عن الحكمة والشرف

في هذه الحياة لا تتسرع ولا تقف مكانك. حاول أن تتخطى الصعاب والعراقيل. اجتهد قدر ما استطعت كي تنتزع النجاح والتألق. لا تقف دوما على الأطلال ولا تبكي على ماض ولّى ومضى.
في هذه الحياة لا تنكص أبدا إلى الوراء ولا تحاول هدم البناء، بل قاوم وثابر وكافح، اصنع لنفسك مجدا شخصيا تتفاخر به في المستقبل.
في هذه الحياة اختر الوقت المناسب والمكان المناسب لإعادة تشكيل أحلامك عندما تغدو عصيّة تأبى أن تكون طيّعة. في هذه الحياة حاول قدر المستطاع أن تكون قراراتك، وخاصة المصيرية، مدروسة وذكية.
في هذه الحياة، وبكل بساطة، حاول أن تتحلّى بالحكمة حتى تكسب الشرف، إذ ثمة خيط رفيع يربط بين الأمرين، فالحكمة دوما تقود إلى الفلاح والشرف هو دوما عنوان النجاح.
أما الحكمة هذه، فإنها لا تبدو في مطلق الأحوال حكرا على من خبروا الدنيا وبلغوا من العمر عتيّا، إذ ثمة من مازال يتحسّس الطريق الطويلة بالحياة، لكنه اكتسب الرشد والحكمة منذ الوهلة الأولى، فغدا الدرب أسهل وأقل وعورة.
في عالم كرة القدم دائما ما يكون اللاعبون هم الأبطال وفي غالب الأحيان هم القدوة، مسيرهم ومصيرهم يقدمان لنا الدروس ويمنحاننا العبر، والدرس هذه المرة قدمه اللاعب المغربي أشرف حكيمي.
أشرف بدأ مسيرته فتى بارعا وموهوبا، إذ طرق الطريق الصحيح منذ الصغر حيث انضم إلى أكاديمية ريال مدريد، وسرعان ما تمكن من اختراق الجدار وكسّر الحاجز الرفيع ليستحق بفضل موهبته الفذة اللعب مع الفريق.
في الموسم الماضي لعب أساسيا في عدد كبير من المباريات مع الريال، شارك معه في منافسات البطولة وكذلك دوري الأبطال، تذوّق حلاوة التتويج بأمجد الكؤوس وهو الفتى الذي لم يبلغ بعد سن العشرين.
قال عنه الجميع في مدريد إنه الخليفة الشرعي مستقبلا لداني كارباخال في النادي الملكي، خاصة وأنه قدم أوراق اعتماده بكل جدارة واستحقاق.
بيد أن هذا الفتى الهادئ الوديع أدرك مبكرا وبفطنته أن ساعة فرض النفوذ والاستحواذ بالكامل على المركز الأساسي في مركز الظهير الأيمن صلب الريال لم تحن بعد، فكارباخال مازال كعهده يركض ويسابق الريح ويقدم عروضا قوية للغاية مع النادي.
أدرك أشرف إذن، أنه يتعيّن عليه الانتظار قليلا كي يخلف كارباخال بشكل نهائي، وهو ما يعني البقاء طويلا على دكّة البدلاء والمشاركة بين الفينة والأخرى في بعض المباريات التي لا تكسب اللاعب التجربة والخبرة وتمكنه من تطوير أدائه.
لكن حكيمي أظهر من الحكمة ما جعله يتخذ قرارا جريئا ينمّ عن ذكاء وحكمة، لقد قرّر أن يرحل إلى فريق آخر يوفّر له اللعب بانتظام، ويمكنه تبعا لذلك من مواصلة السير بخطى واثقة نحو الأمام.
لقد وجد الحل، حيث وصله عرض من بوروسيا دورتموند الألماني كي يلعب لصفوفه وينقذه من شبح مقعد الاحتياط في الريال.
أشرف لم يناور، لكنه أراد أن يغامر، فطلب من إدارة الريال الموافقة على هذا العرض. وعد الجميع بأنه سيعود أقوى بكثير من ذي قبل، فكان له ما أراد، حيث تمت إعارته إلى الفريق الألماني لمدة موسمين.
بدأت الرحلة الألمانية مليئة بالآمال والأحلام وانطلق اللاعب المغربي يشقّ سريعا الطريق نحو النجاح. إذ لم ينتظر كثيرا كي يصبح إحدى ركائز الفريق الألماني، ويساهم بشكل فعّال في تحسن نتائج بوروسيا دورتموند ليحتل الصدارة ويقترب بخطى ثابتة نحو اللقب الغائب منذ سنوات عن الفريق.
أشرف حكيمي قدّم عروضا مدهشة في موسمه الأول في “البوندسليغا”. لقد أضحى من نجوم هذا الدوري الألماني، خاصة وأنه كان صانعا ماهرا للأهداف ومسجلا في بعض الأحيان. كان بمثابة المدافع الطائر الذي لا ترهبه قوة الخصوم الهجومية ولا حصانة دفاعاتهم.
لقد أثبت أنه صفقة رابحة لهذا الفريق وثبّت أقدامه على بساط يقود إلى النجاح، ليظهر بذلك من الحكمة ما قاده لنيل الشرف.
كان فعلا اسما على مُسمّى، فهو من تحلّى بالحكمة واختار تطوير أدائه بعيدا عن منافسة أدرك سريعا أنها لن تكون في صالحه. اختار الرحيل لبرهة من الزمن عن الريال وتوجه إلى دورتموند، فحظي سريعا بمعلّقة شرف.
الشرف الأكبر لهذا اللاعب الحكيم قد يتحقّق فعليا في نهاية الموسم الذي يوحي بأن بوروسيا يبدو أقرب من أي وقت مضى لنيل لقب الدوري المحلي، وربما التألق في دوري الأبطال الأوروبي وإعادة إنجاز سنة 1997 عندما توّج هذا الفريق بأغلى الألقاب الأوروبية.
في الأثناء بدت صورة لاعب مغربي آخر مغايرة، بل معاكسة تماما، الحديث هنا عن المدافع المهدي بن عطية الذي اختار مغادرة يوفنتوس الإيطالي عن طواعية ليقرّر الرحيل نحو دوري قطري لا يقارن البتة في قوته مع الدوريات الأوروبية.
ففي الوقت الذي يحلم فيه كل لاعب بأن ينتمي لأحد فرق الصفوة في القارة العجوز، سار بن عطية عكس التيار، وكأنه اختار “الانتحار” كرويا وإعلان الاعتزال مبكرا، ربما أغوته الأموال ففكر في تأمين مستقبله، لكن لا عذر له، فبن عطية انتقل بين عدة فرق قوية إذ لعب في إيطاليا لأودينيزي وروما واليوفي ولعب أيضا مع بايرن ميونيخ الألماني وجمع الكثير من الأموال.
لكنه في نهاية المطاف بدا بعيدا تماما عن حكمة حكيمي، بدا متسرّعا ومرتبكا، وراح يبحث عن جراية تقاعد وهو في عز الشباب.