غياب الأدوية والمعدات يصيب الجيش الأبيض في تونس بالحيرة

المستشفيات مكتظة بمرضى كورونا والشوارع تزدحم بالمصابين الجدد.
الأربعاء 2021/07/07
الجميع في حالة معاناة

كشف الانتشار الواسع لفايروس كورونا بين التونسيين الانهيار الذي يعانيه قطاع الصحة في البلاد، فالمستشفيات تشهد نقصا فادحا في الأسرّة وأجهزة الأوكسجين والإطار الطبي، وزادت القرارات الحكومية التي تدعو إلى الحجر الصحي في غياب اللقاح من تأزم وضع التونسيين المهددين بالعدوى لعدم التزامهم بالإجراءات الصحية.

القيروان (تونس) – تقول الممرضة إيمان الفتايتي “بعض الجثث ظلت على الأسرّة طوال اليوم، لم نستطع نقلها إلى المشرحة لأنها امتلأت”، هكذا بدت مستشفيات تونسية تشهد اكتظاظا إثر موجة غير مسبوقة لوباء كورونا.

وتضيف الفتايتي (41 عاما) التي تعمل في مستشفى “ابن الجزار” المركزي في القيروان، أن هناك نقصا في آلات الأكسجين ووصل الأمر إلى أن “نحتار من سنسعف أوّلا”. وتتابع “بعض المرضى يتوفون ولا ندرك ذلك” لأن “عدد المرضى كثير والكادر الطبي محدود”.

يواجه الوضع الصحي في تونس موجة جديدة غير مسبوقة من عودة انتشار الفايروس، وسُجلت أرقام قياسية لم تعرفها البلاد منذ بدء الجائحة في مارس 2020، وتجاوز عدد الوفيات 15 ألفا بينما يرقد أكثر من 600 مريض في العناية المركزة، في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 12 مليون نسمة.

ولم تتمكن المستشفيات المتنقلة التي أنشأتها السلطات من استيعاب المرضى وبلغت نسبة الإشغال 93 في المئة.

وأمام هذه الموجة ومنذ نهاية يونيو الماضي أعلنت السلطات التونسية إغلاقا تاما في خمس محافظات من بينها القيروان التي تسجل معدل انتشار عدوى يفوق 400 حالة على 100 ألف ساكن وشهدت مستشفياتها اكتظاظا مع انتشار المتحورة “دلتا” شديدة العدوى التي ظهرت في الهند ثم انتشرت في دول عدة.

والأسبوع الماضي أطلقت نقابات ومنظمات مدنية ما وصفته “بنداء استغاثة دولي” وطالبت “بالتدخل الفوري والعاجل لوضع حد لآلام ومأساة سكان المحافظة المنكوبة وإيقاف نزيف الكارثة”.

وتوضح إيمان أن “بعض العائلات استنجدت بعائلات أخرى داخل المستشفى من أجل إنقاذ مريض يبلغ من العمر خمسين عاما لكي يأخذ آلة أكسجين يستعملها مريض آخر ثمانيني لبعض الوقت”.

Thumbnail

وكانت المنشآت الصحية بهذه المحافظة المهمشة تحتاج قبل أسبوعين إلى ما بين 400 و500 لتر أكسجين في اليوم لسدّ الطلب المتزايد، وباتت حاليا بحاجة إلى 5500 لتر يوميا، حسب سلطات الصحة بالقيروان.

ويكلّف كل ثلاثة ممرضين في المستشفى برعاية حوالي 35 مريضا بالفايروس ويبدأون يومهم صباحا و”لا نعرف متى ينتهي”، حسب الفتايتي التي تستهل عملها كل يوم بمشهد “مرضى جالسين على الأرض” في أروقة المستشفى حيث تعمل “لأنه لا توجد أسرّة كافية”.

وتمر الممرضة وهي أم لبنتين “بأزمة نفسية صعبة” لأنها وجدت نفسها أحيانا عاجزة عن مساعدة المرضى وإنقاذهم من الموت. وتقول “طلبت مني فتاة الاعتناء بوالدها” فيما العشرات من المرضى ينتظرون، “لأنها لا تريد أن تفقده بعد أن توفيت والدتها منذ شهر بالفايروس”، لكنه “للأسف توفي أيضا“.

