غزو كورونا لجسم الإنسان متعدد الأوجه والتكتيكات

يتمثل أحد التحديات التي تواجه العلماء في فهم فايروس كورونا، في الاستجابة المناعية الحادة التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى الوفاة، إلا أن دراسة أمسكت بطرف الخيط، بعد أن تمكنت من كشف التكتيكات التي يستخدمها الفايروس لضمان تكاثره السريع وتحييد الجهاز المناعي عن مساره.
لندن - يعتقد العلماء أن الأعراض الشديدة لفايروس كورونا، التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى الوفاة، ناتجة عن الاستجابة المناعية الحادة للمريض وليس الضرر الذي يلحقه الفايروس مباشرة.
ويمثل الاكتشاف الأحدث والأبرز الذي أثمرته جهود بحثية هائلة في فك بعض أسرار الفايروس وكيفية تمكنه من شن غزو خطير على الجسم وتحييد الجهاز المناعي عن مساره.
وأظهرت دراسة جديدة، نُشرت في مجلة “ناتشر” الطبية، استراتيجية متعددة التكتيكات يستخدمها الفايروس لضمان تكاثره السريع والفعال، مع تجنب اكتشافه بواسطة الجهاز المناعي.
وركزت الدراسة، التي شارك فيها مجموعة من الباحثين من بينهم الدكتور نعوم ستيرن جينوسار من معهد وايزمان للعلوم، والدكتور نير باران، والدكتور تومر إسرائيل من المعهد الإسرائيلي للعلوم البيولوجية والكيميائية والبيئية، على فهم الآليات الجزيئية أثناء الإصابة بالفايروس على المستوى الخلوي.
تنبيه الجهاز المناعي
لاحظ الباحثون أن الخلايا البشرية عندما تتعرض للعدوى الفايروسية عادة ما تكون قادرة على التعرف على الفايروس الغازي فتقوم بإرسال جزيئات الإشارة بسرعة، والتي تنبه الجهاز المناعي للهجوم.
ومن المعروف أن الجهاز المناعي للإنسان هو خط الدفاع الأول ضد الأمراض، ففي حالة الإصابة بعدوى ما تتجمع الخلايا المناعية لتقضي عليها، ثم يقوم الجسم بتكوين ما يُعرف بالأجسام المضادة لتعطي الجسم مناعة ضد الإصابة بهذه العدوى مرة أخرى.
ولكن من خلال التعامل مع فايروس كورونا المستجد، كان من الواضح منذ البداية أن شيئا ما لا يعمل بشكل صحيح تماما، ليس فقط بسب تأخر الاستجابة المناعية للجسم، مما يمكّن الفايروس من التكاثر بسرعة، ودون عوائق، ولكن أيضا بمجرد حدوث هذه الاستجابة غالبا ما تكون شديدة لدرجة أنه بدلا من أن تحارب الفايروس تزيد أعراض كورونا سوءا، وقد يتسبب ذلك في اشتداد خطورة الحالة بما قد يؤدي للموت.
الاستجابة المناعية تكون لدى البعض شديدة لدرجة أنها بدلا من أن تحارب الفايروس تزيد أعراض كورونا سوءا
وقالت الدكتورة نعوم ستيرن جينوسار المشرفة على قسم علم الوراثة الجزيئية في معهد وايزمان للعلوم في مدينة رحوفوت الإسرائيلية “ركزت معظم الأبحاث التي تناولت هذه المشكلة حتى الآن على بروتينات فايروسية محددة وميزت وظائفها. ومع ذلك، لا يُعرف الكثير اليوم عما يحدث بالفعل في الخلايا المصابة نفسها. لذلك أتينا بالفايروس وأدخلناه على مجموعة من الخلايا وشرعنا في تقييم كيفية تأثير العدوى على العمليات الكيميائية الحيوية المهمة في الخلية، مثل التعبير الجيني وتخليق البروتين”.
تبدأ الخلايا عندما تصاب بالفايروسات في تحريك سلسلة من الخلايا المحددة المضادة للفايروسات، التي يعمل البعض منها كمدافعة عن الخط الأول وتلتقي بالفايروس وجها لوجه في الخلية نفسها، بينما يتم إفراز البعض الآخر في بيئة الخلية، لتنبيه الخلايا المجاورة وتجنيد جهاز المناعة لمحاربة الفايروس الغازي.
وفي هذه المرحلة، تتسابق كل من الخلية والفايروس إلى الريبوسومات، وهي مصانع تخليق البروتين في الخلية، والتي يفتقر إليها الفايروس نفسه. ما يترتب على ذلك هو نشوب معركة بين الاثنين على هذا المورد الثمين.
وأوضحت الدراسة الجديدة كيف يحقق فايروس كورونا الانتصار في هذه المعركة، فهو قادر بسرعة، وفي غضون ساعات، على السيطرة على آلية صنع البروتين في الخلية وفي نفس الوقت يقوم بتحييد إشارات الخلية المضادة للفايروسات مما يؤخر الاستجابة المناعية ويشوشها تماما.
وتوصل الباحثون إلى أن الفايروس قادر على اختراق أجهزة الخلية، والاستيلاء على آلية تصنيع البروتين، من خلال الاعتماد على ثلاثة تكتيكات منفصلة، لكنها متكاملة.
تكتيكات الفايروس

يتمثل التكتيك الأول الذي يستخدمه الفايروس في تقليل قدرة الخلية على الاستجابة للمنبهات وفهم المعلومات الجينية لإنتاج البروتين المعني، مما يعني أنه يتم تصنيع عدد أقل من البروتينات بشكل عام.
أما التكتيك الثاني الذي يستخدمه الفايروس، فيتمثل في تحطيمه “الرنا المرسال للخلية”، وهي الجزيئات التي تحمل تعليمات لصنع البروتينات من الحمض النووي إلى الريبوسومات (المصانع الصغيرة في الخلية)، بينما تظل نسخ الرنا المرسال الخاصة به محمية.
وأخيرا، يتمثل التكتيك الثالث الذي كشفت عنه الدراسة في قدرة الفايروس على منع نقل الرنا المرسال للخلية من نواة الخلية، والذي يتم تصنيعه في الغرفة الرئيسية للخلية، حيث تعمل عادة كنموذج لتخليق البروتين.
وأوضحت جينوسار قائلة “من خلال استخدام هذه الاستراتيجية ثلاثية الاتجاهات، والتي تبدو فريدة من نوعها، يكون الفايروس قادرا على تنفيذ ما نسميه ’إيقاف المضيف’ بكفاءة، حيث يستولي على قدرة الخلية على تخليق البروتين. وبهذه الطريقة، فإن الرسائل الواردة من الجينات المهمة المضادة للفايروسات، والتي تدفع الخلية لإنتاجها عند الإصابة، لا تصل إلى أرض المصنع لترجمتها إلى بروتينات نشطة، مما يؤدي إلى تأخر الاستجابة المناعية التي نراها”.
لكن الخبر السار الذي تزفه الدراسة، هو أنها نجحت في تحديد البروتينات الفايروسية المشاركة في عملية إغلاق المضيف بواسطة فايروس كورونا، والتي يمكن أن توفر فرصا جديدة لتطوير علاجات فعالة لهذا الفايروس.
اقرأ أيضاً: