غاريدو يستأنس بتجارب الكبار لقيادة الأندية العربية

الأهلي المصري يعتبر البوابة التي دخل منها المدرب الإسباني إلى الأندية العربية وتوج معه بلقبي السوبر على حساب الزمالك وكأس الكونفيدرالية الأفريقية.
الأحد 2020/03/08
رفع الألقاب هواية

أحيانا تُترك آلية الدعاية جانبا لتفسح المجال لما تخطه أيادي المدربين رسما وتكتيكا وتؤكده أقدام اللاعبين على الميدان ليكون المنجز محفزا ودافعا لمواصلة الرحلة حتى وإن تبدّلت المواقع، رحلة المدربين الذين تركوا بصمة في الدوريات العربية في السنوات الأخيرة بينهم الإسباني خوان كارلوس غاريدو الذي بدأ مؤخرا في الإشراف على حظوظ الوداد المغربي.

الرباط – يكتسب العديد من المدربين الأجانب الناشطين في بعض الدوريات العربية حضورهم الدائم من خبرة واطلاع واسع راكمهما هؤلاء بمرور الوقت، فيما الأهم من ذلك تقيّدهم بتجارب بعض الوجوه الكبرى في عالم التدريب التي كانت قاطرتهم الأولى لخوض رحلة التجديد مع الأندية العربية، ولعل أبرزهم الإسباني خوان كارلوس غاريدو مدرب الوداد البيضاوي المغربي.

وشق المدرب الإسباني، الذي بات وجها معروفا في الأوساط الرياضية العربية، طريقه بثبات في أول رحلة مع فريقه الجديد ليؤكد أنه في مستوى الثقة التي وضعتها فيه إدارة الفريق المغربي التي عيّنته مؤخرا خلفا للفرنسي سيباستيان ديسابر.

وأصبحت ظاهرة الاستنجاد بمدرّبين أجانب في منتصف الموسم مسألة اعتيادية لدى الفرق العربية، خصوصا تلك المعنية بالمنافسة على لقب الدوري المحلي أو دوري رابطة الأبطال كحال الفريق المغربي مثلا، لما يكتسبونه من خبرة، والأهم من ذلك اطلاعهم الواسع على الفرق المنافسة وسبر أغوارها من الداخل.

ولم يفوّت الوداد المغربي فرصة إقالة النجم الساحلي التونسي للفني الإسباني ليجدد العقد معه ويقنعه بقيادة النادي في قرار رأى متابعون أنه ينمّ عن متابعة دقيقة لإدارة الفريق المغربي لخصمه في مسابقة دوري أبطال أفريقيا واطلاعها على حيثيات تجربة غاريدو التي لم تعمّر طويلا وشابها جدل كبير في الساعات الأخيرة من ترك الإسباني للفريق التونسي.

وأعرب المدرب الإسباني منذ تسلمه المقاليد الفنية للنادي المغربي عن “فخره” ببدء تجربة جديدة مع الوداد البيضاوي، الذي يتصدر حاليا الدوري المغربي بفارق نقطة واحدة عن المطارد نهضة بركان.

ويصف محللون التجربة الجديدة للفني الإسباني بمثابة تحدّ كبير قبل المدرب القيدوم خوضه، كونه سيكون مطالبا أولا بالمحافظة على صدارة ترتيب الدوري المحلي وتدعيمه دفاعا عن اللقب الذي يتطلع الوداد إلى الفوز به هذا العام، وثانيا وهو الأهم التركيز على مسابقة دوري أبطال أفريقيا وما تخبئه من مفاجآت.

رهان ناجح

غاريدو يشق طريقه بثبات في أول رحلة مع فريقه الجديد
غاريدو يشق طريقه بثبات في أول رحلة مع فريقه الجديد

راهن المدرب في أول ظهور له مع الفريق على خبرته الطويلة ليضع خطة محكمة ويدخل بعض التغييرات على تشكيلة الفريق وهو ما كان كافيا للإيقاع بخصمه النجم الساحلي على أرضه في جولة الذهاب 2 – 0.

