عيد الأضحى في ليبيا بطعم كورونا

اعتادت العائلات الليبية على شراء الأضاحي في العيد، لكن الأمر تغير بعد أن حلت الفوضى طيلة سنوات ما بعد الثورة، فغلت الأسعار وتدهورت الأوضاع الاقتصادية لليبيين ما جعلهم يتنازلون عن الكثير من الأساسيات، وازدادت أوضاعهم سوءا هذه السنة إثر تفشي كورونا وتأخر صرف رواتب الموظفين.
طرابلس - تلقي المصاعب الاقتصادية وتفشي جائحة وباء كورونا بظلالهما على قدرة وإقبال الليبيين على شراء أضاحي عيد الأضحى بسبب نقص السيولة في البنوك وضعف رواتب المواطنين.
وعزا البعض عدم قدرة المواطن على شراء الأضحية إلى تقصير الحكومة في توفير السيولة وضعف الرواتب وعدم صرفها حتى الآن، فيما رأى آخرون أن سبب ذلك هو تحكم تجار ومربي الأغنام في الأسعار.
وفي سوق مفتوحة بضاحية جنزور غربي العاصمة الليبية طرابلس يعرض تاجر الأغنام الليبي محمود خيرالله نحو 100 رأس من الغنم، لكنه لم يحظ بإقبال مكثف لبيعها رغم قرب حلول أول أيام العيد، لذلك يرى أن هذا العيد مختلف كثيرا عن سابقه لأن ليبيا تمر بوضع اقتصادي حرج نوعا ما، إلى جانب الخوف من تفشي وباء كورونا.
يقول خيرالله لوكالة أنباء شينخوا “أمارس هذه التجارة منذ أربعة عقود، حيث أقوم بإحضار الأغنام من مراعي شرق البلاد، وهي تعد الأجود سلالة والأفضل وتحظى بإقبال لدى الليبيين، لكن الوضع اختلف كثيرا هذا العام”، مضيفا أن “الشراء ضعيف جدا على غير العادة”.
ويوضح التاجر وهو يستحثّ المارة على الشراء “في مثل هذا الوقت من كل عام وقبل أيام قليلة من حلول عيد الأضحى أكون قد أوشكت على بيع معظم رؤوس أغنامي، لكن في الحقيقة منذ أسبوع لم تتجاوز المبيعات 20 خروفاً، وهو أقل من ربع العدد الكلي المعروض”.
ولا يعرف خيرالله على وجه التحديد أسباب تراجع البيع؛ إذ يقول “لا أعرف حقيقة أسباب هذا التراجع، لكن ربما الأمر مرتبط بمشكلة السيولة النقدية التي يبدو أنها عادت مجددا، حيث يتزاحم الناس في طوابير أمام البنوك للحصول على جزء من مدخراتهم. لكن الأموال التي تصرف لهم من البنوك، حسب ما علمت، لا تكفي لشراء أضحية العيد”.
ويتجاوز ثمن الأضحية 1500 دينار ليبي (أكثر من 300 دولار)، وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى الكثير من الليبيين، بحسب خيرالله.

وانتقد المواطن عبدالستار الفزاني التجار ومربي المواشي، قائلا إنهم “يرفعون الأسعار كثيرا ويتحججون بارتفاع سعر التكلفة”. وأضاف “لا يستطيع الجميع شراء الأضاحي بسبب ارتفاع الأسعار، وهناك من يأتي إلى السوق ويعود بلا أضحية لأنه لا يملك سعرها”.
فيما قال مربي الأغنام بدر علي إن “سبب غلاء أسعار الأضاحي هو تكلفتها لأن أسعار العلف والشعير ومصاريف التنقل أيضا كلها مرتفعة”. وأردف “المواطن لا يملك سعر الأضحية بسبب تقصير الحكومة في توفير المال والسيولة”، فيما طالب علاء التهامي بأن “تنظر الدولة في الرواتب الزهيدة البالغة 450 دينارا (نحو 100 دولار)”.
وتساءل التهامي “كيف لأصحاب الرواتب الزهيدة أن يشتروا الأضاحي إذا كانت أرخص أضحية بـ1100 دينار”. واستطرد “من المستحيل أن يستطيع كل الناس شراء أضحية في ظل هذا الغلاء”.
وانتقد أيضا تأخر صرف رواتب المواطنين قائلا إن “الرواتب لم تصرف بعد. وهذا خطأ، يفترض أن نوصل إلى رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة رسالة نطالبه فيها بأن ينظر في هذه المواضيع”.
البعض يعزو عدم القدرة على شراء الأضحية إلى تقصير الحكومة في توفير السيولة وضعف الرواتب وعدم صرفها
وحاولت السلطات الليبية التخفيف من أسعار الأغنام المحلية، حيث تم توريد أكثر من 300 ألف رأس غنم من الخارج خلال الأسابيع القليلة الماضية، لكنها لم تحدث تأثيرا كبيرا نظرا لرغبة الليبيين في شراء الخروف المحلي.
كما قامت الحكومة الليبية بتوزيع أكثر من 50 ألف رأس غنم على الأسر محدودة الدخل في مبادرة حكومية تستهدف معظم مدن البلاد.
وقال المواطن الليبي خيري السايح إن “الليبيين أضحوا عاما بعد آخر يواجهون مشاكل حقيقية في شراء أضاحي العيد، بعدما كان هذا الأمر غير متوقع قبل سنوات في البلد الغني بالنفط”.
ويقول السايح وهو يتجول مرتديا كمامة طبية “أنا آتي إلى السوق المفتوحة منذ أسبوع لشراء خروف العيد، لكن في الحقيقة الأسعار خيالية وليست في متناول الجميع”.

ويضيف “لدي ألف دينار فقط، وهذا المبلغ لا يمكّنني من شراء خروف جيد ومناسب فأنا أعيل سبعة أفراد (…) وخروف واحد بالمبلغ الذي أملك ليس كافيا، إلى جانب أنه رأس غنم صغير لا يستحق دفع هذا المبلغ”.
وإلى جانب الصعوبات الاقتصادية يبدو أن تفشي وباء كورونا خلال الأيام الماضية في ليبيا أثر سلباً على حركة بيع وشراء أضاحي العيد، بل دفع تفشي الوباء إلى إلغاء أسواق الماشية الشعبية في بعض المدن، مثل مدينة الزاوية رابع أكبر مدن البلاد، إذ تشهد المدينة الواقعة على بعد 40 كلم غرب طرابلس إغلاقا شبه كلي، نظرا لتفشي فايروس كورونا فيها.
ويقول المواطن الليبي نوري البلعزي “أجبرنا تفشي الوباء على الذهاب إلى مدن مجاورة لشراء أضحية العيد، حيث أغلقت الكثير من أسواق الماشية في المدينة، وحتى التي بقيت مفتوحة لا يمكن المجازفة والتجول فيها لأن أعداد المصابين بالوباء في ارتفاع يومي، وبالتالي صار استقبال العيد وشراء الأضاحي محتشميْن هذا العام”.
ويضيف “كان ينبغي على الحكومة دعم مربي الأغنام بتحمل جزء من ثمن الأعلاف لأن الكثير من المواطنين لا يمكنهم تحمل شراء أضحية يتخطى سعرها ألف دينار مع الاحتياجات اليومية التي ترهق جيوبنا، وبالتالي صار من يشتري خروفا يحقق نصرا في وضع اقتصادي صعب”.
وفرضت الحكومة الليبية إجراءات احترازية لمواجهة تفشي الوباء بعد تسجيل أعلى معدل إصابات يومي اقترب من ثلاثة آلاف حالة.
