عين طهران على فيتو بكين لموازنة تأثير واشنطن في مجلس الأمن

لم يكن تصنيف دولة مارقة أمرا مقلقا بالنسبة إلى إيران، فلطالما استفادت من هذا التصنيف في مظلومياتها بخصوص عداء الغرب لها وفي محاولة إقناع الإيرانيين بصواب نعتها لأميركا بـ”الشيطان الأكبر”، لذلك لن يكون لإعادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران إلى مصاف الدول المارقة، أمرا ذا فاعلية إذا لم تصاحبه قرارات نافذة ومراجعة شاملة للاتفاق النووي، خاصة وأن إيران استفادت كثيرا من الاتفاق النووي “السيء” لبناء علاقات ترى أنه يمكن الرهان عليها لعرقلة أي قرار أميركي يمكن أن يعيد الوضع إلى ما قبل توقيع الاتفاق النووي. وتأتي الصين في صدارة هذه الدول، التي تسعى إيران في محاولة لموازنة تأثير واشنطن والاستفادة من الفيتو الصيني إلى منع تعرضها لعقوبات دولية قوية تنسف كل ما بنته إيران في السنوات القليلة الماضية على أنقاض دول المنطقة التي خربتها ونشرت فيها الفوضى.
الخميس 2017/09/21
الطريق إلى الصين مليئة بالعقبا

تسعى الصين إلى رفع مستوى علاقاتها الاقتصادية مع إيران لخدمة مشروعها الجديد “حزام واحد.. طريق واحد” الذي تحاول من خلاله تعزيز قدرتها على الوصول إلى الأسواق العالمية، لكنها مضطرة قبل ذلك إلى المشاركة في تطوير البُنى التحتية في نحو 68 دولة أبدت اهتماما بالمشاركة في هذا المشروع بتكلفة قد تصل إلى تريليون دولار حسب بعض التقديرات.

ووقّعت البعض من المصارف الرئيسية الصينية، مثل مصرف التنمية الصيني، اتفاقات مع الحكومة الإيرانية، في 16 سبتمبر الجاري، لتقديم تسهيلات وتمويلات بقيمة 35 مليار دولار تهدف إلى تطوير شبكة السكك الحديدية وشق البعض من الطرق الجديدة التي تدعم جهود بكين لتدشين هذا المشروع.

كانت الصين في مقدمة القوى الدولية التي سارعت إلى استثمار رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران في 17 يناير 2016، بعد وصولها إلى الاتفاق النووي مع مجموعة “5+1”، كما كان الرئيس الصيني شي جين بينغ أول زعيم دولة يقوم بزيارة طهران بعد أسبوع واحد من ذلك، وهي الزيارة التي وقّعت فيها الدولتان على 17 اتفاقية تهدف إلى رفع مستوى العلاقات الاقتصادية إلى 600 مليار دولار على مدى عشرة أعوام ودعم فرص ضم إيران إلى هذا المشروع.

ولا ينفصل اهتمام بكين بتوسيع نطاق تعاونها الاقتصادي مع طهران عن الحرص على توقيع اتفاق للتعاون الدفاعي والعسكري مع الأخيرة خلال زيارة وزير الدفاع الصيني تشانغ وانكوان إلى طهران في 14 نوفمبر 2016، ويرتبط ذلك بوجود تصوّرات صينية تدعو إلى ضرورة الوصول إلى تفاهمات أمنية مع دول عديدة بالمنطقة للتعامل مع المخاطر المحتملة التي يفرضها اقتراب التنظيمات الإرهابية من حدود الصين أو انضمام البعض من العناصر الصينية المتطرفة لها، بهدف حماية مصالح الأخيرة وعلى رأسها استكمال مشروع طريق الحرير الجديد.