ويدين الوداد البيضاوي، بطل 1992 و2017 ووصيف بطل الموسم الماضي، بفوزه إلى مدافعه محمد الناهيري الذي سجل ثنائية أمام النجم الساحلي.

وقال الناهيري “لم تكن المباراة سهلة وعرفنا كيفية توظيف ما لقنه لنا المدرب، ضغطنا في الشوط الأول وهذه هي قوة الوداد. استطعنا افتتاح التسجيل ما أكسبنا الثقة لنتابع اللقاء على نسق قوي وأضفنا الهدف الثاني”.

وأضاف “غاريدو أعاد الثقة إلى الفريق بعد سلسلة مباريات متواضعة، فضلا عن أن مساندة الجماهير كانت عاملا محفزا ومساعدا للخروج من الكبوة”.

ويطرح انتقال غاريدو بين الدوريات العربية في السنوات الأخيرة أكثر من تساؤل لدى المحللين الرياضيين على غرار مدرب الزمالك المصري الفرنسي باتريس كارتيرون وغيره من المدربين الأكفاء الذين تمرسوا كثيرا في القارة الأفريقية مثل القيدوم الفرنسي كلود لو روا ومواطنه هيرفي رينارد والتونسي فوزي البنزرتي، والقائمة تطول لذكر الكثيرين الذين تركوا بصمتهم في
قيادة الأندية العربية إلى معانقة الألقاب.

ويلفت محللون رياضيون إلى المكانة التي يحظى بها هذان المدربان في السنوات الأخيرة (غاريدو وكارتيرون)، حيث لا يكاد أحدهما ينهي اتفاقه مع فريق ليجد الآخر رهن إشارته لتسريع التعاقد معه في أقرب فرصة ممكنة.

ويتساءل البعض عن الأسباب التي تجعل من غاريدو مثلا مكسبا لبعض الأندية العربية للتهافت على خدماته.

السبب يلوح وجيها ولا يستدعي فلسفة كبيرة وفق بعض المتابعين لنشاط سوق الانتقالات خصوصا في وضعية كالتي يمر بها الوداد المطالب بالدفاع على جبهتين محليا وأفريقيا. وقد أكد المدير الفني الجديد التزامه بالشروط التي وضعها الفريق قبل الإمضاء على العقد. ما يعني أنه في حال الإخلال بهذه الشروط سيجد المدرب نفسه يحجز أمتعته ويغادر.

لكن الأكيد أن التجربة الكبيرة التي يتمتع بها المدير الفني الإسباني في عالم التدريب بعد إشرافه على عدة فرق إسبانية وعربية وخليجية جعلته خيارا لا غنى عنه في نظر الوداديين الشغوفين بأن يتوجوا أبطالا للمغرب ولم لا لأفريقيا؟

ودفع المستوى اللافت الذي يقدمه هذا المدرب في السنوات الأخيرة برفقة الكثير من الأندية العربية المتابعين إلى النبش في الخزائن في محاولة لاستكشاف تجربة هذه المدير الفني عبر التاريخ والوقوف على أبرز المراحل التي مر بها غاريدو في مسيرته التدريبية.

البداية من إسبانيا

رحلة تحدّ مع الألقاب
رحلة تحدّ مع الألقاب

رأى غاريدو النور في مارس 1969 بمدينة فالنسيا على الساحل الشرقي لإسبانيا. واستنادا إلى بعض المصادر المطلعة على مسيرة هذا الفني، فإنه بعد إتمام دراسته الجامعية انتقل مباشرة إلى عالم التدريب في سن شابة (24 سنة) حيث درّب في الهواة نادي “بويغ” الإسباني سنة 1992 ليصعد به درجتين من أقسام الهواة إلى القسم الجهوي واستمر في قيادته قرابة ستة مواسم متتالية حتى 1998، كما كان أفضل إنجاز له هو وصافة الدوري الجهوي الإسباني.

