"عيون مصر" ناد رياضي يتبع الكنيسة يثير ضجة حول دخول الدين في الرياضة

مخاوف من تحول الكنائس إلى "غيتو" أو مكان للعزلة الرياضية.
الأحد 2022/09/11
تحذير من سيطرة الدين والسياسة على الجماهير الرياضية

لجوء الكنيسة إلى دخول بطولة مصر لكرة القدم في أحد أقسامها بـ”فريق مسيحي” يفتح نقاشا واسعا حول الخطوة ومخاطر “تديين” الرياضة وتحويلها إلى ساحة مواجهة بين السلطات والأقباط، في وقت يقول فيه مسيحيون مصريون إنه جرى تهميش اللاعبين المسيحيين داخل الأندية والمنتخبات المصرية، وهو ما قد يكون دفع إلى هذه الخطوة.

القاهرة - نفت وزارة الشباب والرياضة في مصر دعمها لأي وجه طائفي لنادي “عيون مصر”، مؤكدة في بيان رسمي أن النادي للجميع ولا يقتصر على الطائفة المسيحية فقط، وهي خطوة أقدمت عليها الوزارة الخميس عقب تصاعد الغضب من مسلمين ومسيحيين خوفا من تحول الكنائس في مصر إلى “غيتو” أو مكان للعزلة الرياضية بعد حديث متواتر حول حرمان مواهب مسيحية من ممارسة هوايتها في مجال كرة القدم.

وأثار وزير الشباب والرياضة المصري أشرف صبحي جدلاً واسعًا عندما سمح بمشاركة نادي “عيون مصر” التابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في دوري الدرجة الرابعة ليكون بذلك أول ناد يتبع مؤسسة دينية يشارك في البطولات الرسمية، ما اعتبره سياسيون خطوة جديدة لترسيخ الطائفية الرياضية في لعبة كرة القدم، حيث بات من النادر وجود لاعبين مسيحيين في أندية الدرجة الأولى بمصر.

وأعلن نادي “عيون مصر” مشاركة فريق كرة القدم التابع للكنيسة الأرثوذكسية في مسابقات الدرجة الرابعة بالدوري المصري وفتح باب التقدم لاختبارات القبول للانضمام إلى صفوف الفريق بالنادي في المرحلة العمرية بين 8 سنوات و18 عاماً.

وأكد النادي، الذي انبثق من أكاديمية تحمل الاسم ذاته جرى تأسيسها قبل خمسة أشهر تحت رعاية أحد الأساقفة بكنيسة العذراء بوسط القاهرة، أنه لا يفرق بين لاعب مسلم وقبطي ويضم عددا من المدربين المسلمين، لكن ذلك لم يخفف وطأة الانتقادات التي واجهها وزير الرياضة بموافقته على تأسيس النادي ومشاركته في بطولات رسمية.

تفرقة حقيقية أم وهمية

أقباط مصر يقتحمون عالم الكرة المستيرة
أقباط مصر يقتحمون عالم الكرة المستيرة

تزايدت شكاوى الأقباط في مصر على مدار العقود الماضية بسبب ما تردد حول وجود تفرقة طائفية في الأندية المصرية ورفض قبول لاعبين مسيحيين، لكن الجهات الحكومية وفي القلب منها وزارة الرياضة لم تتعامل بجدية مع الملف وتجاهلت توالي الشكاوى التي جاءت على لسان لاعبين سابقين مسلمين بينهم لاعب الزمالك وتوتنهام السابق أحمد حسام ميدو، وكابتن منتخب مصر السابق هاني رمزي.

ولا تضم أندية مصر سوى عدد قليل من اللاعبين الأقباط مثل جرجس مجدي الذي يلعب حاليا في صفوف نادي “إنبي” ومن قبل شارك اللاعب القبطي هاني رمزي في صفوف النادي الأهلي قبل أن يخرج في رحلة احتراف أوروبية، كما شارك اللاعب محسن عبدالمسيح في صفوف فريق الإسماعيلي.

