عن أي سُقوط نَتحدّث؟

أخبرونا كيف كان موسم جَني الخيانات والعَمالة؟ وكيف كانت أسعار ضمائر الذين استحكموا الحُكم في البلاد باهظة الثمن أم بخْسةً كَرُخصِهم ووضاعتهم في البيع والشراء؟
حَدّثونا عن الشرف هل بَقي منه شيء، أم باعه النّخاسون في سوق المُتعة؟ وهل بَقيت للحديث تتمّة أم ضاع الكلام؟ ها هُم يَجنون حصاد خياناتهم وحقدهم على بلد آواهُم من بلاد الشتات واحتضن نتانتهم وروائحهم الكريهة وعقولهم المُشوّهة، اسألوهم بعد ذلك من أوصَل العراقيين إلى ذلك الحضيض؟
سُلطة لا شُغل لها سوى السَرِقة واللصوصية والإفساد، أم بِسَبب نظريات الفوضى التي أرادوها تجارب للعراقيين، أم رجالٌ سُلطويون يَرتدون أحلى البدلات، أصحاب الأوداج المُنتَفِخة والكُروش المُمتلئة الذين لا يُجيدون سوى مُمارسة الخيانة والتبعيّة والكثير من النَهب والشفط وحتى اللفظ بِغير وجع أو حُرقة قلب على بلد اسمه العراق.
كرروا السؤال مَن قَتل الطفلة زينب ذات الخمسة عشر ربيعا التي كانت تُساعد والدها في حقل الزراعة لِتُصيبها طلقة طائشة من جندي أميركي كان يتدرّب على الرِماية في قاعدة فكتوريا بالقرب من مطار بغداد الدولي، فَلَم يجد غير قلب هذه الطفلة هدفا جيدا لِيُصيبها سلاحه.
◙ سُلطة لا شُغل لها سوى السَرِقة واللصوصية والإفساد، أم بِسَبب نظريات الفوضى التي أرادوها تجارب للعراقيين، أم رجالٌ سُلطويون يَرتدون أحلى البدلات، أصحاب الأوداج المُنتَفِخة والكُروش المُمتلئة الذين لا يُجيدون سوى مُمارسة الخيانة والتبعيّة
من المسؤول عن موت هذه الطفلة؛ أذلك الجندي الأميركي أم الذين يتسابقون للارتماء في أحضان راعي الديمقراطية الأول في العالم ورئيس الولايات المتحدة (حفظه الله)؟ لِمَ لا.. فكُل الطُغاة والدكتاتوريات، كُنا ومازلنا ندعوا الله أن يَحفظهم لِيستمروا بِقتلنا.. عن أي سُقوط نَتحدّث، عن السياسة وحُكّامها أم تهاوي الأخلاق أو السُقوط الاجتماعي وانهيار الاقتصاد أو حتى سُقوط الدِين في بَراثن الأكاذيب والخديعة، فكُل أنواع السُقوط لا يكفيها إناءٌ واحد لجمعها، فهل بَقي ما يُمكن الحديث فيه عن السُقوط؟
لَم تهتز شَعرَة من حُكّامنا حين باتوا يشعرون أن المعبد بدأ ينهار طابوقة تلو طابوقة، فهل يَحق لنا بعد ذلك أن نستنتج أن للخيانة ألوانا وأطيافا وأمزجة؟
ها هُم حُكّامنا يَحجّون إلى القصر الأبيض يُعانقون ويحتضنون القاتل مُتناسين أن جنوده قَتلوا مواطنة من مواطنيهم.
ربما ذاكرة العراقيين التي حفرها الزمن بثُقب جعل كُل الذكريات تتسرّب منها فنسوا قبل سنوات ذلك المشهد لـ”رامبو” إحدى فِرق الموت التي تُدعى “بلاك ووتر” عندما نَزل مُسلحوها إلى الشارع وهم بِكامل أسلحتهم وعتادهم المُدجّج وأمطروا المارّة ومن كُتِبَ له سوء حظّه التواجد في ساحة النسور ببغداد وفي أحد شوارعها، لِيقتلوا من لم تُسعِفه النجدة ويُصيبوا آخرين بجروح. وفي ظل صَمت حكومي عندما أُخرِستْ ألسنتهم وَصُمّتْ آذانهم عن أفعال أولئك الذين تمّتْ تبرئتهم وربما نيلهم وسام الشجاعة من محاكمهم الأميركية، لِيُعلن بعدها رئيسهم دونالد ترامب براءتهم من كُل التُهم الموجّهة إليهم، فهل هُناك توصيف لِضحالة القعر الذي أوصلوا إليه بلدا مثل العراق؟
هل نَسيتُم ما فعلوه بِسُجناء أبي غريب من اعتداء وتعرض وحشي وتعذيب صارخ يندى له جبين الإنسانية وتقف أمامه البشرية مُطأطأة الرأس؟
لكن بالرغم من كُل تلك الجرائم التي حدثت وتحدث والتي لن تتوقف مُستقبلا ستظل دماء العراقيين رخيصة ربما أرخص من شربة الماء التي يشربها الحاكم مادام العملاء والخونة قد استوطنوا البلاد ومادام القاتل هو من جاء بهم ليحكموا البلاد والعباد، فَلِمَ لا يتسابقون لِنيل رِضاه ومُباركته حتى لو أدّى ذلك إلى هلاك الشعب بِرُمته.
حدّثونا حقا عن أي ضحالة وصلنا إليها، وعن أي حضيض أوصلوا الشعب إليه، وعن أي مُستقبل يرسمه هؤلاء لنا؟ هذا إذا بَقي لنا مُستقبل نسير إليه.