غزة 2022: حرب، مصالحة وغاز

حرب خاطفة بين الجهاد الإسلامي وإسرائيل، ومصالحة حماس والنظام السوري، مرورا بملف المصالحة الفلسطينية ولقاء الجزائر، تلك أبرز الأحداث السياسية المتعلقة بقطاع غزة عام 2022، الذي لم يختلف كثيرا عن سابقه فيما يخص المعاناة التي يكابدها سكان الجيب المحاصر.
أفرزت الحرب الخاطفة بين الجهاد الإسلامي وإسرائيل العديد من القراءات حول طريقة تعاطي حركة المقاومة الإسلامية “حماس” معها، خاصة وأن هذه الأخيرة مارست سياسة ضبط النفس، وحاولت تجنّب الدخول في مواجهة بدأت من دون مقدمات، وانتهت بنفس السرعة التي بدأت بها، ليعود النصر فيها إلى طرف ثالث هو مصر، إذ بفضل جهودها الدبلوماسية تجنب القطاع المزيد من الخسائر المادية والبشرية، وتجنبت حماس الإحراج الذي كان سيحصل لو استمرت الحرب لمدة أطول، مما كان سيضطرها إلى المغامرة بمكاسب الهدنة السابقة حفاظا على سمعتها كحركة مقاومة يفترض أنها بالمقدمة في أي مواجهة ضد إسرائيل.
لحسن الحظ أن فاتورة التصعيد الذي وقع في 2022 لم تكن كسابقتها في معركة سيف القدس 2021، ولعل حماس قد أصابت هذه المرة في عدم قبول جرها إلى خراب جديد كان سيضاعف مشاكل غزة الاقتصادية التي لا تنفد، واختارت أن تفوّت الفرصة على يائير لابيد في استعمال العملية العسكرية كإشهار لحملته الانتخابية التي بدأت بعناوين عريضة من جملتها التهديد الأمني الذي يأتي من غزة وضرورة مواجهته لتعزيز أمن إسرائيل وإضعاف المقاومة.
◙ علة غزة هي توقف مصانعها عن العمل، وارتفاع نسبة البطالة مقارنة مع المعروض من تصاريح العمل وفرص العمل، التي تكاد تكون شبه معدومة، بل معدومة
لقد اختارت حماس أن تكون سنة 2022 سنة السياسة الخارجية في محاولة لتصحيح أخطاء الماضي، وطرقت باب موسكو التي عبّدت الطريق لها للتصالح مع سوريا، بعد جفاء دام عقدا كاملا، يوم ظنت حماس أن أيام الأسد معدودة في السلطة وقفزت من القارب قبل أن يغرق، ظنا منها أن ذلك الخيار ضروري لضمان تموقع جديد في سوريا الجديدة.
ومع مرور الوقت وتبدل الأحداث وتقارب تركيا مع إسرائيل صار من المنطقي أن تتدارك الحركة خطأها مع نظام دمشق وأن تطلب الصلح والصفح، وبالفعل تحقق الصلح ولكن من غير صفح، وبدا تحفظ دمشق واضحا من تلك المصالحة إذ لم تعطها وسائل الإعلام السورية أهمية واكتفت بذكرها في سطرين أو ثلاثة، وهو ما يفسّر أن تلك المصالحة جاءت بإملاءات من إيران، واضطرت دمشق لقبولها على مضض، ولكن دون أن تفكر في استعمالها بروباغندا سياسية تروج للدعم السوري للمقاومة في فلسطين ولمحور الصمود والممانعة.
صحيح أن حماس صحّحت خطأ خالد مشعل حيال سوريا، ولكنها لم تستطع أن تنسي النظام في سوريا ما اقترفته من ذنب بعد أن رفعت أعلام الثورة السورية في مهرجاناتها بغزة، ولهذا فإن توجه حماس نحو دمشق لم يأت، ولن يأتي، بجديد، خاصة أن بشار الأسد فتح أبوابه لحركة فتح بعد جفاء دام عقودا طويلة، ولا يمكن أن يجمع خصمين على أرض واحدة فيها من اللاجئين ما هو كفيل بأن يشعل حربا أهلية في المخيمات.
