علاج جيني ناجح يمنح الأطفال المصابين بالصمم الوراثي أملا جديدا

إعادة السمع لصبي مغربي تمهد الطريق أمام علاجات أخرى.
الأحد 2024/01/28
تتويج لعقود من الأبحاث

يعكف الأطباء في أنحاء عديدة من العالم على تطوير علاجات جينية رائدة للأطفال المصابين بالصمم الوراثي، وقد نجح، مؤخرا، فريق طبي بمدينة فيلادلفيا الأميركية بفضل علاج جيني جديد في جعل صبي مغربي في الحادية عشرة من عمره من أن يسمع للمرة الأولى في حياته، ويأمل الباحثون أن يفتح هذا العلاج الباب أمام علاجات أخرى.

باريس - يطلق عدد من الفرق الطبية في أنحاء عديدة من العالم علاجات جينية رائدة للأطفال المصابين بالصمم الوراثي، ورغم كونها تتعلق في الوقت الراهن بعدد قليل جدا من المرضى، يمثّل اعتمادها تقدما قد يكون ثوريا من شأنه أن “يغيّر قواعد اللعبة”.

وأحدث التطورات في هذا المجال أن صبيّا في الحادية عشرة من عمره يعاني منذ ولادته “الصمم الشديد” تمكّن بعد خضوعه لعلاج جيني جديد من أن يسمع “للمرة الأولى في حياته”، وفق ما أعلن مستشفى في مدينة فيلادلفيا الأميركية الثلاثاء.

وأوضح مدير الأبحاث السريرية في قسم طب الأنف والأذن والحنجرة في المستشفى جون جير ميلر أن العلاج الجيني الذي طُبِّقَ على المريض عصام دام “يهدف إلى تصحيح خلل جين نادر جدا”.

وبعد نحو أربعة أشهر، تحسّن سمع عصام الذي يعاني “الصمم الشديد” بسبب خلل نادر جدا في جين واحد، إلى حد أنه بات يعاني فقط فقدان السمع الخفيف إلى المتوسط، حيث تمكن الطفل الذي نشأ في المغرب من التعرّف مثلاً على هدير السيارات، وصوت والده.

وأوضح مستشفى فيلادلفيا للأطفال الذي أجرى العلاج في بيان أن هذا الإنجاز، وهو الأول من نوعه في الولايات المتحدة، يوفّر أملاً للمرضى الذين يعانون فقدان السمع الناجم عن تحوّرات جينية في كل أنحاء العالم.

وقال الجرّاح جون جير ميلر إن “العلاج الجيني لفقدان السمع هو هدف يسعى إليه الأطباء والعلماء المتخصصون في فقدان السمع منذ أكثر من 20 عاما”، مضيفا “لقد وصلنا إليه أخيرا”.

وأوضح في البيان أن العلاج الجيني الذي طُبِّقَ على المريض “يهدف إلى تصحيح خلل جين نادر جدا، لكنّ هذه الدراسات يمكن أن تمهد الطريق للاستخدام المستقبلي لأكثر من 150 جينا آخر تسبب فقدان السمع لدى الأطفال”.

العلاج الجيني لفقدان السمع هدف يسعى إليه العلماء المتخصصون في فقدان السمع منذ أكثر من عقدين

ولدى مرضى مثل عصام دام، يحوّل الخلل في هذا دون إنتاج الأوتوفيرلين، وهو بروتين تحتاجه الخلايا الشعرية في الأذن الداخلية لتحويل الاهتزازات الصوتية إلى إشارات كيميائية يتم إرسالها إلى الدماغ.

وتُعدّ حالات الخلل في جين الأوتوفيرلين نادرة جدا، وتمثل ما بين 1 و8 في المئة من حالات فقدان السمع عند الولادة.

لكنّ الصبي قد لا يتمكن من التحدث أبدا، لأن الجزء من الدماغ المخصص لاكتساب الكلام يتوقف عن العمل في سن الخامسة تقريبا.

وخضع الصبي عصام دام في الرابع من أكتوبر الماضي لعملية جراحية أدت إلى رفع طبلة الأذن جزئيا، ثم حقن السائل الداخلي لقوقعة الأذن بفايروس غير ضار تم تعديله ليحمل نسخا عاملة من جين الأوتوفيرلين، ثم بدأت خلايا الشعر في إنتاج البروتين المفقود.

وثمة دراسات أخرى مماثلة مع الأطفال في طور الإعداد أو على وشك البدء في الولايات المتحدة وأوروبا والصين، وقد نجح بعضها.