ويشير البعض من النقاد إلى أن الخطوة الأخيرة جاءت نتيجة منطقية لجملة من الممارسات غضت وزارة الشباب والرياضة الطرف عنها بدءاً من وقائع إبعاد اللاعبين الأقباط عن الأندية ومروراً بتدشين أكاديميات خاصة تجذب المواهب الرياضية من الأقباط، ونهاية بتدشين الكنيسة الأرثوذكسية في مصر لدوري لكرة القدم خاص بها يشارك فيه لاعبون أقباط ويرسخ لحالة انعزالية في كرة القدم وباقي الألعاب الرياضية.

شكاوى الأقباط في مصر تزايدت على مدار العقود الماضية بسبب ما تردد حول وجود تفرقة طائفية في الأندية المصرية

وكشفت إحصاءات كنسية أن البعثات المصرية في آخر ثلاث دورات أولمبية شهدت تواجد قبطي واحد فقط وهو يوسف حلمي مقار في دورة طوكيو 2020 وشارك في لعبة الرماية من بين ما يزيد عن 370 لاعبًا، وخلت قوائم المنتخبات في الألعاب الجماعية من وجود مسيحيين، مع أن نسبتهم تصل وفقًا لمتوسط الأرقام المعلنة وغير النهائية إلى 10 في المئة من تعداد سكان مصر البالغ عددهم نحو مئة مليون نسمة.

وأفصح مدرب ولاعب كرة قبطي سابق يدعى مينا البنداري عن مشاركة الأكاديمية التي أسسها في العام 2015 وتحمل اسم “جي سوي” في مسابقة القسم الرابع في الدوري العام قبل عامين تحت اسم النادي “المصري السكندري” ضمن مسابقة منطقة الإسكندرية (شمال).

ولفت في تصريحات إعلامية إلى أن الفريق ضم 25 لاعبًا بينهم 20 لاعبا قبطيا وخمسة من المسلمين، كذلك المشاركة بفرق الناشئين، لكن وزارة الرياضة لم تحقق في ما ذهب إليه بنداري.

ويشارك أكثر من 700 فريق قبطي في دوري الكنائس الذي تنظمه الكنيسة الأرثوذكسية ضمن فعاليات “مهرجان الكرازة المرقسية” ويشمل رياضات مختلفة، وحظيت تلك المسابقات التي بدأت منذ العام 2004 باهتمام واسع خلال العامين الماضيين مع تزايد الشكاوى من التمييز ضد الأقباط في الألعاب الرياضية.

وينفي متابعون وجود تمييز رياضي ممنهج ضد الأقباط، ويؤكد هؤلاء رأيهم بوجود ثلاثة من الأندية الكبرى التي شارك اثنان منها في الدوري الممتاز لكرة القدم يملكها أقباط، ومع ذلك لم يقدم أحدهم لاعبا قبطيا فذا، وبافتراض أن هناك “اضطهادا” في الأندية الأخرى وحرمانا متعمدا من مشاركتهم، فلماذا لم تظهر مواهبهم في الأندية الثلاثة ثم ينتقلون إلى أندية كبرى، والمفترض أن تكون هذه الأندية منحازة للأقباط أو على الأقل لا تظلمهم طالما أن هناك مواهب تستحق الدفع بها؟

مواقف متناقضة

هل من الممكن أن ينتقل الصراع إلى الملاعب المصرية
هل من الممكن أن ينتقل الصراع إلى الملاعب المصرية

جاءت مواقف وزير الشباب والرياضة أشرف صبحي متناقضة لأنه التقى الأسبوع الماضي الأنبا رافائيل أسقف عام كنائس وسط القاهرة لمناقشة إجراءات إعلان نادي “عيون مصر” وفي الوقت ذاته شدد على أن وزارته تبحث عن آلية لإشراك شباب الكنيسة في أنشطة وفعاليات وزارته.

ولم يقدم الوزير ردودا مقنعة حول موافقته على إشراك الفريق في البطولات الرسمية في البداية إلى أن اضطرت وزارته إلى إصدار بيان الخميس كشفت فيه عن عدم صواب ما ذهب إليه البعض من أن النادي قاصر على الأقباط.

وذكر الكاتب القبطي جمال أسعد عبدالملاك الذي أثار القضية على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن الوزير صبحي أكد له في اتصال هاتفي معه بأن “النادي تحت التأسيس ولم يقتصر على المسيحيين، وأنه يلبي دعوة الكنيسة في زيارة الأنشطة الكنسية الرياضية”، مؤكدا أن وزير الشباب اعتبر عدم مشاركة الأقباط في الأندية الرياضية بأنها مشكلة عامة.

