عمالقة وادي السيلكون يبحثون عن الخلود

علماء البيانات يستخدمون ساعة هورفاث لعكس مرض الشيخوخة.
الاثنين 2021/07/26
مؤسسا غوغل سيرجي برين ولاري بيدج يطاردان حلم الأبدية

عاصفة جديدة تجتاح وادي السيلكون، الجميع يتحدث عن صناعة “إطالة الأعمار”، وهي صناعة كما يقولون على وشك أن تغير العالم. الوعد بحياة أبدية الذي قدمه المناهضون للشيخوخة، والتجارب التي أعطت نتائج تبشر ولو بالقليل من الأمل، جذبت أموال المليارديرات العاملين في حقل التكنولوجيا. هل هناك أساس علمي لبحثهم هذا، أم هو مجرد هراء؟

لوس أنجلس (الولايات المتحدة) - “الشيخوخة مشكلة خطرة حقًا تؤثر على الجميع.. لكنها مشكلة يمكننا من حيث المبدأ حلها” كما يقول الدكتور أوبري دي غراي الشريك المؤسس لمؤسسة “سينس ريسيرش” في كاليفورنيا.

مع استمرار نمو هذه المختبرات، يتوقع غراي المثير للجدل أن تمديد الحياة على وشك أن يصبح “أكبر صناعة على وجه الأرض”. ومع ذلك، فإن المال لا يؤدي بالضرورة إلى النجاح، وقد اتهم بعض الباحثين غراي بتشجيع العلوم الزائفة.

لا داعي للقول إن هناك تحديات كبيرة للعلماء الذين يحاولون دفع عمر الإنسان إلى ما بعد الحد الأقصى الحالي الذي يبلغ حوالي
120 عامًا.

ولكن بينما تعمل الاكتشافات العلمية وطرق التفكير الجديدة على دفع الحياة إلى الأمام، قد تجد البشرية نفسها قريبًا تتعامل مع الآثار المترتبة على إطالة العمر أو حتى الحياة اللامحدودة.

الشيخوخة كمرض

ستيف هورفاث: قد ننجح في تمديد متوسط عمر الإنسان إلى ما لا نهاية
ستيف هورفاث: قد ننجح في تمديد متوسط عمر الإنسان إلى ما لا نهاية

مفتاح تمديد الحياة هو الاعتقاد بأن الشيخوخة هي أكثر من مجرد “شرط من شروط الحياة”. بدلاً من ذلك، يرى دعاة إطالة العمر مثل غراي أن “الشيخوخة مرض جوهره إحداث ضرر بالجسم، في عملية تستمر طيلة الحياة”.

وهي، كما يقول “خلق أنواع مختلفة من التغيرات الجزيئية والخلوية، والتي هي عواقب جوهرية للطريقة التي يعمل بها الجسم لإبقائنا أحياء من يوم إلى آخر”. مع وضع هذه المشكلة في الاعتبار يحاول العلماء الآن الكشف عن الأسباب المعقدة للشيخوخة من أجل إيجاد طرق لإبطاء العملية أو إيقافها أو حتى عكسها.

على سبيل المثال، حدد الدكتور ستيف هورفاث خبير الإحصاء الحيوي بجامعة كاليفورنيا – لوس أنجلس، الدور الذي تلعبه العملية الخلوية المعروفة باسم “المثيلة” في الشيخوخة.

والمثيلة هي عملية بيولوجية يتم من خلالها إضافة مجموعات الميثيل إلى جزيء الحمض النووي. ويمكن أن تغير المثيلة نشاط جزء من الحمض النووي دون تغيير التسلسل.

عند وضعها في محفز جيني، تعمل مثيلة الحمض النووي عادةً على قمع نسخ الجينات. في الثدييات، تعتبر مثيلة الحمض النووي أمرًا ضروريًا للتطور الطبيعي وترتبط بعدد من العمليات الرئيسية بما في ذلك البصمة الجينية، وتعطيل الكروموسوم X وقمع العناصر القابلة للنقل، والشيخوخة، والتسرطن.

اعتمادا على المثيلة يمكن لعلماء البيانات الآن استنتاج العمر البيولوجي، وحتى التنبؤ بعمر الحيوان، بما في ذلك البشر. يتم استخدام هذا التنبؤ، المعروف باسم ساعة هورفاث، لكشف أسرار الشيخوخة.

وحسب الدكتور هورفاث “كل نوع من الأحياء لديه عمر أقصى يعيشه. وبشكل ملحوظ، ترتبط المثيلة إلى حد كبير بالعمر الأقصى، وتعلق آمال كبيرة على أن تعديل حالة المثيلة في حمضنا النووي سيتيح لنا إمكانية التحكم بعمر جنسنا البشري. وربما تمكننا من تمديد متوسط عمر الإنسان إلى 130 أو 150 عاما أو حتى إلى ما لا نهاية”.

ألهم هذا الاحتمال عالم الأحياء الأسترالي ديفيد سينكلير، الذي يشارك الآن في إدارة مختبر في كلية الطب بجامعة هارفارد، ويعتبر اليوم رائدًا عالميًا في علوم إطالة العمر.

في دراسة نُشرت في ديسمبر من العام الماضي أعاد تنشيط جنينية تم إيقافها في الفئران المسنة، كانت الفئران عمياء. وقال سينكلير “انصب اهتمامنا بعيونها على وجه التحديد. هل يمكنك إعادة استخدام تلك الجينات لإعادة ضبط عمر العين؟ وإذا نجحنا في ذلك، ماذا سيحدث؟”. اكتشف سينكلير أن عمر العين يتراجع حيث قال “استعادت الفئران رؤيتها. وقد كان هذا، أبرز نجاح حققته في مسيرتي حتى الآن”.

