غرب ليبيا يواجه الدبيبة باتساع دائرة الداعين للإطاحة بحكومته

رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة يجد نفسه في مواجهة المنطقة الغربية، التي دعمت حكومته، وخاصة مدينة مصراتة التي توجد بها حاضنته الشعبية والقبلية. وهناك أسباب كثيرة وراء هذا التغيير منها أن الحكومة فشلت في تحقيق مكاسب ملحوظة في ملفات الفساد والأمن وارتفاع الأسعار.
اتسعت دائرة الاحتقان في المنطقة الغربية لليبيا، وطالبت القوى الوطنية لانتفاضة الحسم والتغيير بالساحل الغربي والفاعليات الوطنية في مصراتة بإنهاء حالة الانقسام السياسي بين مؤسسات الدولة، وشددت، في بيان مشترك، على ضرورة العمل بمبدأ عدم الإفلات من العقاب كأساس لمحاربة الفساد، داعية كل النخب الوطنية والسياسية الاجتماعية إلى توحيد الجهود التي ترمي إلى قيام وطن يسع الجميع.
وطالب البيان بتكثيف الضغط على إسقاط ما وصفها بحكومة “الفساد والتطبيع”، وإنتاج حكومة واحدة تغطي كل جغرافية الوطن، مشيرا إلى أن التوافقات الوطنية المتمثلة في التعديل الدستوري الثالث عشر والقوانين الانتخابية المنبثقة عن لجنة 6+6 هي الأساس القانوني لإجراء الانتخابات العامة.
وحثت القوى الوطنية لانتفاضة الحسم والتغيير بالساحل الغربي والفاعليات الوطنية مصراتة، المبعوث الأممي عبدالله باتيلي للتحرك من أجل تشكيل الحكومة الجديدة، التي أقر بضرورتها، وتوسعة طاولة الحوار لتكون ممثلة لكل الليبيين من أجل توافقات أوسع لضمان نجاح الانتخابات والقبول بنتائجها.
بدوره، قال عضو مجلس الدولة الاستشاري، ومنسق تجمع نواب مصراتة، بلقاسم قزيط إنه حكومة عبدالحميد الدبيبة انخرطت في ممارسات سياسية ومناكفات لا مبرر لها ولا توجد حتى ضرورة سياسية لها.
وأضاف في تصريح صحفي “مطالب تشكيل حكومة جديدة مشروعة ومعلنة ومضمرة لدى الكثير من الناس في مصراتة وغير مصراتة”، مؤكدا “هذا الأمر تأخر كثيرًا لأن الحكومة هاجمت وعادت الجميع والدبيبة يتهجم منذ أكثر من عامين بشكل مستمر وثابت على المؤسسات التشريعية وفُقدت الثقة به تماما”.
وتابع “نبحث عن حكومة أكثر نضجا ترى المشهد السياسي بشكل أكثر واقعية، وأستغرب معاداة الحكومة السافرة والمتكررة لمجلس الدولة دون مبرر”.
وفي مدينة بني وليد، طالبت تنسيقية “العمل الوطني” بتشكيل حكومة واحدة قادرة على توحيد مؤسسات الدولة وبسط سيطرتها على كامل ليبيا، وتجديد الشرعية عبر انتخابات رئاسية ونيابية حرة ونزيهة.
وأشارت التنسيقية إلى أن المسار الحالي للمصالحة لا يلبي طموحات الشعب الليبي، وطالبت بضرورة إيجاد آلية جديدة تضمن مشاركة جميع الأطراف بشكل فعال وشفاف.
من جانبه، أعلن المجلس الاجتماعي سوق الجمعة والنواحي الأربع ومعه كامل قيادات المنطقة أنه سيطلق تحركا يهدف إلى تصحيح مسار الوطن، وقال إنه سيتحرك ويعمل لأجل التصحيح ولن يقبل باستمرار العبث.
وأوضح المجلس في بيان أنه “يرصد ويراقب كل ما يدور في كواليس التحركات السياسية وذلك التباطؤ المتعمد الذي استحال جمودا تاما حرم الشعب الليبي من حقوقه الدستورية والشرعية وعلى رأسها اختيار حكامه وقادته”، وأنه يراقب ما يعانيه المواطنون من التضخم وغلاء الأسعار وضعف الخدمات بسبب الفساد المستشري.
وتابع المجلس أنه يلاحظ التفتيت المستمر للبناء المؤسسي للدولة الليبية بظهور الكثير من الأجسام المستحدثة ونزع الصلاحيات من جهات أخرى تعد أصيلة في الهيكل التنظيمي للدولة، مردفا أن كل ما تقدم أنتج حرمان الليبيين من الانتخابات ومن حقوقهم الدستورية ومن أيّ خدمات قطاعية ذات جودة، وفق نص البيان.
وفي السياق ذاته، أعلن منتسبون لجهاز حرس المنشآت النفطية غلق جميع الحقول والصمامات والخطوط الناقلة للنفط والغاز في مناطق الجنوب الغربي، “للمطالبة بحقوقهم ومستحقاتهم المالية”.
وقالوا في بيان، الجمعة، إنهم أعطوا مهلة 48 ساعة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة لتلبية مطالبهم، ولكن دون جدوى، مشيرين إلى أن تعليمات الدبيبة الخاصة بمنحهم مستحقاتهم لم تنفذ.