بعدها انتقل غاريدو إلى نادي فياريال الإسباني، حيث درب فريق الأمل وصعد معه إلى القسم الثالث ثم الثاني. وفي سنة 2008 تم تعيينه مدربا للفريق “ب” خلفا للمقال كارلوس أوليفيا الذي ترك النادي في منتصف الموسم في قاع الترتيب. لكن غاريدو تمكن من كسب الرهان وحقق البقاء في القسم الثاني في نهاية الموسم ليحافظ بذلك على مكانته بالدرجة الثانية وينافس في ما بعد على بلوغ القسم الثاني الممتاز، وهو الذي يعتبر في إسبانيا القسم الوطني الثاني بعد الدوري الممتاز.

وفي موسم 2009 تحقق حلم غاريدو حيث قاد الفريق الرديف إلى صعود تاريخي إلى القسم الثاني الممتاز بحسب تعبير صحيفة “ماركا” الإسبانية التي وصفت إنجاز غاريدو بمفاجأة الموسم الذي نجا من النزول في 2008 وصعد موسم 2009 إلى القسم الممتاز درجة 2.

بعد إنجازه هذا وضعت إدارة فياريال ثقتها في غاريدو وعينته في الأول من فبراير 2010 مدربا رسميا للفريق الأول خلفا للمقال حينها إرنستو فالفيردي مدرب برشلونة السابق، وأنهى الموسم في المرتبة السابعة التي أهلته إلى الدوري الأوروبي في موسم 2011 مما خوله تجديد عقده مع نهاية الموسم براتب مضاعف.

وفي موسم 2011، والذي كان أفضل موسم في مسيرة غاريدو، قاد فياريال لمنافسة كبار الليغا وأنهاه في المرتبة الرابعة ليتأهل الفريق إلى دوري أبطال أوروبا. كما قاده في نفس الموسم إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي “يوروبا ليغ” بعد إقصائه لكل من دينامو زغرب، كلوب بروج، نابولي، تفينتي أنشخيدة الهولندي وباير ليفركوزن الألماني، قبل خروجه على يد بورتو البرتغالي في نصف النهائي.

كل هذه الإنجازات كانت بمثابة محفز هام للمدير الفني الإسباني لمواصلة العمل والركون إلى الدفاتر لتدوين سجله بين كبار مدربي أوروبا. لكن مثلما تكون النتائج إيجابية أحيانا فقد يتعرض أي مدرب إلى مرحلة من الشك لأسباب قد تكون خارجة عن صنعه.

بعد هذا الموسم الباهر لفياريال فرط النادي الإسباني في جل نجومه وانفصل غاريدو عن النادي في ديسمبر 2011 بعد تتالي النتائج السلبية. بعد ذلك خلد غاريدو إلى فترة راحة دامت حوالي سنة قبل العودة إلى الواجهة في شهر نوفمبر 2012 بعد تعيينه مدربا لكلوب بروج البلجيكي الذي حقق معه نتائج مبهرة دفعت الإدارة إلى المسارعة في تجديد عقده بعد ثلاثة أشهر فقط من التعاقد معه، حيث تسلم غاريدو الفريق وهو في المركز الثامن لكنه أنهى الموسم في المرتبة الثالثة بل وبقي في سباق المنافسة على اللقب حتى الدورة ما قبل الأخيرة حيث لم يفصله عن المرتبة الأولى سوى 4 نقاط، وكان ذلك أفضل موسم في تاريخ كلوب بروج من حيث التصنيف وكذلك من حيث عدد النقاط.

انطلق موسم 2013 وبعد مرور ست جولات تصدر غاريدو الترتيب بـ14 نقطة من 4 انتصارات وتعادلين لكنه انفصل بسبب خلاف مع إدارة النادي بعد رفضه تدخلها في خياراته الفنية، فغادر الإسباني بلجيكا تاركا النادي متصدرا دون هزيمة.

