عن حروب التكنولوجيا.. ماذا يمتلك العراق منها

على مدى أكثر من عقدين من حكم الإسلام السياسي لم يُبن مصنعا أو معملا، وأُهمل التعليم وجفّت الأرض من المياه ولم تعد تُزرع، وضاع أصحاب الشهادات العليا على أرصفة الشوارع بلا عمل.
الخميس 2024/10/10
ما زلنا نعيش في زمن الأدعية والشعارات

أن يُدرك العراقيون أنهم تحت المراقبة والتنصّت، فهذا أمر طبيعي. وقد يسألك أحدهم: “وما الجديد في ذلك؟”، بل قد تجد من يستهزئ بك ويقول: “إنه شيء عادي!”. نعم، ذلك طبيعي في بلد منتهك السيادة والخصوصية، بينما يعيش العالم المضطرب شعورًا باقتراب نشوب حرب شاملة قد يكون العراق طرفًا فيها، خصوصًا بعد الإعلان عن أكثر من 30 هدفًا داخل العراق يمكن استهدافها من قبل إسرائيل في أي لحظة، وترجيحات بوجود “بنك أهداف عراقية” تسعى إسرائيل لاستهدافها.

يتناسى ساسة العراق ما كشفته صحيفة “واشنطن بوست” في عام 2021 عن تعرض هاتف الرئيس العراقي السابق برهم صالح وعدد من المسؤولين العراقيين للتجسس، ضمن قائمة تضم أكثر من 50 ألف رقم اختيرت بعناية من أجل التنصّت والمراقبة ضمن برنامج “بيغاسوس”.

نظام بيغاسوس للتجسس الذي أسسته شركة إسرائيلية عام 2011 في شمال تل أبيب يتيح اختراق أجهزة الهاتف المحمول للوصول إلى الرسائل والصور وجهات الاتصال وحتى الاستماع إلى المكالمات والبريد الإلكتروني وصولًا إلى الحياة الخاصة وغرف نوم المستهدفين، وكأنها ألغام وضعت في أجهزة الهواتف الخلوية لأهداف مختارة بدقة تحددها متطلبات التجسس لكل من يُراد التجسس على خصوصياته. يكفي بضغطة زر أن ترى حجم الدمار والفوضى التي تحدثها هذه التقنية، ليكون أي هدف أو بلد -بأمنه الوطني وأسراره العسكرية ومستنداته السرية- مكشوفيْن ومفضوحين وقابلين للانفجار كقنبلة موقوتة تمامًا كسيناريو تفجير أجهزة البيجر في لبنان.

◄ المعادلة التي يجب أن نستوعبها هي أن الحرب أصبحت أسلحتها تكنولوجية طالما نعيش في زمن العلم، ومن لا يحصل على ذلك السلاح فهو خارج اللعبة

المفارقة أن هناك تقارير استخباراتية تحدثت عن استهداف شخصيات عراقية مثل رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ووزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي الذي كان مرشحًا لرئاسة الوزراء، أحد ضحايا هذا البرنامج. بل أكثر من ذلك، تؤكد التقارير أن عملية تعقب حركة كل من أبي مهدي المهندس وقائد فيلق القدس قاسم سليماني تمت من خلال برنامج بيغاسوس لتنتهي باغتيالهما بقصف جوي قرب مطار بغداد في مطلع عام 2020. كان بالطبع عملاء على الأرض يخدمون هذه العملية النوعية، وهم ليسوا أناسًا عاديين وإنما قريبون من مصادر المعلومات الحسّاسة.

وفي عام 2010 هاجمت إسرائيل من خلال عملية سيبرانية المنشآت النووية الإيرانية بما يعرف بعملية Stuxnet التي أضعفت عمل أجهزة الطرد المركزي لفترة من الوقت قبل اكتشاف الاختراق.

ما زلنا نعيش في زمن الأدعية والشعارات التي نعتقد أنها أسلحة فتاكة بمواجهة عدو شرس ومتغطرس يُسخّر كل أسلحته التكنولوجية والتطور العلمي لتحقيق غاياته العدوانية. الأكيد أن البعض سيتّهمنا بتلك النظرة الانهزامية، لكن الواقع واستقراء النتائج يرسمان صورة لضرورة الإعداد والتحصين التقني من أجل صد هجمات الأعداء التكنولوجية.

المعادلة التي يجب أن نستوعبها هي أن الحرب أصبحت أسلحتها تكنولوجية طالما نعيش في زمن العلم، ومن لا يحصل على ذلك السلاح فهو خارج اللعبة.

بالتأكيد يدرك الساسة في العراق أن قلقهم وخوفهم من بنك المعلومات التي تمتلكها إسرائيل عنهم وعن تحركاتهم وحتى عن حياتهم الخاصة جاءا متأخريْن. فعلى مدى أكثر من عقدين من حكم الإسلام السياسي لم يُبن مصنع أو معمل واحد، وأُهمل التعليم، وجفّت الأرض من المياه حيث لم تعد تُزرع، وضاع أصحاب الشهادات العليا على أرصفة الشوارع بلا عمل، ونخر الفساد والطائفية مفاصل الدولة، وراحت المخدرات تغزو عقول شباب البلاد. فهل ننتظر بعد ذلك نصرًا على الأعداء؟

9