وكان منتسبون إلى الحرس بمصفاة الزاوية أغلقوا الثلاثاء الماضي المصفاة ومجمعي مليتة ومصراتة النفطيين، “للمطالبة بالحصول على حقوقهم من مرتبات وتسويات سابقة وتنفيذ قرار منحهم تأمينا صحيا مماثلا لما يحصل عليه الموظف في المؤسسة الوطنية للنفط”.
يأتي ذلك، فيما عاد ملف الأمن للتداول على نطاق واسع في غرب ليبيا بعد أحداث الأيام الأخيرة، فيما أكدت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية أنه سيتم إخلاء العاصمة طرابلس من كل التشكيلات المسلحة، وهو القرار الذي تم اتخاذه على إثر اجتماع موسع لـمجلس الدفاع وبسط الأمن أشرف عليه الثلاثاء الماضي رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة وحضره رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة بصفته وزيرا للدفاع، ورئيس الأركان العامة، وآمرو المناطق العسكرية بالمنطقة الغربية.
وقال وزير الداخلية عماد الطرابلسي إنه لن يكون هناك وجود لأجهزة الردع ودعم الاستقرار واللواء 444 والأمن العام والشرطة القضائية داخل العاصمة، وهي ميليشيات تم إخضاعها لسلطات المجلس الرئاسي ووزارتي الداخلية والدفاع، مردفا أن نهاية شهر رمضان ستكون أقصى موعد لإخلاء العاصمة من هذه الأجهزة وكل التشكيلات المسلحة الأخرى.
وبحسب أوساط مطلعة فإن القرار تم اتخاذه من قبل المجلس الرئاسي ووافقت عليه الحكومة بسبب الضغوط التي تواجهها على إثر المجزرة الرهيبة التي جدت السبت الماضي بالتزامن مع الذكرى الثالثة عشرة لثورة 17 فبراير وراح ضحيتها 10 أشخاص على الأقل قتلوا بدم بارد داخل منزل في بلدية أبوسليم الواقعة بوسط العاصمة، والخاضعة لسيطرة جهاز دعم الاستقرار الذي أنشاه المجلس الرئاسي في العام 2021 من عدد من الميليشيات بقيادة عبدالغني الككلي.
وكان قد تم الأحد الماضي العثور على جثث الضحايا بعد تصفيتهم بأعيرة نارية على رؤوسهم. وقالت السلطات الحكومية إنها فتحت تحقيقا للكشف عن الجهة التي قد تكون تورطت في الجريمة، وأفادت مديرية أمن طرابلس أن النيابة العامة باشرت التحقيقات في الحادثة.
ورأى المرشح الرئاسي سليمان البيوضي أن الوضع في ليبيا مهيأ تمامًا لتشكيل حكومة جديدة، ولم يعد لعبدالحميد الدبيبة أي زخم، مشيرا إلى أن الوضع يختلف كليًّا عن 2022، فالدبيبة فقد الشارع والأهم حاضنته ومعقله مدينة مصراتة ولم يعد يملك إسنادًا عسكريًّا داعمًا يكفي لمواجهة أيّ اتفاق سياسي، لذا فقد انتهت حكومة الدبيبة.
وأضاف البيوضي ”من دون شك توسيع دائرة الحوار والمشاركة السياسية أمر مهم، ستبقى المعضلة هي النتائج العاجلة، فالوضع المتوتر غرب البلاد يضع ليبيا على حافة الصدام العسكري، وهو ما حذَّر منه عبدالله باتيلي أمام مجلس الأمن، ويبدو ذلك واضحًا في التحركات العسكرية والتوترات التي تعيشها البلاد حاليًّا، نحن في حاجة إلى حكومة جديدة بشكل عاجل”.
وكان وزير الداخلية أعلن عن تكليف فريق تحقيق بشأن الجريمة التي جدت السبت الماضي في وسط طرابلس، وقال إن البحث الجنائي باشر بأخذ البصمات وبعض المقتنيات في واقعة القتل، مضيفا أنه تم توثيق مقتل 10 أشخاص في الجريمة، والأجهزة الأمنية اتخذت الإجراءات لكشف الملابسات.
وطالبت اللجنة المركزية العليا لقبائل “المشاشية” المجلس الرئاسي والحكومة ومكتب النائب العام بضرورة التحقيق العاجل في قضية مقتل أبناء القبيلة، داعية الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم في الكشف عن الجناة وتقديمهم للعدالة.
ويمكن لحالة الفلتان الأمني أن تدفع نحو تعميق الأزمة السياسية لاسيما مع استمرار حالة الانقسام الحكومي وفشل كل الجهود المبذولة لتوحيد المؤسسة العسكرية وتجميد مساعي اللجنة العسكرية المشتركة 6+6 بخصوص حل الميليشيات وإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة وجمع السلاح والعودة إلى ظل سيادة الدولة دون غيرها.
وزاد الوضع الأمني من وتيرة الاحتقان في المنطقة الغربية، ومن ترسيخ القناعة بفشل السلطات الحالية التي تبسط نفوذها على العاصمة ومدن الساحل الغربي، لافتين إلى أن الدبيبة كان يقدم الملف الأمني على أنه أهم ما يؤكد نجاحه في إدارة شؤون الحكم خلال السنوات الثلاث الماضية.