عمرو حمزاوي عودة الليبرالي العتيد إلى القاهرة تثير انقسام المعارضة

التغيير السياسي يتم من داخل مصر وليس من خارجها.
السبت 2022/07/16
مواقفه محل اهتمام من قبل المتابعين للحوار الوطني

القاهرة – زاد الجدل في مصر خلال الأيام الماضية حول عملية التغيير السياسي وهل يتم من داخلها أم يأتي على أيدي معارضيها من الخارج مع عودة كبير الباحثين في مؤسسة كارنيغي عمرو حمزاوي إلى القاهرة، بعد سبعة أعوام قضاها في التنقل بين الولايات المتحدة وألمانيا وغيرهما من الدول، فعقب قبوله المشاركة في الحوار الوطني الشامل الذي دعا إليه مؤخرا الرئيس عبدالفتاح السيسي راجت التكهنات والتخمينات حول الدلالات التي تنطوي عليها عودته المفاجئة.

فتحت هذه العودة ملف إمكانية التغيير السياسي في مصر، كواحد من أبرز الوجوه الليبرالية التي عارضت النظام الراهن، والذي دفعه التضييق على الفضاء العام إلى ترك البلاد منذ سبعة أعوام، وشعر وقتها أن الأوضاع لا تنذر بتحسن ملموس في الأوضاع.

جرى تصوير العودة في اللحظات التي انطلق فيها الحوار الوطني على أنها تأكيد لرؤيته حول التغيير في مصر وأنه لا يأتي من خارجها، وهو اعتراف عملي أن وجوده في ألمانيا أو الولايات المتحدة لم ولن يغيّر من الأوضاع شيئا، وأن الفرصة مواتية للاشتباك السياسي على أرضية حوار تعوّل عليه قوى معارضة تسعى لحث النظام على القيام بإصلاحات سياسية تنهي حالة التصحر السائدة منذ سنوات.

موقفه السلبي من جماعة الإخوان عقب وصول أحد مرشحيها إلى منصب رئيس الجمهورية، يعود إلى تيقنه من أنها جماعة لا تؤمن بالديمقراطية، ما دفعه إلى المشاركة في الثورة الشعبية التي اندلعت ضدها

لدى حمزاوي الكثير من المؤيدين والرافضين لطريقته في الدفاع عن الديمقراطية ومكاسبها، ففي الوقت الذي يبدو مدافعا شرسا عن المجتمع المدني ما يزيد قبوله في صفوف الفريق الأول يبدو مرنا فيقلّ رصيده في صفوف الفريق الثاني، وهي ثنائية جعلته دائما في موضع المختلف عليه وحوله من جانب القوى السياسية.

مقاربات سياسية عملية

منحته دراسته للعلوم السياسية في جامعة القاهرة ودراساته الأكاديمية في ألمانيا والولايات المتحدة وعمله بمركز كارنيغي حنكة علمية أثقلها بانخراطه المباشر في العمل السياسي خلال السنوات الأخيرة من عهد الرئيس الراحل حسني مبارك والتحاقه لبعض الوقت بلجنة السياسات التي كانت أحد الأذرع الرئيسية في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم آنذاك والمنحل حاليا، ورأسها جمال ابن الرئيس مبارك.

زادت مقارباته العملية مع اندلاع ثورة يناير 2011، ولمع نجمه مع تصاعد مدها الثوري في الشارع، معتمدا على حسن درايته بالنظريات السياسية وقدرته على جذب الانتباه إليه بطريقة تجمع بين الليونة والخشونة من خلال مقالاته وحواراته التلفزيونية التي منحته نجومية نادرة، لا يتحصل عليها بسهولة أيّ من السياسيين في مصر.

تبنى خطابا مدنيا بامتياز ولم يتخلف عن الدعوة إلى تبني نهج ديمقراطي ولو بصورة تدريجية، وعرف بأنه أحد الرموز الليبرالية على الساحة في وقت اكتسب فيه الإسلاميون والماركسيون أرضا خصبة مع اتساع رقعة الغليان في الشارع، والذي أدى إلى ظهور أحزاب من أطياف مختلفة تجاوز عددها المئة حزب، وأسس حمزاوي نفسه حزبا باسم “مصر الحرية” ودخل البرلمان في انتخابات عام 2012.

كان من الطبيعي عقب ثورة يناير أن يظهر اسم حمزاوي، فقد خلت الساحة من أيّ قيود سياسية ورفعت جميع الحجب عن كل ألوان المعارضة، ووصلت الحرية إلى حد الفوضى التي جعلت قطاعات عريضة تكفر بالليبرالية، فالبيئة هي التي تخلق المناخ المناسب أمام نموها، وهو ما جعل حمزاوي كمن يقاتل وبجواره عدد محدود من الجنود المقتنعين بأفكاره الطامحة نحو إحداث تغيير سياسي حقيقي.

