عن الأدب والمجتمع
لأول وهلة يمكن اعتبار سؤال “الأدب والمجتمع″، منتميا إلى لحظة منصرمة، على الأقل في السياق العربي الذي اقترن فيه النقاش الأدبي والثقافي ذي النفحة المجتمعية بالصراع السياسي منذ النصف الأول من القرن الماضي، وبلغ ذروته في سبعينات القرن الماضي، لكن بإعمال النظر أكثر في طبيعة السؤال، وتجريده من زمنيته، وذاكرته المحلية، ستكتشف -عزيزي القارئ- أنه ربما لا يوجد سؤال قديم وسؤال جديد في الأدب، وإنما أسئلة حقيقية ممتدة، وأخرى عرضية مؤقتة.
ويخيـّل إليّ، بناء على هذا الافتراض، أن القصيدة العربية يمكن أن تقرأ من منظور تحوّل الوعي بما هو اجتماعي في صراعه مع الصوت الفردي، في الذاكرة والإنجاز الإبداعيين، حيث مثّل الاجتماعيّ حلما بالنهوض، والرقي الحضاري في كتابات جيل الخمسينات والستينات، قبل أن يلتحم الهمّ المجتمعي بمطامح التغيير، والثورة على السائد، ورفض التقليد، والسكونية، والتكرار، التي تخطت كلها الواقع المعيش لتطول أشكال التعبير في قصائد شعراء الستينات والسبعينات، ثم لتجد انطلاقتها المعاصرة من تفصيلات الحياة واليومي، والخروج على جماليات اللغة المحنطة، وصدم الذائقة المستكينة، في شعر ما بعد الثمانينات، وإلى اليوم، مع الفورة الكبرى في الأسماء والنصوص والتجارب.
الأمر ذاته يمكن أن نلمسه في التعبير الروائي العربي، مع الفروق الأساسية المتصلة بطبيعة الجنس الروائي، المشدود -عادة- للأفق المجتمعي، وما يتصل به من تقاطب درامي في اللغات والعقائد، والرؤى الحاملة للاختيار الجمالي؛ حيت انتهى التعبير الروائي العربي اليوم، إلى منجز مفتوح على الأزمات المتراكمة من المحيط إلى الخليج، التي انقشعت فيها أوهام النهوض، وتعمقت الأزمات الفردية، وتشظت الآلام الجماعية وترسخت.
والمحصلة التي يمكن أن ينتهي إليها النقد في مثل هذا النوع من الأسئلة وهي أن المجتمع لم يفارق مخاضات التعبير الأدبي بالرغم مما قد توحي به النصوص الجديدة والمستجدة من مفارقة حادة لمفاهيم الالتزام والواقعية والتغيير، والسعي إلى طرح أسئلة الشكل والجماليات اللغوية والنوعية، ذلك أن العمق الحقيقي للأعمال التي يمكن تصنيفها في خانة الناضج والعميق والمؤثر لا تخلو من نفحة واقعية تأمّلية تفتح المجتمعيّ على أفق الحياة وقضاياه الكبرى من حب وحرية وموت ومرض، وغير ذلك من الأقانيم التي شكلت على الدوام مثيرات للتمثيل الجمالي لصراع الفرد مع قيم المجتمعيّ الراسخ والمأزوم.
كاتب من المغرب