ويعتقد سينكلير أن هذا النوع من التعديل الجيني يمكن أن ينجح أيضًا مع البشر.

هناك ما لا يقل عن عشرين شركة في جميع أنحاء العالم تعمل على تطوير الأدوية التي يمكن أن تبطئ، أو في بعض الحالات، تعكس عمر الأعضاء، وربما في يوم من الأيام، الجسم بأكمله.

صناعة إطالة الحياة

أوبري دي غراي: تدخل كبار المستثمرين أحدث ثورة في أبحاث إطالة الحياة
أوبري دي غراي: تدخل كبار المستثمرين أحدث ثورة في أبحاث إطالة الحياة

وجدت الأبحاث التي أجراها علماء إطالة الحياة من أمثال الدكتور هورفاث أرضًا خصبة في وادي السليكون. وخصص المليارديرات في مجال التكنولوجيا، الذين اجتذبتهم إغراءات الحياة الأبدية، مبالغ كبيرة من المال. يدعم جيف بيزوس من أمازون والملياردير بيتر ثيل شركة “يونيتي بايوتكنولوجي” التي تعمل على تطوير “علاجات لإبطاء أو وقف أو عكس مرض الشيخوخة”. وشارك مؤسسا غوغل، سيرجي برين ولاري بيدج، في تأسيس شركة “كاليكو”، وهي مؤسسة تحاط بالتكتم وتعمل على إطالة الحياة في كاليفورنيا. وتنضم إلى عمالقة التكنولوجيا أعداد غفيرة من المستثمرين التقليديين، يغريهم الاعتقاد أن هناك أموالًا يمكن جنيها من “منع الموت”.

يقول غراي إن “تأثير كبار المستثمرين قد أحدث ثورة في أبحاث إطالة الحياة. هذه الصناعة لم تكن موجودة قبل خمس سنوات. الآن لدينا المئات من الشركات التي تقوم بالفعل بإعادة تجديد حيوية الخلايا”.

وقد أدى ذلك إلى تسريع معدل إجراء البحوث، وتجاوزت كلفة بعض التجارب 65 مليون دولار، وهو مبلغ لا يمكن تصوره في كلية العلوم بالجامعة. إن إحدى المهام العلمية التي يغذيها عمالقة التكنولوجيا هي المعركة ضد شيخوخة الخلايا التي وصلت إلى نهاية عمرها.

وتشير الدراسات إلى أن الفئران التي تمت هندستها وراثيًا لتحفيزها على قتل خلاياها الشائخة قد عاشت ما يصل إلى 20 و30 في المئة أطول من عمرها المتوقع. وتضاءلت إمكانية إصابتها بالسرطان وأمراض القلب، وأصبحت قادرة على الجري لمسافة أطول وأسرع. حتى أن البعض منها أصبح لديه فرو أفضل.

 يقول غراي “من المهم جدًا أن نتخلص من هذه الخلايا، فلا يوجد الكثير منها في الجسم، ولكن يوجد ما يكفي في سن الشيخوخة لإحداث مشكلة كبيرة”. وقد ظهرت شركات عديدة في جميع أنحاء العالم تتبع هذا النهج باستخدام الأدوية، ولكن لا يزال هناك بعض الإنجازات التي يجب إنجازها قبل أن تصبح الأدوية المضادة للشيخوخة جاهزة للبشر.

هل يجب أن نعيش إلى الأبد؟

جيف بيزوس يدعم تطوير علاجات لوقف وعكس مرض الشيخوخة
جيف بيزوس يدعم تطوير علاجات لوقف وعكس مرض الشيخوخة

بينما يظهر غراي حماسة لرؤية أبحاث إطالة الحياة، التي ساعد في تطويرها، تؤتي ثمارها، يثير علماء الاجتماع مخاوف بشأن الآثار المترتبة على إطالة العمر.

مؤخرا، تمت دعوة براين تورنر عالم الاجتماع بالجامعة الأسترالية الكاثوليكية للتحدث في مناظرة في أكسفورد في المملكة المتحدة حول موضوع “هل يجب أن نعيش إلى الأبد”. وجاء جوابه حاسما “لا ينبغي لنا ذلك”، مؤكدا أن “الموت والمعاناة هما في الواقع جوهر الكثير من أرفع منتجاتنا الحضارية (…) تخيل شكسبير دون معاناة وموت، أو برامز أو بيتهوفن أو العهد الجديد”.

ويجادل تورنر أن العلماء فشلوا في رؤية الآثار المترتبة على أبحاثهم. بالإضافة إلى المخاوف البيئية، أو إمكانية توزيع أدوية إطالة الحياة بشكل غير متساوٍ. وعبّر أيضا عن قلقه من أن “الأشخاص الذين ستطول أعمارهم قد يشعرون بالملل”.

العلماء لديهم كل القصص الجيدة؛ سنعيش للأبد، وسنكون جميعًا سعداء. ولكن، ما لم يكن للحياة نوع من الهدف أو المعنى، لن يكون التسكع إلى أجل غير مسمى هو الاحتمال الأكثر إغراء”.

ماذا سنفعل خلال المئة أو الـ200 عام القادمة، مشاهدة التلفزيون أو شيء من هذا القبيل؟ وهل الناس أحرار في أن يعيشوا طالما أرادوا ذلك؟

الدكتور هورفاث يعتقد أن “أحد أهم التحديات التي تواجه حضارتنا، هو تمكين الناس من عيش حياة طويلة ومنتجة.. وهذه هي مهمتي”.

12