من يعرفونه عن كثب يشهدون له بالذكاء السياسي، لكنهم أيضا يقرون بأنه حالم أكثر من اللازم بما لا يتواءم مع دراسته الأكاديمية، فهو يتمتع بدرجة عالية من البراغماتية مكنته من تمديد خيوط علاقاته بتيارات متباينة.

الهامش الديمقراطي

● طريقة حمزاوي المنهجية في التفكير أنقذته من الوقوع في غرام جماعة الإخوان، أو في أسر جاذبية الجيش
● طريقة حمزاوي المنهجية في التفكير أنقذته من الوقوع في غرام جماعة الإخوان، أو في أسر جاذبية الجيش

ساعدته الطريقة المنهجية في التفكير على ألا يصبح واقعا في غرام جماعة الإخوان التي تولت الحكم في مصر لمدة عام واحد فقط، أو أسيرا لجاذبية المؤسسة العسكرية المصرية التي صعد أحد أبنائها إلى السلطة بعد ثورة يونيو 2013، ويفسر رفض حمزاوي مرتين تولي منصب وزير الشباب في حكومتي أحمد شفيق وعصام شرف على أنه عازف عن السلطة ويكتفي بدور المنظّر وفي أقل تقدير الناشط السياسي.

طبّق فكرة الهامش الديمقراطي كضرورة حتمية في مصر على مسيرته الشخصية، حيث انفتح على الجميع مع مساحة من الاستقلالية الذاتية، تعامل مع كل القوى الحية عقب ثورة يناير من دون أن يتخلى عن ليبراليته المعهودة، وهو ما أسبغ ألقابا عليه من نوعية الليبرالي العتيد أو العنيد أو الليبرالي حتى النخاع.

جنبته هذه الصفة بتسمياتها المتنوعة الوقوع في براثن أيّ من القوى التي حاولت استقطابه، فقد اتخذ موقفا سلبيا من جماعة الإخوان عقب وصول أحد مرشحيها محمد مرسي إلى منصب رئيس الجمهورية، وتيقن من أنها جماعة لا تؤمن بالديمقراطية، أو فاشية بالمعني الدقيق، ما دفعه إلى المشاركة في الثورة الشعبية التي اندلعت ضدها.

تحفّظ على طريقة التعامل بالقوة المفرطة مع الإخوان عند فض الاعتصامين الشهيرين في ميداني رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة في أغسطس 2013 ولم ينكر حق أجهزة الأمن في وقف العنف ومكافحة الإرهاب الذي ترتكبه أجنحة الجماعة أو أيّ من القوى المتطرفة الأخرى في المنطقة، وهو ما ظهرت معالمه في دعمه لضرب الجيش لبؤر تتمركز بها عناصر إرهابية داخل ليبيا ردا على نحر عدد من المصريين.

حمزاوي لديه الكثير من المؤيدين وكذلك الرافضين لطريقته في الدفاع عن الديمقراطية ومكاسبها، وهي ثنائية جعلته دائما في موضع المختلف عليه من جانب القوى السياسية

بدأت نواة التباعد تظهر منذ اللحظة التي اعتقد فيها حمزاوي أن الجيش يتمادى في التغول داخل الحياة المدنية، ووجد أن أحلامه في حياة ديمقراطية سليمة على وشك الانهيار، وغلبة خطاب الاقصاء على الاحتواء بعد أن قلصت جماعة الإخوان أمام الأجهزة الأمنية المساحة أمام الخيارات السلمية في ذلك الوقت.

لم تنفع كل محاولات حمزاوي وغيره من السياسيين في التهدئة والشروع في بدء مرحلة جديدة قوامها ضبط البوصلة في السلطة والشارع على قواعد تضمن توفير أجواء جيدة من الممارسة السياسية المنضبطة.

ظهر الصدام الكبير مع تشبثه عام 2014 برفض ترشيح المشير السيسي وزير الدفاع في ذلك الوقت لمنصب رئيس الجمهورية، وتمسك بأهمية أن يكون الجيش بعيدا عن الحياة السياسية ويقتصر دوره على المهام الدفاعية، وعبّر عن هذه الرؤية في سلسلة من المقالات نشرها في جريدة “الشروق” الخاصة قوض فيها فكرة المرشح الضرورة والناصرية المعدلة التي يمثلها السيسي.

عندما تيقن أنه يحارب طواحين الهواء غادر القاهرة عام 2015 وواصل الكتابة من الخارج بالوتيرة نفسها، وربما أشد قسوة، حيث وجد طموحاته في حياة ديمقراطية تبخرت، إلى أن أوقفته نهائيا جريدة “الشروق” المصرية عن الكتابة في أبريل 2019.