ملف المصالحة أيضا أتى في سنة 2022، ولكن عبر بوابة الجزائر، التي حاولت أن تحيي دبلوماسيتها الخارجية بالملف الفلسطيني، خاصة أنها كانت على موعد مع حدث استضافة القمة العربية. ولكن تحمّس الجزائر لم يقدم أي شيء جديد سوى مصافحة باردة بين رئيس السلطة ورئيس الحركة، وبعد لقائهما توجه الوفدان كل إلى مقر إقامته، وعاد ملف المصالحة إلى المربع الأول، وهو أمر طبيعي في ظل استمرار نفس الظروف التي أدت إلى الانقسام، وفي ظل تمسّك حماس بشرعيتها في غزة، وتمسّك السلطة بشرعيتها على كامل فلسطين.
◙ الحرب الخاطفة بين الجهاد الإسلامي وإسرائيل أفرزت العديد من القراءات حول طريقة تعاطي حركة المقاومة الإسلامية “حماس” معها، خاصة وأن هذه الأخيرة مارست سياسة ضبط النفس
أما في الجانب الاجتماعي والاقتصادي داخل القطاع فالوضع يتجه من سيء إلى أسوأ، حتى في ظل وجود سلسلة من التسهيلات التي قدمها الاحتلال لضمان عدم سقوط الهدنة، كزيادة عدد تصاريح العمل وتسهيل عبور البضائع وزيادة حركة التجارة بين غزة والعالم الخارجي. هذه الإجراءات ربما ترفع القليل من المعاناة، ولكنها تبقى مجرد مسكنات شأنها شأن المساعدات المالية القطرية، التي لا يمكن لها أن تعالج المرض من العلة.
علة غزة هي توقف مصانعها عن العمل، وارتفاع نسبة البطالة مقارنة مع المعروض من تصاريح العمل وفرص العمل، التي تكاد تكون شبه معدومة، بل معدومة، إذ لا يعقل أن نسمّي ما يقوم به الأجير الذي يتقاضى ما بين 15 و20 شيكلا بالعمل بل بالعبودية، لأن ما يتقاضاه لا يكفي سوى لشراء قليل من الطعام.
لم تخل سنة من ضرائب جديدة تفرضها حماس لمواجهة العجز في ميزانيتها، إذ فرضت في سنة 2022 ضرائب جديدة على الملابس المستوردة، وأسعارا جديدة لأسطوانة الغاز ورغيف الخبز، لتزيد من سخط الغزيين على واقعهم المر، وتجعل البعض منهم يدعو إلى الخروج إلى الشارع ومخاطبة حماس التي لا تراعي ظروف الناس وأحوالهم المعيشية لتزيدها سوءا على سوء، مستخدمة كلمة “الحصار” لتبرير كل الزيادات وكل السياسات التي يترتب عنها المزيد من العناء.
لحسن الحظ أن سنة 2022 اختتمت بخبر سار مفاده التوصل إلى اتفاق بين مصر وجهات فلسطينية وإسرائيلية للبدء باستغلال حقل مارين للغاز بالقرب من سواحل غزة، فلربما تكون حصتها منه كفيلة بحل أزمة الكهرباء، حيث تعمل محطة توليد القطاع بالغاز، وهو ما يعني أنه إن تم بالفعل استغلال الحقل فإن شوارع غزة ستبيت في النور على غير عادتها. حتى وإن كانت التقديرات تشير إلى أن حجم العائدات المالية من هذا الحقل لن يكون بتلك الضخامة التي يمكنها أن تقلب حال غزة إلى الدوحة، إلا أن غاية ما يتمناه المواطن الغلبان منها هو أن تقيه الحاجة إلى السولار للتدفئة، ومن أصوات مولدات الكهرباء التي تملأ الدنيا ضجيجا للحصول على بعض النور.
نتمنى أن يحمل عام 2023 ما يغير حال غزة والغزيين، وإن لم يحمل ذلك، نتمنى أن يمر مرور الكرام دون حروب ودون دمار.