وكشفت دراسة نُشرت الخميس في مجلة “لانسيت” الطبية أن علاجا مماثلاً أُجري في الصين لستة أطفال صمّ مكّن خمسة منهم من استعادة سمعهم.

من المفترض أن يتيح العلاج الذي سيتم حقنه مباشرة في الأذن الداخلية للأطفال تصحيح الخلل الجيني وبالتالي إعادة السمع إليهم

وأوضح المشارك في إعداد الدراسة والباحث في مستشفى “ماساتشوستس آي أند إير” في الولايات المتحدة تشنغ يي تشن أن “بعض هؤلاء الأطفال بات يستطيع إجراء محادثة عادية والتحدث بالهاتف”.

ولم يكن لدى اثنين من هؤلاء الأطفال قبل العملية غرسات في الأذن، لذا لم يكن بإمكانهما السمع أو التحدث على الإطلاق. أما اليوم، فاستعادا سمعهما.

وأعلنت فرنسا في وقت سابق من هذا الأسبوع أنها ستبدأ قريبا تجربة سريرية لتقويم فاعلية دواء جديد مماثل يوفّر علاجا جينيا.

وسيستهدف هذا العلاج الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و31 شهرا يعانون كعصام والأطفال الذين شملتهم دراسة “لانسيت”، متحوّرات في جين “أوتوف” الذي لم يعد قادراً على إنتاج الأوتوفيرلين، وهو بروتين تحتاجه الخلايا الحسية في الأذن الداخلية لتحويل الاهتزازات الصوتية إلى إشارات كهربائية ترسل إلى الدماغ.

وقالت المديرة العامة لشركة “سانسوريون” الفرنسية للتكنولوجيا الحيوية التي تعمل على تطوير هذا الدواء نوال أوزرن لوكالة فرانس برس إن “ميزة هذا العلاج تكمن في إعطائه للأطفال الصغار جدا، مما يساعدهم على اكتساب اللغة”.

ومن المفترض أن يتيح العلاج الذي سيتم حقنه مباشرة في الأذن الداخلية للأطفال تصحيح الخلل الجيني وبالتالي إعادة السمع إليهم.

الدراسات يمكن أن تمهد الطريق للاستخدام المستقبلي لأكثر من 150 جينا آخر تسبب فقدان السمع لدى الأطفال

وتشكّل كل هذه التجارب تتويجا لعقود من الأبحاث. وأفادت البروفيسورة كريستين بوتي من معهد باستور أن التجربة الفرنسية التي تشارك فيها هذه المؤسسة مع جهات أخرى “تستند بالكامل إلى أبحاث أجريت في المعهد”.

ففي عام 1999، اكتشف فريقها هذا الجين الذي يؤدي إلى الصمم العميق أو الشديد لدى الأطفال حديثي الولادة، قبل أن يوضح دور الأوتوفيرلين.

وفي عام 2018، أثبت الفريق بالتعاون مع باحثين أميركيين أن نقل نسخة طبيعية من هذا الجين إلى أذن فئران صماء تحمل متحورا في الجين نفسه يمكن أن يجعل سمعها شبه طبيعي. ولم يكن ينقص تاليا سوى تطبيق هذه التقنية على البشر.

وتوقعت أخصائية طب الأنف والأذن والحنجرة للأطفال وجراحة الرأس والرقبة في المستشفى المشارك في التجربة “نيكر-آننفان مالاد آب-أش ب” ناتالي لوندون أن “من شأن هذا العلاج تغيير قواعد اللعبة، وهو خطوة تكنولوجية ستحدث ثورة”.

وأضافت لوندون أن الهدف يتمثل في “التمكّن من توفير هذا العلاج للأطفال بدلاً من زرع الغرسات التي لا تكون دائما ذات فاعلية”، إلاّ أن عددا محدودا جدا من المرضى سيستفيدون منه في السنوات المقبلة.

فمع أن نحو طفل واحد من كل ألف يولد مصابا بالصمم الوراثي، فإن المتحور الجيني الذي يركّز عليه هذا العلاج اليوم موجود لدى 3 في المئة فحسب من الحالات، أي نحو عشرة مرضى سنويا في فرنسا.

ورُصدت في الأعوام الثلاثين الأخيرة مئات الجينات الأخرى التي يؤثر وجودها على السمع. ويأمل الباحثون أن يفتح هذا العلاج الأول الباب أمام علاجات أخرى.

وبالتعاون مع معهد باستور، تعمل سانسوريون على التوصل إلى دواء ثان يستهدف جينا تتسبب متحوراته بالأشكال الأكثر شيوعا من الصمم عند الولادة.

13