علموني الصبر

يقول المثل "الصبر مفتاح الفرج" ولكن أم كلثوم لا ترى أي نوع من الفرج في الصبر حين تقول "متصبرنيش بوعود/ وكلام معسول وعهود/ أنا يا ما صبرت زمان/ على نار وعذاب وهوان” وتنتهي إلى أن "للصبر حدود".
على العكس من ذلك، فصبر أيوب لم يكن ذا مساحة زمنية محدودة. كان صبرا مفتوحا على الجهات كلها، بحيث صار مضرب الأمثال.
وتشبّه بعض الشعوب الصبر بالشجرة التي جذورها مرة وثمارها شهية. تلك دعوة متفائلة تضع الصبر على لائحة الأفعال الصعبة المثمرة لذلك قيل "تعلم الصبر واصبر على التعلم"، وكان وديع الصافي قد قال "يا عيني ع الصبر ياعيني عليه/ يشوف الدمع في عنينا يواسينا/ يشوف الجرح في إيدينا يشافينا/ ولما الدنيا تنسانا نلاقي الصبر ويانا". هو الصديق الذي لا يتخلى عن صديقه وهو الطبيب الذي لا يكف عن العلاج.
وبالرغم من كل ذلك فإن أم كلثوم تظل مصرة على موقفها السلبي من الصبر. فهي تقول في واحدة من أجمل الأغاني التي لحنها محمد عبدالوهاب "وصفولي الصبر/ لقيتو خيال وكلام في الحب/ كلام يا دوب ينقال".
في ثلاثينات القرن العشرين غنت صديقة الملاية “الأفندي الأفندي عيوني الأفندي/ الله يخلي صبري صندوق أمين البصرة". وصبري هذا هو شخصية حقيقية، صبري محمد ملا سلمان مسؤول مالي في ولاية البصرة أيام الحكم العثماني وقد اشتهر بلقبه “صندوق أمين البصرة” وذلك تحريف تركي للتعبير العربي “أمين صندوق البصرة”.
وبعكس صديقة الملاية التي اختزلت هيئة الشاب المعاصر بصبري، قام عبدالحليم حافظ بمنح الصبر سعة لا متناهية حين غنى “قالو الصبر بحورو بعيده/ قالو الصبر شفايفو تقول تنهيده”، وصبر حليم استثنائي لأنه يتعلق بـ”كامل الأوصاف” الذي فتنه ويبدو بعيد المنال ولا ينفع معه إلا الصبر الواسع مثل البحر.
ولأن الصبر صبران، صبر على ما تكره وصبر على ما تُحب، فإن فيروز تقول "يا عصفور الشوك أهلك دارو/ بهالسما وما بعرف وين صارو/ دلوني ع درب الحب وطارو/ وعلى درب الصبر ما دلوني". الحب يكتمل بعسره لا بما يتيسر منه. ومن غير صبر قد لا يتمكن العاشق من تلمس الدرب إليه. ولهذا يتعلم العشاق الصبر باعتباره واحدا من أساليب تطويع النفس.