الكادر الطبي يمر بأزمة نفسية صعبة لأنه يجد نفسه أحيانا عاجزا عن مساعدة المرضى وإنقاذهم من الموت

وشهدت المحافظة خلال الأسابيع الماضية موجة شديدة من انتشار الفايروس وسجلت وزارة الصحة نسبة فاقت 50 في المئة من الاختبارات الإيجابية في عمليات التقصي للفايروس، كما ارتفعت الحصيلة اليومية للوفيات وبلغت 20 وفاة من بينهم أطفال.

وفي شوارع المدينة قلّة من الناس تتنقل وقد أقفلت الأسواق والمحلات التجارية وتبدو شبه مقفرة.

وتضم كافة المنشآت الصحية بما فيها الحكومية والخاصة بالقيروان 46 سريرا في وحدات العناية و250 جهاز أكسجين، وفقا للسلطات الصحية.

ويؤكد المدير الجهوي للصحة محمد رويس “مررنا بوضع حرج جدا وبلغت أسرّة الإنعاش 100 في المئة من طاقتها وأسرّة الأكسجين 90 في المئة”.

نقل رضا (60 عاما) ابنه الأسبوع الماضي إلى مستشفى ابن الجزار في حالة حرجة واقترح عليه الكادر الطبي أخذه إلى مستشفى بمحافظة مجاورة لعدم وجود أسرّة شاغرة. ويقول الأب “رفضت ذلك واضطررت للانتظار ليومين كي أجد مكانا في غرفة الإنعاش”.

محظوظ من تحصل على رعاية
محظوظ من تحصل على رعاية

واضطر محمد المطيراوي لترك زوجته تعتني بأمّه التسعينية داخل المستشفى المتنقل الذي أقامته السلطات بالقيروان، قائلا “لأن والدتي لا تستطيع الاعتناء بنفسها ولا يوجد ممرضون.. ماذا نفعل؟”.

واستعانت السلطات الصحية بمستشفيات المحافظات المجاورة لتوزيع المرضى “بنقل ما بين 12 و16 مريضا إلى صفاقس (جنوب) وسوسة (شرق)، لكن الوضع تعقد حاليا لأن هذه المستشفيات أصبحت بدورها تشهد اكتظاظا”، حسب رويس.

وأعلن الرئيس التونسي قيس سعيد الإثنين عن إجراءات جديدة لمواجهة التصاعد الحالي في إصابات كورونا بما يشمل الاستعانة بقوات الجيش في عمليات التلقيح.

ووفق بيان للرئاسة التونسية، أعلن سعيد خلال الاجتماع عن إجراءات جديدة لمواجهة كورونا، تشمل تكثيف العمل الدبلوماسي لتسريع عملية جلب اللقاحات المضادة للفايروس.
كما قرر تقسيم البلاد إلى أقاليم بحيث يضم كل إقليم محافظتين أو أكثر (إجمالي المحافظات 24)، بجانب إحداث فرق عمل متكونة من القوات العسكرية والأمنية والإطارات الصحية تكون تحت قيادة موحدة بإشراف المدير العام للصحة العسكرية للتكثيف من عمليات التلقيح.
أيضا، دعا سعيد الإطارات الطبية وشبه الطبية التي تخرجت خلال الثلاث سنوات الأخيرة للقيام بالخدمة الوطنية، وفق البيان ذاته.

ويفسر طبيب التخدير والإنعاش في ثاني أكبر المستشفيات في محافظة الأغالبة صلاح السويعي تأزم الوضع الصحي “بالاستهتار وعدم احترام قواعد التباعد في الأماكن العامة وكذلك بنقص كبير في اللقاحات”.

ووتيرة حملة التطعيم في البلاد كانت بطيئة لأن السلطات تواجه صعوبات في توفير اللقاحات. وتَسجل للحملة في القيروان حوالي 95 ألف شخص تلقى نصفهم جرعة واحدة على الأقل في المحافظة التي تعد نحو 593 ألف ساكن.

وعلى مستوى البلاد تلقى 4 في المئة فقط من السكان اللقاح بالكامل.

Thumbnail
20