لكن تعويل بكين على علاقات قوية مع طهران ربما يواجه عقبات عديدة خلال المرحلة القادمة، لاعتبارات خاصة بالمسارات المحتملة للاتفاق النووي والتداعيات التي تفرضها التدخلات الإيرانية المستمرة في الأزمات الإقليمية المختلفة.

دوافع عديدة

يمثّل النفط رقما مهما في اهتمام بكين بتطوير علاقاتها مع طهران، فالأولى هي أكبر مستورد للنفط الإيراني، وثمة تقديرات عديدة في أغسطس الماضي أشارت إلى أن وارداتها من النفط الخام والمكثفات الإيرانية سوف تصل إلى 733 ألف برميل يوميا.

محاولة لترتيب الخطة من جديد

ومع أن بكين قلّصت من تلك الواردات خلال فترة الأزمة النووية، إلا أنها سارعت إلى استثمار رفع العقوبات الدولية من أجل استعادة حصتها من النفط الإيراني مجددا، كما أن السياسة الصينية إزاء البعض من الملفات الإقليمية كانت دافعا آخر أمام طهران للمضى قُدما في تطوير علاقاتها مع بكين، التي حالت مع روسيا دون صدور قرارات إدانة من مجلس الأمن ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، من خلال استخدام الفيتو مرات عديدة.

ورغم أن الأسباب التي دفعت بكين إلى تبنّي هذه السياسة لا ترتبط مباشرة بعلاقاتها مع طهران، حيث سعت الأولى إلى منع تكرار النموذج الليبي في سوريا عبر فتح الباب أمام التدخل العسكري الدولي الجماعي، إلا أن إيران حاولت استثمار ذلك للوصول إلى محاور توافق سياسية مشتركة.

وتحاول طهران عن طريق ذلك تكوين حشد دولي داعم لاستمرار العمل بالاتفاق النووي الذي يواجه تحديات عديدة لا تبدو هيّنة في المرحلة الحالية، بسبب السياسة التي تتبعها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إزاءه، والتي وضعته على المحك، ومتوقع أن يكون لموقف الإدارة الذي ستعلنه في منتصف أكتوبر القادم تأثيرات واضحة على مواصلة تطبيق هذا الاتفاق من عدمه.

وتعوّل إيران على إمكانية أن تمارس القوى الدولية، ومنها الصين، ضغوطا على الولايات المتحدة من أجل عدم الانسحاب من الاتفاق النووي أو اتخاذ إجراءات تعرقل استمرار العمل به. وتحاول الاستعداد مبكرا للتداعيات التي يمكن أن يفرضها ذلك، باعتبار أن انهيار الاتفاق يدفعها إلى إعادة تنشيط برنامجها النووي من جديد، وهو ما يعني العودة لفرض عقوبات دولية عليها.

وتراهن طهران على فيتو صيني محتمل قد يحُول دون تعرّضها لعقوبات دولية قوية كتلك التي فرضت عليها قبل الوصول للاتفاق، ولا يمكن استبعاد أن يكون أحد أسباب حرص إيران على تطوير علاقاتها مع الصين مرتبطا بعدم ثقتها، بشكل كامل، في روسيا، أو بمعنى أدق مخاوفها من وصول الأخيرة إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة على حسابها في البعض من الملفات، مثل الملف السوري.

الصين تحرص على توجيه إشارات عديدة تفيد أنها لا تسعى إلى منافسة القوى الدولية المنخرطة في أزمات المنطقة

عقبات متعددة

تواجه الطموحات الإيرانية والصينية عقبات عديدة لأن المشكلات المختلفة التي يمكن أن تعصف بالاتفاق النووي لا تنحصر فقط في السياسة الأميركية وإنما تمتد أيضا إلى الإجراءات الاستفزازية الإيرانية والتي أكدت من خلالها إيران أنها طرف لا يستطيع الانخراط في التزامات دولية صارمة.

