكلها عبارة عن صناديق كارتونية محمّلة بالهدايا؟ وحتى وهي تتصّل بشركة الشحن سوف تتفاقم حالة الفوضى، فالشركة لا تمتلك أية إجابات فيما الطرود البريدية متواصلة.

التحدّي في الفيلم كما ذكرنا يكمن في تفشي الوباء وهي الثيمة الرئيسية في هذه الدراما الفيلمية، لكننا سوف نفتقد أصداء ذلك لدى أشخاص آخرين من جيران محيطين بروبي، لاسيما وأن المشاهد الخارجية تظهر وجود العديد من البيوت، لكن روبي سوف توحي لنا أنها تعيش معزولة في بيئة بلا بشر، فأين أولئك البشر ولماذا حياتهم مجهولة؟ هل أصابهم الوباء أم فرّوا إلى جهة غير معلومة؟

أسئلة من دون أجوبة ولا حتى تلميحا بأي شكل، ويُفاقمها حضور الأب بشكل طبيعي من دون احتياطات تذكر وكذلك حضور صديق روبي، لكن شخصية واحدة تظهر خاطفة، ربما إيحاء بأن الوباء ما هو إلاّ شكل من أشكال الزومبي.

الحاصل أن هذا الفيلم هو فيلم الممثلة – المخرجة بامتياز التي أرادت أن تمنح فيلما لنفسها، ولو كان هزيلا في المعالجة وفي التحوّلات الدرامية، ليُفاقم ذلك سطحية الممثلة – المخرجة ذاتها تمثيلا وردود أفعال بلا معنى ولا هدف.

16