وكتب أسعد على صفحته “إن تلبية دعوة الوزير وبعض الوزراء لأنشطة كنسية يعطي شعورا خاطئا بأن الكنسية وهذه الأنشطة بديل للدولة، كما أن تلك الدعوات تستملح من الكنيسة والمسيحيين، وهذا خطأ يصب في غير صالح المشاركة والمواطنة”.

ويسهم ضعف مواقف وزارة الرياضة في فتح المجال أمام دخول السياسة والدين كطرفين رئيسيين ومؤثرين في لعبة كرة القدم، وأن وجود ناد يتبع الكنيسة من شأنه إحداث حالة من الفتنة الطائفية بين الأندية وأن المنافسات لن تكون رياضية بالدرجة الأولى، وسوف تهيمن النزعات العصبية على الرياضة بوجه عام، وكرة القدم على وجه التحديد، ويمكن أن تتحول الملاعب إلى حلبة من الفتنة الطائفية.

الرياضة والأحزاب

سليمان شفيق: الكنيسة كان بإمكانها الاعتماد على أحد لاعبيها مثل هاني رمزي للإشراف على إنشاء أكاديميات تستوعب كافة المواطنين
سليمان شفيق: الكنيسة كان بإمكانها الاعتماد على أحد لاعبيها مثل هاني رمزي للإشراف على إنشاء أكاديميات تستوعب كافة المواطنين

سمحت الحكومة المصرية بمشاركة الأحزاب في الدوريات الرياضية من خلال نادي “فيوتشر” الذي يتبع بشكل غير مباشر إلى حزب “مستقبل وطن”، وهو حزب يحظى بالأكثرية في البرلمان المصري ويعد الظهير السياسي للحكومة، ويطلق عليه البعض نادي الدولة، ويمتلك الحزب ناديا يحمل اسمه تتوسع فروعه، ما يشير إلى أن جهات ومؤسسات حكومية ودينية قد تمضي على الوتيرة ذاتها خلال الفترة المقبلة.

وأكد الصحافي القبطي سليمان شفيق أن جمعيات الشباب المسلمين ونظيرتها “الشبان المسيحيين” تأسستا على خلفية مدنية وإن كانت تحمل شقًا دينيًا، غير أن الواقع الحالي يشير إلى وجود مؤسسة دينية تدخل بشكل مباشر في ممارسة الرياضة، وهو أمر مرفوض وإن تعرض الشباب الأقباط لاضطهاد رياضي ولا يمكن أن يكون ذلك بديلاً صحيًا أو دافعا للتوسع في الأندية التابعة لمؤسسات دينية، والتي تؤثر سلبا على الدولة المدنية والمواطنة وهما من القواعد الرئيسية في بناء الدولة المصرية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الكنيسة كان بإمكانها الاعتماد على أحد لاعبيها مثل هاني رمزي للإشراف على إنشاء أكاديميات تستوعب كافة المواطنين وتقدم النموذج الجيد للمواطنة داخلها.

ويخشى متابعون أن يستغل التيار السلفي انتشار أندية مسيحية ويقوم بإنشاء أندية سلفية بهوية إسلامية متشددة، ما يضاعف من الأزمة ويزيد من الاحتقان الطائفي.

وحمل المتابعون وزير الشباب والرياضة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في الملاعب المصرية التي يقال إنها تضطهد الأقباط في وقت تعاني فيه الدولة من محاولات عديدة لإثارة الفتن بين المواطنين، وأن نادي “عيون مصر” يسهم بشكل مباشر في زيادة عزلة الأقباط في مناح اجتماعية لم تظهر على السطح بعد.

ويحمل النادي التابع للكنيسة أبعادا أخرى ترتبط بزيادة وتيرة الضغوط التي تمارسها جهات كنسية على الحكومة المصرية لدمج اللاعبين في الأندية المختلفة، وأن استشعار الخطر جراء الخطوة الأخيرة سوف يقود إلى تصويب الأخطاء المسكوت عنها، مع إثارة الجدل حول القضية في إطار أوسع هذه المرة.

7