وما زالت إيران تتعمد الالتفاف على الاتفاق النووي من خلال إجراء المزيد من التجارب الخاصة بالصواريخ الباليستية، كما أنها لم تستثمر الوصول للاتفاق النووي من أجل تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، لأنها تحوّلت إلى طرف رئيسي ساهم في تفاقم الأزمات الإقليمية المختلفة، خاصة في سوريا والعراق واليمن، ومثّلت سياساتها دافعا مستمرا لانتشار التنظيمات الإرهابية في تلك الدول، على غرار ما حدث في العراق بعد تمدّد تنظيم داعش في الموصل وغيرها من مدن الشمال في منتصف عام 2014، قبل أن يتم تحرير بعضها منه تدريجيا بعد ذلك بثلاثة أعوام تقريبا.

وصول الاتفاق النووي إلى طريق مسدود وعودة الأزمة إلى مربعها الأول، لا يضمنان تحقق الطموحات الإيرانية الخاصة بوجود فيتو صيني داعم لها في مجلس الأمن، فقد كشفت المواقف التي اتبعتها بكين في الفترة الماضية أنها تضع ضمن حساباتها علاقاتها مع واشنطن، وسعت قبل الوصول للصفقة النووية مع إيران إلى استيعاب الضغوط الأميركية الخاصة بتقليص وارداتها من النفط الإيراني.

وأيّدت العقوبات الدولية السابقة التي فرضت على إيران من داخل مجلس الأمن، وهو ما يشير إلى أنها لا تتعاطى بإيجابية مع السياسة التي تنتهجها إيران في الملف النووي، بل إنها ترى أن هذا الملف تحديدا يمكن أن يمثّل أحد أهم أسباب تكريس حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقة، والتي تسعى الصين، لاعتبارات اقتصادية، إلى تجنّب تفاقمها.

الصين في مقدمة القوى الدولية التي سارعت إلى استثمار رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران بعد توقيع الاتفاق النووي

علاوة على أن تعويل إيران على الصين كظهير دولي سواء لها أو لحلفائها يبدو مبالغا فيه، فالأخيرة حرصت على توجيه إشارات عديدة تفيد أنها لا تسعى إلى منافسة القوى الدولية المنخرطة في أزمات المنطقة أو موازنة تأثيرها، على غرار الولايات المتحدة أو روسيا. إلى جانب أن مواقفها التي توافقت مع مصالح إيران في البعض من الأزمات، وفي مقدمتها الأزمة السورية، كانت نابعة في الأساس من حسابات صينية بحتة تتعلق بمعارضة الصين للتدخل العسكري الأجنبي وسعيها إلى تجنّب تأثير ذلك على حالة عدم الاستقرار في المنطقة.

وتبدي الصين اهتماما خاصا بعلاقاتها الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من دول المنطقة، مثل مصر وتركيا وإسرائيل، بشكل يضع حدودا لانخراطها في أي تفاهمات سياسية محتملة مع إيران، في ظل التباينات بين الأخيرة وهذه الدول حول الملفات الإقليمية المختلفة.

وأتاح اتجاه إيران إلى توقيع صفقة مع الهند لتطوير ميناء جابهار الإيراني، في 23 مايو 2016، الوصول إلى وسط آسيا دون المرور بأراضي غريمتها التقليدية باكستان، وهو ما لا يبدو مريحا للصين التي تسعى بدورها إلى تطوير ميناء جوادار الباكستاني لخدمة مشروع طريق الحرير الجديد.

تطرح هذه الاعتبارات دلالة مهمة، تتمثل في أن طموحات طهران في امتلاك فيتو داخل مجلس الأمن من خلال الصين لا تتماشى مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير إلى أن بكين تستخدم دورها الدولي لخدمة حساباتها الخاصة، بصرف النظر عن مدى توافقها أو تعارضها مع سياسات طهران، بالتالي فمن المرجّح أن تخفق رهانات طهران في هذه المسألة.

رئيس تحرير دورية "مختارات إيرانية"

6