ثلاثة أشهر بعدها وبالضبط في ديسمبر من عام 2013 وقع غاريدو لفريق ريال بيتيس الإسباني كمدرب جديد خلفا لبيبي ميل، لكن سرعان ما انتهت مسيرته معه بعد شهر ونصف الشهر فقط عقب هزيمته أمام ريال مدريد بخماسية نظيفة ما تسبب في إقالته سريعا ليغير وجهته نحو الدوريات العربية التي كانت منصة جاذبة لاحتوائها على العديد من الأندية البارزة.

دوريات عربية جاذبة

إعادة الابتسامة إلى جمهور واسع من الوداديين
إعادة الابتسامة إلى جمهور واسع من الوداديين

عندما تكون البداية مع ناد كبير في حجم الأهلي المصري أو الزمالك أو غيرهما من الأندية المغربية أو التونسية، فإن أول انطباع يكون له بالغ الأثر على أي مدرب يروم خوض غمار التدريب في شمال أفريقيا، بل الأكثر من ذلك أن معاودة التجربة تصبح بمثابة هاجس يراود هذا الفني أو ذاك لمتابعة الرحلة خصوصا أن الراتب مغر وطبيعة المنافسة تكون أكثر إغراء.

ويعتبر الأهلي المصري البوابة التي دخل منها غاريدو إلى الأندية العربية وكان ذلك في يوليو من العام 2014. وفي سبتمبر من نفس السنة فاز غاريدو بأول ألقابه حينما حصد السوبر المصري على حساب الغريم التقليدي الزمالك،. وبعدها بشهرين فقط حقق كأس الكونفيدرالية الأفريقية بعد تغلبه على سيوي سبورت الإيفواري بهدف نظيف بالقاهرة بعد هزيمة الذهاب 1 – 2.

واستمر غاريدو على رأس القيادة الفنية للعملاق المصري حتى شهر مايو 2015 حين تمت إقالته بعد الخروج من دوري أبطال أفريقيا على يد المغرب التطواني بركلات الترجيح. انتقل بعدها غاريدو إلى تجربة جديدة في الشرق الأوسط من بوابة الاتفاق السعودي في نوفمبر 2016 لكنها لم تعمر طويلا.

وفي موسم 2017 – 2018 تعاقد نادي الرجاء البيضاوي المغربي مع المدرب الإسباني الذي قبل المهمة رغم المشاكل التي كانت تضرب الفريق آنذاك رغبة منه في ترك بصمة على انطلاقته الجديدة في مشواره ولمعرفته المسبقة بحجم نادي الرجاء وطنيا ودوليا.

وبالفعل فقد تمكن غاريدو من أن يدوّن اسمه في دفاتر الدوري المغربي عندما حقق مع الرجاء لقبي بطولة الاتحاد الكونفيدرالية الأفريقية وكأس العرش.

ورغم أنه يمكن السكوت على التجربة المتواضعة والقصيرة التي قادت غاريدو إلى الإمارات من بوابة نادي العين “الزعيم” في فترة لاحقة، إلا أن ذكرها يبقى مهمّا لعدة اعتبارات كونها تكشف الطلب المتزايد على خدمات هذا المدرب من عديد الدوريات العربية أولا، وثانيا الأثر الإيجابي الذي تركه هذا المدير الفني وقدرته على خوض التحدي مع كل فريق يضع ثقته فيه بحثا عن الألقاب، حتى أن هناك من وصف الإسباني بعبارة فيها من المديح والإطراء الشيء الكثير بقوله “أينما وجدت غاريدو فهناك ألقاب”.

في رحلة كالتي يخوضها حاليا المدرب الإسباني القيدوم مع الوداد المغربي تنصب آلية البحث لدى المحللين الرياضيين على ما سيقدمه هذا المدير الفني من خطط تكتيكية وعمل مضاعف، والأهم رؤيته في كيفية إعادة الابتسامة إلى جمهور واسع من الوداديين ليثبت جدارته بالبقاء على رأس الفريق، خصوصا أنه يعتبر مراهنا بارزا على الألقاب هذا الموسم.

22