قرأ الرسالة التي وصلته من الدار التي تصدر عنها الجريدة أنها لم تعد قادرة على تحمل التكاليف المعنوية لما يكتبه على صفحاتها، وأن مجرد وجود اسمه ضمن كتاب الجريدة قد يعرضها إلى خسائر باهظة، لأنه وضع على ما يشبه القائمة السوداء التي تشمل العديد من الأسماء المعروفة بتوجيه انتقادات حادة أو حتى لينة إلى النظام المصري، حيث بدأت قدرته على تحمل المعارضة تتهاوى.

تمكن حمزاوي المولود في أكتوبر 1967 من القيام بحالة مراجعة سياسية للفترة الماضية، فبعد توقفه عن الكتابة في “الشروق” ابتعد عن الاشتباك مع الواقع، وفضل التمعن فيما يجري من تطورات دون أن يغيب عقله ووجدانه عن المحروسة.

أثارت استجابته السريعة للمشاركة في الحوار الوطني عندما دعاه المنسق العام له ونقيب الصحافيين ضياء رشوان غضبا وسط جماعة الإخوان التي ألصقت به تهما عديدة من قبيل “الخائن والعميل”، وجعلت من عودته دليلا للتشكيك في أفكاره الليبرالية، ونبشت في دفاتره الشخصية بشكل ينال من صورته أمام الرأي العام.

وعد حمزاوي بالمشاركة في الحوار من باب المراقب أولا إلى حين فهم الأوضاع ورؤى الأطراف المختلفة في الحكومة والمعارضة، مؤكدا على أوهام المعارضة من الخارج، فالتغيير في مصر يتم من الداخل، وهي إشارة اعتبرتها جماعة الإخوان أنها المستهدفة بها لأن غالبية قياداتها وكوادرها تعيش في تركيا وقطر وماليزيا وعواصم غربية متعددة وتمارس معارضتها عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي.

ردّ هؤلاء بأن عودتهم إلى مصر ممنوعة والأجواء العامة لا تساعد على دمجهم في الحياة السياسية، وأعلن الرئيس السيسي أنهم الفصيل الوحيد المُستثنى من المشاركة في الحوار، قاطعا الطريق على أيّ محاولات من الداخل أو الخارج تدعو للقبول بهم.

رهانات متغيرة

● مشاركة حمزاوي في الحوار الوطني توفر مؤشرا على مدى ما يمكن أن تذهب إليه الاجتماعات في الفترة المقبلة
● مشاركة حمزاوي في الحوار الوطني توفر مؤشرا على مدى ما يمكن أن تذهب إليه الاجتماعات في الفترة المقبلة

استدعت بعض الشخصيات المعارضة نموذج الراحل محمد السيد سعيد للمقارنة بحالة حمزاوي، فالأول كان كاتبا وأكاديميا وناضل كثيرا لأجل أن يقدم الرئيس الأسبق حسني مبارك على إدخال إصلاحات سياسية حقيقية، وعندما وجد معارضته غير مجدية قبل عضوية لجنة السياسات وحداه أمل بالتغيير من داخل النظام، وبعد مضي ستة أشهر من عضويته غادر اللجنة بلا رجعة موقنا أن هذه وسيلة غير مجدية.

حمزاوي يتمتع بدرجة عالية من البراغماتية مكنته من تمديد خيوط علاقاته بتيارات متباينة

لكن هذه المقارنة غير موضوعية لسببين، الأول أن رهان حمزاوي على التغيير يكون من داخل البلاد وليس من داخل النظام فلم يدع ليكون عضوا فيه، وإذا دعي فمواقفه المعلنة تؤكد الرفض التام، والثاني أنه خلال عهد مبارك كانت هناك بوتقة لانصهار النخبة فيها، وهذا غير موجود حاليا، فلا يوجد حزب للرئيس السيسي تنبثق عنه لجان تضم نخبا سياسية.

كما أن منهج الحكم مختلف في الحالتين، فنظام مبارك امتلك مروحة واسعة على استيعاب معارضيه داخله، بينما نظام السيسي لم يبد أي اتجاه يوحي بالعمل بهذه الطريقة.

توفّر مشاركة حمزاوي في الحوار الوطني مؤشرا على مدى ما يمكن أن تذهب إليه الاجتماعات الفترة المقبلة، وسوف تسلط عليه الأضواء باعتباره بوصلة يمكن التعرف منها على المجال الذي يسير فيه، فهو من الشخصيات التي لم تتلون سياسيا أو تتبنى نهجا يختلف عن القناعات المعلنة، وتظل مواقفه محل اهتمام من قبل المتابعين للحوار الذي سيثبت إلى أيّ مدى بات عقل النظام المصري قادرا على استيعاب معارضيه.

حمزاوي طبّق فكرة الهامش الديمقراطي كضرورة حتمية في مصر على مسيرته الشخصية

12