غزة مسرح لمواجهة جديدة.. في صالح من؟

إطلاق يد الجهاد الإسلامي في مواجهة عسكرية جديدة ينبغي أن يأخذ في الحسبان أن الحاضنة الشعبية أصبحت أكثر ميلا للتهدئة وأن الدخول في مواجهة عسكرية يضع الحركة في مواجهة الغزيين.
الخميس 2023/03/23
إصرار حماس على لغة التصعيد سيكون طوق النجاة لنتنياهو

كسابقاتها، خرجت قمة شرم الشيخ الأمنية بمخرجات مكررة، حيث ثم التشديد على ضرورة إيجاد صيغة لوقف التصعيد الذي من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من أعمال العنف من الجانبين على حد سواء. ولكن الحديث عن نجاح هذه القمم الأمنية أمر صعب التكهن به في ظل غياب الأطراف الأكثر تأثيرا في المعادلة، وهنا نقصد حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى التي رفضت مرارا وتكرارا الجلوس إلى طاولة واحدة مع المحتل، وردّت على البيانات الختامية للقمم الأمنية بتصريحات تصعيدية أعلنت من خلالها أن المواجهة هي الخيار الوحيد والطريق الأمثل لردع الاحتلال.

ومع أن حماس مدركة بأن التصعيد سيكون طوق النجاة لبنيامين نتنياهو الذي يريد الخلاص من أزمته الداخلية عبر تصديرها إلى غزة، إلا أنها ومن خلال إصرارها على لغة التصعيد تسير في طريق الفخ غير آبهة لما سيترتّب عن المواجهة القادمة.

توظيف الملف الأمني دعامة للتغطية على الفشل السياسي، سياسة كلاسيكية اعتمدتها جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للهروب من سخط الشارع بعد الإخفاق، وهي إستراتيجية تضليل واضحة يمارسها الفريق الأمني لحكومة الاحتلال الجديدة، محاولا من خلالها توفير غطاء لنتنياهو يمكنه من كسب الوقت، العامل الوحيد الذي يملكه لكسب معركة القضاء.

◙ كل الجهود العربية لوقف دوامة العنف في الأراضي الفلسطينية قد تصبح لا محل لها من الإعراب. ولهذا فان إسرائيل مجبرة على إظهار حسن النية لأطراف القمة ومنها واشنطن الراعية لهذه القمم

ومن المعروف أن الطريق المختصر لحل أزمات إسرائيل الداخلية هو فتح جبهة مع غزة يكون فيها الشارع الإسرائيلي مجبرا على الالتفاف حول حكومته، بما أن الخطر الأمني يأخذ الأولوية على الأخطار الأخرى. وقد يوظف الملف الأمني أيضا في المعارك الانتخابية لحشد الأصوات على اختلاف ألوانها، وهو ما قام به يائير لابيد في حربه الخاطفة ضد الجهاد الإسلامي في أغسطس من العام الماضي.

هوية حماس كحركة مقاومة تلزمها بأن تستعمل لغة التصعيد بين الحين والآخر، لتذكّر الشارع الفلسطيني بأن نهجها أكثر فاعلية من الاتفاقات الأمنية لسلطة فلسطينية لا تأتي بجديد، وأنها المظلة التي تجمّع تحت ظلها جميع أطياف المقاومة المسلحة. ولكن حماس لم تظهر ردة فعل قوية في مواجهة الجهاد الإسلامي الأخيرة، ونجحت في سياسة ضبط النفس إلى أبعد الحدود.

ربما كان ذلك قراءة سليمة لأهداف يائير لابيد من تلك الحرب، أو أن التقارب الذي حصل مع القاهرة يحتاج وقتا لبناء الثقة وتحقيق مكاسب منه تبدأ بعدم إقحام نفسها في معركة قد تضع مصر في حرج كبير، يقلب نجاحها في الوصول إلى هدنة إلى فشل قد يضطرها لإعادة تقييم سياسة الانفتاح نحو الحركة، بما أنها لا تتعاطى مع الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة. ولكن الجهاد الإسلامي تبدوا أكثر اندفاعا لخوض مواجهة جديدة بعيدا عن كل الحسابات السياسة لحماس، خاصة وأن الاستهداف المتكرر لأعضائها والذي كان آخره استهداف عضوين لها في جنين ودمشق أمر سيضعها في حرج أمام منتسبيها.

ومع أن عملية إطلاق صاروخ نحو إسرائيل لم ينجرّ عنها رد فعل إسرائيلي، إلا أن هذا قد يفسر بأن إسرائيل تريد إبقاء توقيت خيار المواجهة العسكرية في يدها، خاصة وأنه يستعدي ترتيب الأوضاع الأمنية في الضفة ما بعد عملية جنين الأخيرة، أو ربما لعدم إفساد مكتسبات قمة شرم الشيخ الأخيرة، والتي قد تساعدها على ترتيب تلك الأوضاع، بل إنها مضطرة إلى تقديم ضمانات لمصر والأردن بعدم خرق الاتفاق مجددا، وإلا فإن ذلك يعني أن كل الجهود العربية لوقف دوامة العنف في الأراضي الفلسطينية قد تصبح لا محل لها من الإعراب. ولهذا فان إسرائيل مجبرة على إظهار حسن النية لأطراف القمة ومنها واشنطن الراعية لهذه القمم.

◙ توظيف الملف الأمني دعامة للتغطية على الفشل السياسي، سياسة كلاسيكية اعتمدتها جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للهروب من سخط الشارع بعد الإخفاق

يأخذ الحديث عن احتمالات المواجهة وتوقيتها وأطرافها الحيز الكبير من التحليل والمتابعة، ولكننا نسقط دائما سكان قطاع غزة من المعادلة مع أن الفاتورة الكاملة لما يترتب عنه من مواجهة تقع على عاتقهم وتزيد أوضاعهم شدة بل تضيّق عليهم الخناق أكثر فأكثر.

وهنا نتساءل عما إذا كانت حماس قد دفعت ما عليها من مستحقات في المواجهات السابقة، خاصة وأن التقارير الأخيرة تحصي 90 ألف وحدة سكنية متضررة تحتاج إلى إعادة إعمار في غزة، وأن الزيادات الضريبية الأخيرة التي أصبح لا مفر منها بعد جفاف مصادر التمويل الإيرانية بالعملات المشفرة، قد تضع الحركة في موقف أخلاقي صعب، فواجبات المقاومة التي تنادي بها حماس لا يمكن أن تسقط عنها مسؤوليتها في تدهور أحوال الناس.

لهذا فان إطلاق يد الجهاد الإسلامي في مواجهة عسكرية جديدة ينبغي أن يأخذ في الحسبان أن الحاضنة الشعبية للحركة في غزة قد أصبحت أكثر ميلا للتهدئة من التصعيد، وبالتالي فإن الدخول في مواجهة عسكرية غير محسوبة العواقب ستضاعف المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لغزة وستكون القطرة التي تفيض الكأس وتضع الحركة في مواجهة الغزيين لا في مواجهة الاحتلال.

9